إسرائيل تلقح الأطفال وتراهن على نجاح "الجرعة الثالثة"
١٥ نوفمبر ٢٠٢١يصطف كثيرون أمام مركز للتطعيم ضد فيروس كورونا في القدس الغربية ومن بينهم ليا باول وهي طالبة أمريكية تزور إسرائيل في الوقت الحالي، "جئت إلى هنا للحصول على الجرعة الثالثة، لأنه أمر مهم حتى تتمكن إسرائيل من تفادي الإغلاق. لا يزال إلزاميا إرتداء الكمامات في بعض الأماكن، لكن يبدو أن الحياة تعود إلى طبيعتها."
لكن سبق هذا الحديث المفعم بالأمل، حالة من التفاؤل الحذر خلال فصل الصيف عند انتشار سلالة دلتا المتحورة بوتيرة أكبر إذ بدأ تفشي الفيروس مرة أخرى في يوليو/ تموز ومنتصف سبتمبر/ أيلول. وفي ذاك الوقت، تم تسجيل أعلى معدل للإصابات بعدما امتلأت المستشفيات بالكثير من مرضى كانت حالتهم خطيرة سواء بين الذين تم تطعيمهم أو بين الأشخاص الأصغر سناً الذين لم يحصلوا على التطعيم.
وفي مقابلة مع DW، اعتبر سلمان زرقا، رئيس طاقم مكافحة فيروس كورونا في إسرائيل، أن اللقاح والتطعيم "هما السلاح الرئيسي في إسرائيل وفي أماكن أخرى (ضد الفيروس)". وأضاف "مع بداية موجة دلتا، أدركنا أن الأشخاص الذين تلقوا جرعتين لم يعد لديهم حماية ضد العدوى، لذا كان علينا اتخاذ قرار سريع" استند إلى دراسات علمية تشير إلى تضاؤل المناعة ضد الفيروس بعد ستة أشهر. وقد يعرض هذا الأمر كبار السن، الذين كانوا في طليعة الأشخاص الذين تم تطعيمهم في ديسمبر / كانون الأول، بشكل خاص لخطر الإصابة مرة أخرى.
يشار إلى أن إسرائيل قد أبرمت صفقة أتاحت الحصول على لقاحات كورونا للجميع مع بدء تفشي فيروس كورونا إلى جانب تدشين نظام محلي للرعاية الصحية وتطبيق نظام "المرور الأخضر" في مارس /آذار لإلغاء القيود على الأشخاص الذين تم تطعيمهم.
وكانت هذه الفئة الأولى التي تمت الموافقة على حصولها على الجرعة الثالثة أو المعززة في يوليو / تموز الماضي.وقد نجحت هذه الجهود في خفض معدلات الإصابة بفيروس كورونا بشكل حاد وهو ما دفع إسرائيل في يونيو / حزيران إلى رفع معظم القيود بما في ذلك إلزامية ارتداء الكمامات لتبدأ عودة الحياة إلى طبيعتها فيما كانت العديد من الدول في أوروبا قد بدأت لتوها في تكثيف حملات التطعيم ضد الفيروس.
بيد أنه وبحلول يونيو/ حزيران، بدأت سلالة دلتا المتحورة في الانتشار رغم ارتفاع معدل التطعيم ضد الفيروس وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تدشين حملة لإعطاء الجرعة الثالثة في أغسطس / آب بالتزامن مع تدشين حملة تطعيم للأشخاص فوق سن 12 عاما بشكل تدريجي.
"الجرعة الثالثة أنقذت إسرائيل"
من جانبه، يرى غابرييل بارباش - أستاذ علم الأوبئة في معهد "وايزمان" للعلوم وأحد أبرز خبراء الصحة في إسرائيل- أن الجرعة الثالثة كانت حاسمة في كبح جماح تفشي فيروس كورونا مرة أخرى في البلاد.
وقال "لا يوجد أدى شك في أن الجرعة الثالثة المعززة أنقذت إسرائيل. أعتقد أن الحياة ستعود إلى طبيعتها لكن في إطار شكل الحياة الجديدة ما بعد الجائحة بمعنى عدم التخلي عن ارتداء الكمامات إذ ستظل إلزامية في الأماكن المغلقة".
ورغم أن بارباش شدد على أهمية الجرعة الثالثة، إلا أنه حذر من أن التأثير المناعي سوف يتضاءل، مضيفا "نحن بحاجة إلى أن نكون على أهبة الاستعداد. يجب أن نكون حذرين حيال ذلك."
وحتى الآن، حققت إسرائيل نجاحا في "التعايش" مع جائحة كورونا، لكن لم يغيب عن المشهد بعض القضايا المثيرة للجدل. فلا يزال نواحي الاقتصاد والمدارس مفتوحة في الغالب فيما انخفضت معدلات المرضى خاصة المصابين بأمراض خطيرة في المستشفيات. وبالتزامن مع تطبيق الجرعة الثالثة، أعادت الحكومة فرض إلزامية إرتداء الكمامات في الأماكن المغلقة وشددت على تطبيق نظام "المرور الأخضر" للوقاية من الفيروس.
قواعد جديدة
بابتسامة تعلو وجهه، يستقبل عوفر ليفي رواد مسبح خارجي يديره قرب أحد الشواطئ في تل أبيب الذي أصبح مقصدا للكثيرين خاصة في هذا الطقس المعتدل. وفي هذا السياق، قال ليفي "لقد أنشأنا منطقة آمنة هنا فيما يتعلق بوباء كورونا"، مضيفا أنه تم تطبيق قواعد لدخول النادي والمسبح مثل تقديم "بطاقة المرور الخضراء" عند دخول المسبح.
وأشار إلى هذه القواعد بقوله: "عندما يريد شخص ما الذهاب إلى المسبح أو صالة الألعاب الرياضية، نقوم بالتحقق من بطاقة المرور الخضراء عن طريق رمز الاستجابة السريعة الأخضر الموجود على الهواتف. وقد يكون الأمر في بعض الأحيان مزعجا، لكن الغالبية تتفهم وتتعاون في هذا الأمر". وأضاف "خلال وباء كورونا، اضطررنا إلى البقاء في المنازل لشهور ولا نريد العودة إلى ذلك، لذا سنقوم بعمل أي شي قد يُطلب منا لتفادي ذلك".
وفيما يتعلق بالجرعة الثالثة، ذكرت وزارة الصحة الإسرائيلية أن قرابة نصف سكان البلاد حصلوا على الجرعة المعززة فيما يقدر عدد الأشخاص الذين لم يتم تطعيمهم بقرابة 700 ألف شخص.
تحديات جديدة
وتشهد إسرائيل جدلا حيال تطعيم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 11 عاما خاصة بعد أن أعطت لجنة صحية الأربعاء الماضي موافقتها على تطعيم هذه الفئة ما يمهد الطريق لحملة عامة جديدة تستهدف الأطفال في هذا السن.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية بأنه يُتوقع أن تصل شحنات لقاحات كورونا المخصصة للأطفال الأسبوع المقبل.
ورغم ارتفاع معدل التطعيم، إلا أن إسرائيل تضم فئة – وإن كانت تمثل أقلية – تعارض التطعيم وقد اكتسبت زخما وبدا صوتها عال إذ ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي و ينظمون مظاهرات صغيرة. وقد أظهر استطلاع للرأي أن نسبة ثمانية بالمائة من سكان البلاد فقط تعارض بشدة التطعيم إذ تعتقد أن اللقاحات كانت نتاج "مصالح سياسية أو اقتصادية"، فيما ساند غالبية الإسرائيليين الذين شملهم الاستطلاع فرض مزيد من القيود على الأشخاص الذين لم يحصلوا على اللقاح.
وفيما يتعلق بالخارج، يُنظر إلى إعادة فتح مطار بن غوريون الرئيسي في إسرائيل أمام حركة السفر والسياحة منذ إغلاقه في مارس / آذار 2020، باعتباره "تحديدا" في جهود مكافحة الجائحة إذ يُسمح للسائحين بدخول إسرائيل مع الالتزام ببعض القواعد معقدة لاسيما اختبارات فيروس كورونا.
ورغم كل هذه الإشارات الإيجابية حيال عودة الحياة إلى طبيعتها في إسرائيل، إلا أن سلمان زرقا– رئيس طاقم مكافحة فيروس كورونا في إسرائيل– يرى أن كل ذلك لا يعد مؤشرا على نهاية الوباء. وأضاف "لا يمكننا بعد الاحتفال بنهاية الوباء. إن همنا الأكبر الآن يتمثل في تجنب حدوث موجة خامسة وانتشار سلاسة متحورة".
المناطق الفلسطينية.. الوضع صعب
وفي المناطق الفلسطينية لا تزال وتيرة التطعيم بطيئة وإن كانت تزايدت مؤخرا، إذ توفر السلطة الفلسطينية لقاحات كورونا تم شراء بعضها من قبل السلطة فيما وفرت منظومة "كوفاكس" التابعة لمنظمة الصحة العالمية البعض الآخر فيما قدمت دول أخرى مثل روسيا الكميات الأخرى من اللقاحات.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فقد حصل أكثر من 50 بالمائة سكان الضفة الغربية وقطاع غزة ممن تتراوح أعمارهم بين 16 عاما وما فوق، على الجرعة الأولى من لقاح كورونا على الأقل فيما تم إعطاء الجرعة الثالثة لعدد صغير من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس.
إسرائيل... مختبر للعالم
وبالعودة إلى إسرائيل، يرى بارباش - أستاذ علم الأوبئة – أن ارتفاع معدلات التطعيم يشير إلى أن إسرائيل باتت "بمثابة مختبرا للعالم"، مضيفا "لقد اختبرنا أشياءَ لا تزال تختبرها بلدان مثل الولايات المتحدة وأوروبا وحتى قبل بلدان أخرى".
ويعكف الباحثون في الوقت الحالي على معرفة المناعة التي ستوفرها الجرعة الثالثة من لقاحات كورونا مما قد يساعد البلدان الغنية الأخرى على التغلب على الوباء في الأشهر القادمة.
تانيا كريمر/ م.ع