إغلاق إنجرليك: "أردوغان يستعرض العضلات"
١٨ ديسمبر ٢٠١٩وضعت أنقرة العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية على المحك بسبب شراء نظام صواريخ روسية اس 400 وعلى ضوء الهجوم العسكري في شمال سوريا. ومن جانبه أغضب مجلس النواب الأمريكي الحكومة التركية بإصدار قرار بغالبية الأصوات يقر بأن المذابح بحق الأرمن إبادة جماعية. والآن تبدو درجة التصعيد الإضافية في الأفق: فالرئيس التركي رجب طيب اردوغان هدد الأمريكيين بإغلاق قاعدة انجرليك الجوية ومحطة الرادار في كوريجيك "إذا استدعت الضرورة" ، أي إذا ما دخلت العقوبات التي يطالب بها بعض النواب الأمريكيين حيز التنفيذ. أولريش كون من معهد بحوث السلم والسياسة الأمنية بجامعة هامبورغ يقيّم الوضع في الحديث التالي.
الرئيس التركي يهدد بإغلاق قاعدتين جويتين على الأرض التركية. ما هي المخاطر التي تمثلها هذه الخطوة بالنسبة إلى القوات الأمريكية؟
التهديد جسيم، لأن الأمريكيين استخدموا في السابق القاعدة بكثرة ـ وحتى محطة الرادار في كوريجيك تبقى مهمة بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي في مواجهة الصواريخ. كما تعلب كورجيك دورا كبيرا في برنامج التحذير المبكر للحلف. لكنني لست متأكدا فيما إذا كان ينبغي اتخاذ هذا التهديد على محمل الجد. هذا يذكرني أكثر "بلعبة الدجاج" بين واشنطن وأنقرة ـ من يتنازل أولا يبرهن على خوفه ويخسر بذلك اللعبة. لا أتصور أن اردوغان سينفذ تهديداته. فأنقرة ستخاطر بعضويتها في حلف شمال الأطلسي. وهذا التصعيد سيلحق الضر أيضا بحلف شمال الأطلسي، فهناك تبعية متبادلة هائلة. ومن ثم سيكون تصعيد كامل غير معقول. وهذا التهديد يبدو لي أكثر كمناورة داخلية، لأن اردوغان يواجه حاليا ضغوطا داخل البلاد. فهو يرغب في استعراض العضلات في وجه الأمريكيين، لأن ذلك يعجب الناخبين.
يُقال بأنه توجد أسلحة نووية أيضا في قاعدة انجرليك العسكرية ـ هل يمكن إغلاق هذه القاعدة بكل بساطة؟
يوجد هناك قنابل من نوع ب 61، فهي قنبلة يمكن تثبيتها تحت المقاتلات. وهي سلاح نووي يصلح في سياسة الردع لحلف شمال الأطلسي. والأسلحة النووية موجودة تحت الأرض في مخازن ـ ومن الممكن وضعها قيد العمل في الأزمات. إذن هي ليست إشاعة، بل من المؤكد أنه يوجد هناك أسلحة نووية. ليس هناك فقط تأكيد رسمي من جانب الأمريكيين.
هل الانسحاب من قاعدة عسكرية برؤوس نووية واقعي في الحقيقة ؟ هذا سيكون مرتبطا بمتاعب لوجستية كبيرة.
لكن هناك في الولايات المتحدة أصوات جدية خارج الحكومة تؤيد انسحابا، لأن تركيا ليست شريكا أمينا. وتوجد هذه الأفكار، لا سيما من دوائر الديمقراطيين. لكن من حكومة ترامب لا يُسمع إلا القليل في هذا الاتجاه. وفي حال حدوث انسحاب أمريكي، فلن يكون على الأقل متوقعا أن تجلب القوات المسلحة التركية الأسلحة النووية إليها. فتلك الأسلحة تخضع في النهاية لمراقبة جنود أمريكيين. وإذا لم يكن في حوزة المرء الرقم النووي السري، فلا يمكن له على كل حال عمل الكثير. وللتعرف على الرقم السري، نحتاج على الأقل إلى نصف سنة. وسيتوجب على الأمريكيين بعد الانسحاب البحث عن قاعدة جوية جديدة. وحسب رادار يسجل تحركات الوحدات، يبدو أن طائرات نقل عسكرية أمريكية تحركت من القاعدة الجوية الأمريكية. فهل تلك ردة فعل على إغلاق محتمل أو صدفة، هذا لا نعرفه. فهي إلى حد الآن تكهنات.
منذ السنة الماضية زادت التوترات بين أنقرة وواشنطن باستمرار. وبما أن أنقرة اشترت نظام صواريخ مضادة روسي وبسبب الهجوم العسكري في شمال سوريا كانت دوما عقوبات تلوح في الأفق. فهل سيتجاوز اردوغان الحدود تماما بإغلاق القاعدتين العسكريتين؟ ستتوالى الآن العقوبات الاقتصادية أو يحصل وقف نهائي لتسليم المقاتلة الحديثة من نوع ف35 ؟
هل سيحصل هذا فعلا؟ أنا أشك هنا. فكلا الطرفين سيخسر الكثير في حال حصول هذا الأمر. وفي حال إقصاء تركيا من برنامج ف 35 فإنها ستكون مجبرة على إيجاد موردين جدد، وهذا سيزيد في الخلاف مع حلف شمال الأطلسي. ولكن كذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية توجد مصلحة اقتصادية قوية ـ فالمجموعة العسكرية الصناعية تريد على كل حال بيع الطائرات. ومن الناحية الجيوسياسية سيكون خلاف كامل مع أنقرة خسارة كبيرة،لاسيما لحلف شمال الأطلسي. فتركيا حصن كبير ـ حليف له أهمية هائلة بالنظر إلى جنوب القوقاز وسوريا. كما أن الحكومة التركية ستلجأ إلى تشكيل تحالف قوي مع روسيا، وهذا ما يريد الأوروبيون على كل حال تفاديه.
في الحقيقة كان من المقرر ان تحصل تركيا على مئات من طائرة ف35، لكن تم إقصاء أنقرة من البرنامج. وقيادة الحكومة التركية أكدت مرارا أنها تريد على كل حال إدراجها مجددا في البرنامج. لماذا يكتسي هذا الأمر هذه الأهمية بالنسبة إلى أنقرة؟
قد لا يمكن تفهم هذا كليا في ألمانيا، لأنه ليس لدينا نزاعات مباشرة على حدود الوطن. وبالنسبة إلى تركيا الوضع مختلف: هناك نزاعات عسكرية في شمال سوريا وفي العراق وفي القوقاز. وبالطبع لدى الحكومة التركية حاجة أمنية هائلة واهتمام للدفاع بقوة عن البلاد. فالمقاتلة ف 35 رئيسية في الدفاع. إنها الفيراري بين الطائرات المقاتلة ـ وبإمكانها التحليق على انخفاض كبير وإرباك الرادار المعادي. وهذه الطائرة مكلفة وحديثة جدا. كما أن غالبية دول حلف الناتو تشتري هذه الطائرة. أما تركيا فلا تريد الاقصاء من البرنامج، وهو أمر يمكن تفهمه بالكامل.
أجرى المقابلة دانييل ديريا بيلوت