إثيوبيا ـ تفاقم الصراع في تيغراي زلزال يهدد القرن الإفريقي
١١ نوفمبر ٢٠٢١بدأت الحرب الأهلية في إثيوبياتأخذ أبعادا غير مسبوقة، حيث واصل متمردو تيغراي زحفهم نحو العاصمة أديس أبابا تزامنا مع عدد من التحركات الدولية الهادفة إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار. الأمم المتحدة أعربت خلال جلسة لمجلس الأمن حول إثيوبيا، عن قلقها الشديد من الانزلاق المتسارع لهذا البلد نحو سيناريوهات مجهولة تهدد بكارثة إنسانية في بلد كبير ومهم بمنطقة القرن الإفريقي.
المنظمة الدولية أكدت أن ما لا يقل عن سبعة ملايين إثيوبي يحتاجون لمساعدات إنسانية عاجلة، فيما يعاني ما لا يقل عن 13 مليون آخرين من انعدام الأمن الغذائي. وفي هذا السياق دعت الأمم المتحدة الأطراف المتحاربة إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع دون عوائق في إطار مكافحة أزمة الجوع. يذكر أن برنامج الغذاء العالمي سبق وأن ناشد الأسبوع الماضي جميع أطراف النزاع بالسماح للشاحنات المحملة بالأغذية والأدوية وإمدادات إنسانية أخرى بالوصول إلى أولئك الذين يحتاجون إليها، لكن هذه المناشدات لم تلق آذانا صاغية حتى الآن.
وبهذا الصدد وفي حوار مع دويتشه فيله (الخامس من نوفمبر/ ترشين الثاني 2021) أوضح موريثي موتيغا، الخبير في معهد الأزمات الدولية بكينيا أن "الوضع في إثيوبيا شديد الخطورة، وربما يمكن وصفه بأخطر لحظة في تاريخ هذا البلد منذ عقود". وتابع أن المشكلة الرئيسية هي أن كل الاطراف قررت حل هذا الصراع بالوسائل العسكرية، موضحا أن قوات تيغراي قد تعززت "ويبدو أنها عازمة على اتخاذ الخطوات الحاسمة التي قد تؤدي إلى إنهاء الحصار في تيغراي أو انهيار حكومة أبي".
الاتحاد الأوروبي مستعد لفرض عقوبات
الاتحاد الأوربي قلق بدوره من تطورات الوضع، إذ أعرب (الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021) عن استعداده لفرض عقوبات على المسؤولين المتورطين في الحرب والأزمة الإنسانية في إقليم تيغراي. وقال جوزيب بوريل كبير الدبلوماسيين في التكتل القاري أن "الاتحاد الأوروبي يظل على استعداد لاستخدام جميع أدوات سياسته الخارجية، بما في ذلك الإجراءات الجذرية، لتعزيز السلام والامتثال لحقوق الإنسان وللمساعدة على إنهاء الصراع". ويبدو أيضا أن عددا من القوى الغربية الأخرى تبحث مسألة فرض عقوبات في نفس الاتجاه. خصوصا بعد بدء سريان نظام عقوبات وقعه الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد المسؤولين عن إطالة أمد الصراع في شمال إثيوبيا وانتهاك حقوق الإنسان وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية. وفي هذا الصدد سيتم فرض حظر السفر وتجميد أصول وزراء وقادة عسكريين ومسؤولين إقليميين. بالإضافة إلى ذلك، يتم التخطيط لفرض حظر على مبيعات الأسلحة إلى إريتريا و إثيوبيا. الاتحاد الأوروبي أكد أيضا أنه سيواصل تقديم المساعدات الإنسانية للقرن الإفريقي رغم صعوبة الوصول إلى المحتاجين، فيما عرض بوريل على رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد خطة سلام محتملة. واعتبر بوريل أن إثيوبيا "شريك طويل الأمد للاتحاد الأوروبي"، مضيفا أن التكتل "يدعم استقرار ووحدة وسلامة أراضي إثيوبيا".
غير أن هذه التهديدات بالعقوبات والدعوات لوقف إطلاق النار من قبل الاتحاد الأوروبي وباقي القوى الدولية الأخرى وحتى الدول المجاورة لإثيوبيا، لم تلق آذانًا صاغية حتى الآن حيث يواصل رئيس الوزراء أبي أحمد، الحاصل بالمناسبة، على جائزة نوبل للسلام في عام 2019، الدعوة إلى حسم المعركة بانتصار عسكري. وعلقت على ذلك صحيفة "بفورتهايمه تسايتونغ" الألمانية (الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني) على أخطاء القيادة الإثيوبية في أديس أبابا وقالت "يتعرض رئيس الوزراء آبي أحمد لانتقادات دولية شديدة. وهو متهم بارتكاب جرائم حرب وبالحصار الفعلي لإقليم تيغراي".
"عملية الأسبوعين" التي تحولت لحرب أهلية
شن أبي أحمد حملة عسكرية في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي بعد أن هاجم متمردو الجبهة الشعبية لتحرير تيغرايقاعدة عسكرية في الإقليم الشمالي للبلاد حيث تتمركز القوات الحكومية. ووعد حينها بأن تكون عملية تستغرق ثلاثة أسابيع لا أكثر، وبعد عام لم تتبلور بعد أية مؤشرات جدية على انتصار عسكري على المتمردين بل، وازداد القتال ضراوة في الأسابيع القليلة الماضية. وبات التصعيد في منطقة أمهرة والتقدم العسكري من قبل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وجيش تحرير أورومو، والضربات الجوية لسلاح الجو الإثيوبي على ميكيلي، المدينة الرئيسية في تيغراي، تشكل مشهدا خطيرا يهدد بتحويل هذه الحرب إلى مأساة قد لا تنهض منها إثيوبيا في المدى المنظور.
ورغم مظاهرات التأييد لرئيس الوزراء، فإن مصير العاصمة أديس أبابا بات على كف عفريت. فقد ذكر قائد جيش تحرير أورومو في إثيوبيا جال مورو أن قواته اقتربت من العاصمة ويتوقع أن تسقط قريبا. وذكر مورو أن المقاتلين الموالين للحكومة بدؤوا يعانون من الانقسامات، واعتبر أن الحكومة الفدرالية تحاول فقط كسب الوقت وإثارة حرب أهلية في البلد، ولهذا تدعو الشعب للقتال. الحرب الأهلية هذه تهدد إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي بأسرها. ولا يجب نسيان أن عدد سكان إثيوبيا يبلغ 115 مليون نسمة أي ثاني دولة من حيث السكان في إفريقيا بعد نيجيريا، كما أنها دولة متعددة الأعراق يهددها الانقسام وإضعاف الحكومة المركزية وهي التي لطالما اعتبرت ركيزة للاستقرار في المنطقة. موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى (الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني) عاد إلى جذور هذه الحرب الأهلية وكتب أن "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي قد حددت معالم المشهد السياسي في كامل إثيوبيا لعقود وهيمنت أيضًا على المؤسسة العسكرية. فعندما تولى أبي أحمد رئاسة الحكومة، قام تدريجياً بإلغاء صلاحية هذا الحرس القديم، ووصلت الخلافات السياسية إلى ذروتها إلى أن اندلعت المواجهة العسكرية الحالية. وكان أبي يراهن على نصر سريع للجيش. لكن في غضون ذلك، أصبحت معنويات القوات محبطة ويبدو أنه ليس لديها الكثير لمواجهة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".
دعوات للحوار وإسكات صوت المدافع
توالت ردود الفعل الدولية الداعية للحوار، إذ دعا بابا الفاتيكان فرنسيس الأطراف المتصارعة إلى الحوار، وقال إنه يتابع الأخبار الواردة من القرن الأفريقي "بقلق" في صراع أودى بحياة العديد من الضحايا وتسبب في أزمة إنسانية خطيرة. وأضاف "أدعو الجميع للصلاة من أجل هؤلاء السكان الذين يعانون من اختبار قاس، وأجدد مناشدتي حتى يسود الانسجام الأخوي والمسار السلمي للحوار". من جهتها أكدت واشنطن على لسان مندوبتها بمجلس الأمن، أن الحل الوحيد للنزاع في إثيوبيا سياسي وليس عسكريا. وطالبت قوات متمردي تيغراي بالانسحاب من عفر وأمهرة ووقف التقدم نحو أديس أبابا. ودعت في الوقت ذاته الحكومة الإثيوبية إلى احترام القانون الدولي وبدء مفاوضات لوقف إطلاق النار من دون شروط. أما الصين التي استثمرت المليارات في إثيوبيا، فاعتبرت في مجلس الأمن أن الضغط على أديس أبابا سيزيد الأزمة عمقا ويصعب من إيجاد حل في القريب العاجل.
ما يحدث حاليًا في شمال إثيوبيا يقترب من "إبادة جماعية"، حسبما أكده جويل أوتينو، الخبير في معهد القرن الإفريقي الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره في العاصمة الكينية نيروبي. وفق ما أورده موقع "زي.دي.إيف"، القناة الألمانية الثانية (13 أكتوبر/ تشرين الأول) حيث قتل آلاف المنيين وشرد أكثر من 1,7 مليون شخص من ديارهم. وتشير بعض التقارير إلى انتشار انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وفظائع حرب تكاد تصل إلى حد "الإبادة الجماعية" حسب تقييم أكدته مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
التيغرانيون ـ تاريخ عريق وحقب من المد والجزر
الصراع الحالي له جذوره التي تعود للماضي القديم، فالتيغرانيون ينحدرون من السكان الناطقين باللغات الكوشية والذين انصهروا تدريجياً مع السكان الذين نشأوا في شبه الجزيرة العربية. يبلغ عدد سكان مقاطعة تيغراي الآن حوالي ستة ملايين نسمة من أصل 113 مليون نسمة في مجموع إثيوبيا. معظم سكان تيغراييعتنقون الديانة المسيحية ويعتبرون أنفسهم ورثة مملكة أكسوم، التي تأسست في مرتفعات الحبشة، وهو (مصطلح قديم يشير إلى الجزء الشمالي الحالي من إثيوبيا). تاريخيا، تم تهميش الأقلية التيغرانية تدريجياً بعد عهد الإمبراطور الأخير من أصل تيغراي، يوهانس الرابع (1872-1889). بعده، سيعتمد منيليك الثاني (1889-1913) ثم هيلا سيلاسي (1930-1974) في بناء إثيوبيا الحديثة، على شعب أمهرة الذي يمثل ربع سكان البلاد.
وأدى هذا الشعور بالتهميش بنبلاء تيغراي إلى أن يروا في الاحتلال الإيطالي (1935-1941) فرصة لاستعادة بعض من هيبتهم الماضية، وحصلوا على استقلال إداري واسع. وعندما أنهت بريطانيا الاحتلال الإيطالي (1943)، استجابت لرغبة الإمبراطور هيلا سيلاسي لقمع طموح الاستقلال الكامن لدى أهل تيغراي .في الستينيات، تم تأسيس عدد من حركات التحرر من النخب المتعلمة لتيغراي. وفي عام 1974، شاركوا في الإطاحة بالنظام الملكي. غير أنهم سرعان ما أصيبوا بخيبة أمل من النظام العسكري الجديد. وهكذا أسس مؤيدو تقرير المصير عام 1975 "جبهة تحرير شعب تيغراي"، غير أن الجبهة ظلت غامضة فيما يتعلق بأهدافها النهائية، بشأن ما إذا كانت تسعى فعلا للاستقلال التام أم لحكم ذاتي موسع تحت سيادة إثيوبيا.
تهميش نخب تيغراي في المشهد السياسي
حاربت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ما لا يقل عن خمسة عشر عامًا نظام مينغيستو هيلا ماريام الذي حكم البلاد في الفترة بين (1977-1991)، وعقدت تحالفًا مع حركات تمرد أخرى مثل الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا. وفي عام 1989، تم تشكيل تحالف كبير من عدة حركات معارضة بمبادرة من الجبهة، أطلق عليها اسم "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي" وتمكنت من الاستيلاء على السلطة في أديس أبابا في مايو/ أيار 1991 وإجبار مينغيستو على المنفى، ومؤسسها الرئيسي هو ملس زيناوي، الذي أصبح لاحقا رئيسًا للوزراء (1995-2012).
وكانت نخب تيغراي حاضرة جدًا في قطاعات الاقتصاد والأمن من عام 1991 إلى عام 2018، حيث كانت رئاسة أركان الجيش تعود دائما إلى شخص من تيغراي، مثل عدد من المناصب السيادية الأخرى. غير أن لجوء النظام لقمع ممنهج وتزوير الانتخابات للبقاء في السلطة، إضافة إلى وفاة ميليس زيناوي، أدى إلى غضب شعبي واسع ومظاهرات أطاحت بالنظام. وفي نوفمبر 2019، أنشأ أبي أحمد تحالفا سياسيا جديدا، منفتحًا على جميع ولايات البلاد وأكثر ديمقراطية. لكن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي رفضت الانضمام إلى هذا التحالف، الأمر الذي عمل على تهميش الأقلية التيغرانية في المشهد السياسي. وتم اعتقال عدد من كبار المسؤولين من أصول تيغرانية، بتهم الفساد.
حسن زنيند