"أمير الحرب" حفتر .. هل يصبح صانع سلام في ليبيا؟
١٤ يناير ٢٠٢٠انتهت المحادثات بشأن شروط وقف إطلاق النار بين رجل شرق ليبيا القوي خليفة حفتر وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها أممياً، بقيادة فايز السرّاج، التي جرت في موسكو يوم أمس بعد سبع ساعات من المحادثات غير المباشرة، بالفشل في إحراز التقدم المنشود. ففي تطور مفاجئ أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) غادر موسكو من دون أن يوقع على اتفاق لوقف إطلاق النار وضعت مسودته أثناء المحادثات في روسيا أمس الإثنين.
وعلى الرغم من قراره إرجاء التوقيع على وثيقة الاتفاق لوقف إطلاق النار إلى صباح اليوم التالي لدراستها، لم يمنع ذلك موسكو المتهمة بدعم الجنرال الليبي خليفة حفتر، من الإعراب عن تفاؤلها وأملها في تحقيق دفعة في هذه الملف، الذي سرعان ما خيبه الجنرال الليبي الذي هم بالمغادرة من دون ترك توقعيه على الاتفاق.
فشل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في موسكو، سلط الضوء من جديد على دور الجنرال الليبي خليفة حفتر في الصراع الليبي وتأثيره على التوصل إلى حل سلمي للملف. فما الذي قد يخفيه عدم توقيع حفتر على الاتفاق؟ وما الحسابات السياسية التي أثنت الجنرال الليبي عن فعل ذلك؟ المحلل السياسي و أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج مسين بواشنطن، محمد الشرقاوي، يقرأ سببين رئيسيين في هذه الخطوة، كما قال في حواره مع DW عربية: "السبب الأول يكمن في اقتراب الموقف الروسي من الموقف التركي أكثر فأكثر وهو ما بعثر حسابات الجنرال حفتر، الذي لم يكن يتوقع هذا القرب بين موسكو وأنقرة في الخطة الجديدة. خاصة وأن روسيا منذ ظهور الجنرال حفتر عقب انتخابات 2014 كانت تدعم ضمنياً صعود نجم هذا الجنرال وأيضاً اقتناعه بأن ما سيحصل عليه من هذا الاتفاق ليس في مستوى توقعات الجيش الليبي ومجلس النواب في طبرق الذي يدعمه منذ انتخابات صيف 2014".
حسابات الربح والخسارة
يرى المحلل السياسي أن حفتر لا يريد أن يلتزم أيضاً خشية من ردود فعل بعض العواصم التي تؤيده وحتى لا يظهر بأنه يتصرف من دون العودة إلى من يعتبرون داعميه الأساسيين في التوسع باتجاه طرابلس. ومن وجهة نظر عسكرية بحتة يرى البروفيسور أندرياس ديتمان، من المعهد الجغرافي في جامعة غيسن، أن الجنرال حفتر، الذي أبدى موافقته على اتفاق الهدنة في البداية، كان سيخسر في حالة الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، لأن تركيا كانت ستنقل المزيد من الإمدادات نحو طرابلس. وأن التوصل إلى وقف إطلاق النار في ليبيا كان سيكون في صالح تركيا التي كانت ستستغله بشكل أساسي لنقل الإمدادات إلى طرابلس. وقال: "الاتفاق لم يكن ليساعد حفتر، وإنما معارضيه".
المفاوضات في موسكو بين الخصمين الليبيين أسفرت عن تمديد "غير محدد" لوقف إطلاق النار، الذي تم بمبادرة من تركيا التي تدعم حكومة طرابلس بقيادة فايز السراج، وروسيا التي يشتبه في دعمها حفتر. رغم رفض حفتر توقيع اتفاق رسمي على الفور. وقد طلب بضعة أيام قبل أن يتخذ قراره.
ويذكر أنه منذ بدء هجوم حفتر على طرابلس، قُتل أكثر من 280 مدنياً ونحو ألفي مقاتل، كما تقول الأمم المتحدة. كما نزح حوالي 150 ألف شخص.
الأيام المقبلة ستزيح الستار أكثر وأكثر عن الحسابات السياسية للجنرال الليبي، الذي يتساءل مراقبون ومحللون حول ما إن كان سيتحول إلى شريك في السلام في ليبيا أم أنه سيواصل هجومه للاستفراد بالسلطة؟ وعن هذا التساؤل يجيب محمد الشرقاوي، الذي يرى أن الجنرال حفتر لديه ازدواجية في الشخصية: "وهو يتذبذب ويتأرجح بين الشخصية العسكرية للجنرال القوي الذي يستطيع أن يدك الأرض ويقضي على خصومه، وبين الشخصية الأخرى والتي يريد أن يظهر بها أحياناً بزي مدني ويبدو وكأنه الزعيم المرتقب بأن يوحد ليبيا". الدعم الخارجي يزيد من هذا التذبذب، بحسب المحلل السياسي، الذي يرى أنه "طالما لم تتغير مواقف الدول التي ترعى معسكر الشرق في ليبيا لن يتغير موقف حفتر". ويضيف الشرقاوي: "لا يجب أن نقرأ إرادة حفتر لوحده وما يحققه أو ما يفشل في تحقيقه، بل يجب النظر إلى منبع القوة والدعم المادي واللوجيستي له. تلك العواصم هي من يغير التفاعل مع الأزمة وما لم تتوافق المصالح الكبرى لتلك الدول لا أعتقد أن الأزمة الليبية ستصل إلى مخرج".
"كثرة الطباخين تفسد الطبخة"
من جهتها أعلنت الحكومة الألمانية اليوم الثلاثاء أن المؤتمر الدولي حول ليبيا سيعقد في برلين الأحد برعاية الأمم المتحدة، بهدف العمل على توفير ظروف مواتية لبدء عملية سلام في هذا البلد الذي يعيش حرباً أهلية. وقالت الحكومة الألمانية في بيان إن من بين المشاركين في المؤتمر ممثلين للولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وتركيا وإيطاليا والإمارات والجزائر والأمم المتحدة. وأضافت أنها وجهت الدعوة أيضا لفايز السراج الذي يرأس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، ومقرها طرابلس، وخليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي).
بعد فشل محادثات موسكو، تنتقل الأنظار نحو العاصمة الألمانية، فكيف تبدو فرص مؤتمر برلين؟ ديتمان يرى في هذا المؤتمر "فرصة جيدة" ما لم يتم ارتكاب الخطأ الذي ارتُكب في مؤتمرات سابقة حول سوريا والمتمثل في عدم دعوة جميع الفاعلين في الأزمة ومنهم إيران، على الرغم من أنها واحدة من الداعمين الرئيسيين لنظام الأسد في سوريا. ويقول الباحث الألماني: "في البداية لا يبدو أن هذا الخطأ تكرر في برلين، لأن كل فاعل يلعب في مكان ما في الخلفية مدعو إلى المؤتمر. لكن هذا لا يعني أن جميع الأوراق وضعت على الطاولة. إذ لا يوجد فقط الروس والأطراف الغربية التي تعمل ضد بعضها في ليبيا، ولكن أيضاً دول الاتحاد الأوروبي التي تعمل ضد بعضها داخل ليبيا، خاصة فرنسا وإيطاليا".
من جانبه يرى الشرقاوي أن هذا المد والجزر الذي تعرفه الأزمة الليبية منذ سنوات، والتي باتت تصل إلى مرحلة التفاؤل ثم تتحرك خطوتين إلى الخلف، راجع إلى مشكلة أساسية تكمن في ازدواجية الشرعية من ناحية. ومن ناحية أخرى تعدد التدخلات وتباين الاستراتيجيات من دول أوروبية وخليجية. "فتعدد الأدوار الخارجية هذا يجعل من الصعب ايجاد صيغة توفيقية أوعلى الأقل تقريب وجهات النظر وتجسير الفجوة بين هؤلاء الزعماء لأن كل طرف يعتد بأن لديه ما يكفي من الدعم الخارجي. وكما يقال كثرة الطباخين تفسد الطبخة".
وفي ختام حواره قال الأستاذ الجامعي: "أعتقد أن هذا من سوء حظ الليبيين، الذين لو تركوا وشأنهم قد يتوصلون إلى حل، كما أن الصراعات الدموية الميدانية تغطي على أي تقدم يمكن إحرازه (...) الوضع الميداني قد يكون أكثر تأثيراً من التفاعل الديبلوماسي".