أنقرة تصادق على قانون عقوبات جديد والمعارضون يتحدثون عن يوم أسود
في حين يبذل أصحاب القرار في أنقرة قصارى جهدهم للوفاء بالشروط اللازمة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، جاءت "لاءات" فرنسا وهولندا للدستور الأوروبي لتشير بوضوح إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لرفض الشعبين دستور أوروبا الموحدة هي الخطط الرامية إلى توسيع حدود الاتحاد لتشمل تركيا ليصبح البلد المسلم بذلك ثاني أكبر دولة أوروبية من حيث عدد السكان بعد ألمانيا. وبينما تسير عملية الإصلاحات في تركيا على قدم وساق، تهتز عروش أكبر المؤيدين لدخول البلد المسلم إلى المجموعة الأوروبية. ففي ألمانيا أدرك المستشار الاتحادي غيرهارد شرودر معنى الهزيمة الأخيرة التي مني بها حزبه في ولاية شمال الراين وستفاليا وأعلن عن تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي قد يكلفه منصبه ويؤدي إلى وصول الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ إلى الحكم. ومن المعروف أن الحزب المعارض لا يخفي معارضته لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وبالمقابل يؤيد الحزب ما يسميه بـ "الشراكة المميزة" مع البلد المسلم. أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك المتحمس الثاني للانضمام التركي فقد مني هو أيضا بهزيمة الدستور التي اعتبرها البعض ليس رفضا للدستور نفسه، بل رفضا للرئيس ولسياسته.
الامتحان الصعب
في غضون ذلك نالت تركيا بعد ثلاثين عاما من الانتظار رضا بروكسل ومُنحت الضوء الأخضر للحصول على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي. ولكن انضمام البلد المسلم إلى أوروبا الموحدة يتطلب من حكومة أنقرة اجتياز امتحانات صعبة والقيام بإصلاحات جذرية وكثيرة تؤهلها للتخلص من الاتهامات الموجهة إليها وتبين لدول الاتحاد الأوروبي حسن سلوكها وسيرتها. صحيح أن الحكومة التركية باشرت في السنوات القليلة الماضية بإجراء مزيد من الإصلاحات وخاصة في المجالين القانوني والقضائي الرامية إلى جعل القانون التركي متسقا مع المعايير الدولية ومناسبا لروحها، ولكن إدخال هذه القوانين حيّز التنفيذ كان متقطعا ومتهما بالتقاعس، سواء من قبل الحكومات الأوروبية أو المنظمات الدولية. ووفقا لمصادر منظمة العفو الدولية "إمنستي إنترناشونال" فإنه رغم التغييرات الإيجابية التي شهدها النظام القضائي التركي في السنوات الماضية، غير أن التعذيب والمعاملة السيئة على أيدي قوات الأمن ما زال مستمرا وأن الإفراط في استخدام القوة ضد المتظاهرين ما زال يشكل أحد بواعث القلق الشديد في الدول الأوروبية.
إصلاح النظام القانوني
لاحظ المراقبون في العام الماضي استحداث حكومة أنقرة تغييرات مهمة على نظامها القضائي، إذ ألغيت محاكم أمن الدولة وحلت مكانها محاكم الجرائم الخاصة وأصبحت للقانون الدولي الأسبقية على التشريعات المحلية وأزيلت جميع الإشارات إلى عقوبة الإعدام من قانون العقوبات، كما استبعد أفراد الجيش من عضوية المجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون. ومن بين التشريعات الجديدة قانون الصحافة الجديد وقانون الجمعيات الجديد وقانون الإجراءات الجنائية الجديد وقانون العقوبات الجديد الذي صادق عليه البرلمان التركي أول أمس الأربعاء (01.06.05). ومن أبرز الملاحظات على هذه القوانين الجديدة هي حذف قانون العقوبات الجديد كثيرا من المواد التي كانت تنص على التمييز بين الجنسين وتضمن تعريفا للتعذيب أقرب للتعريف الذي ينص عليه القانون الدولي. ورغم ذلك تلاحظ أوراق منظمة العفو الدولية أن القوانين الجديدة تتضمن بعض أحكام القوانين القديمة التي كانت تستخدم لتقييد الحقوق الأساسية.
قانون عقوبات جديد
جاءت مصادقة البرلمان التركي أول أمس على قانون العقوبات الجديد بعد إجراء تغييرات عليه ليشير إلى نية الحكومة التركية في الاستجابة لشروط الاتحاد الأوروبي المطالبة بإصلاح النظام القضائي التركي. وكانت الحكومة التركية أخرت عرض القانون الجديد على الرأي العام بغرض إجراء تعديلات عليه وصفها المعارضون أنها تخالف حقوق الإنسان وقبل كل شيء حرية الصحافة والتعبير عن الرأي. وفي حين اعتبرت أنقرة أن القانون الجديد يتمشى مع روح القوانين الأوروبية، اعتبره المعارضون مثيرا للجدل ووصفته اتحادات الصحفيين أنه "يوم أسود" لأنه يقيد حرية الصحافة والتعبير عن الرأي. ويقول المراقبون إن بعض مواد القانون الجديد تنص على إصدار عقوبة بالسجن تصل إلى 15 عام لأشخاص وجهوا انتقادات للمبادئ الحكومية الأساسية. وذكرت الحكومة بعض هذه المبادئ مثل المطالبة بانسحاب تركي من قبرص أو إلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية أو الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت في تركيا بحق الأرمن. تجدر الإشارة إلى أن الحكومة التركية أجلت في بداية نيسان/ أبريل الماضي تقديم القانون الجديد للبرلمان تمشيا مع ضغوطات اتحادات الصحفيين.
حقوق أكثر للنساء والأطفال
بالمقابل يتخذ القانون الجديد إجراءات أشد ضد التعذيب ويلغي قوانين إعفاء المجرمين من العقاب في حال ارتكابهم ما يسمى بـ "جرائم الشرف". كما ينص على تعزيز حقوق النساء والأطفال ويعمل على تحسين قواعد الاحتجاز وتوفير الحماية للمحتجزين وإلغاء بعض أساليب التعذيب مثل التعليق من الذراعين والضرب بالفلقة. وبهذا تكون تركيا أوفت بالمطالب الأوروبية الرامية إلى تعزيز أسس دولة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان.
تقرير: ناصر جبارة