الانسحاب الإيطالي "الصعب" من مبادرة الحزام والطريق
١٠ أغسطس ٢٠٢٣لم تعد المشاعر الفاترة من جانب جورجيا ميلوني، رئيس الوزراء الإيطالية وزعيمة حزب "أخوّة إيطاليا" اليميني المتطرف، تجاه الصين سرا من الأسرار السياسية والدبلوماسية إذ حتى قبل فوز حزبها بالانتخابات في سبتمبر / أيلول الماضي، وصفت انضمام بلادها إلى مبادرة الحزام والطريق بـ"الخطأ الكبير".
الجدير بالذكر أن الحكومتين الصينية والإيطالية وقعتا عام 2019 مذكرة تفاهم "غير ملزمة" لتأكيد انضمام روما إلى مشروع "طريق الحرير الجديدة" الصيني، لتكون إيطاليا أول بلد في مجموعة السبع ينضم إلى المبادرة، فيما قال نائب رئيس الوزراء الإيطالي في حينه إن بلاده وقعت صفقات بقيمة 2.5 مليار يورو مع الجانب الصيني.
وكانت الصين قد أطلقت مبادرة الحزام الطريق عام 2013 بهدف بناء شبكة اقتصادية وهياكل أساسية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا وتعزيز النفوذ العالمي للصين من شرق آسيا إلى أوروبا من خلال جعل الدول في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين.
وفيما يتعلق بإيطاليا، يقول خبراء إن هناك الكثير من التكهنات حول الخطوة المستقبلية التي سوف تتخذها ميلوني حيال انضمام بلادها إلى مبادرة الحزام والطريق.
وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية عن وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروسيتو قوله الأسبوع الماضي: "كان قرار الانضمام إلى طريق الحزام والطريق عملا ارتجاليا وشنيعا".
وأضاف أن الاتفاق المبرم بين بكينو روما عام 2019 أدى إلى مضاعفة صادرات الصين إلى إيطاليا ثلاث مرات، لكن لم يؤدي إلى نتيجة ذاتها حيال صادرات إيطاليا إلى الصين.
وتنص الاتفاقية على إمكانية تجديدها لمدة أربع سنوات أخرى في مارس / آذار المقبل بشكل تلقائي ما لم تبلغ إيطاليا الصين برغبتها في الانسحاب بإخطار مسبق قبل ثلاثة أشهر.
وخلال زيارتها الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، قالت ميلوني إنها ستتخذ قرارها بشأن الاتفاقية قبل نهاية العام الجاري، مضيفة أن الأمر بحاجة إلى مناقشة تحت قبة البرلمان الإيطالي ومع الحكومة الصينية.
وأضافت في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية أن العلاقات الجيدة مع الصين ليست ممكنة حتى دون أن تكون بلادها جزءا من مبادرة الحزام والطريق.
تزامن هذا مع مساعي أطراف لدفع ميلوني إلى الانسحاب من مبادرة طريق الحرير الجديد وسط تصاعد التوتر بين الصين وتايوان وحرص الولايات المتحدة على اصطفاف حلفاءها الغربيين إلى جانبها مع اتخاذ موقف صارم ضد الصين.
ومازالت قضية توثيق العلاقات مع الصين تثير انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي إذ تدعم دول البلطيق الموقف الأمريكي في اتخاذ مسار صارم مع الصين فيما تبدو فرنسا وألمانيا أكثر مرونة خاصة بعد أن رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "تبعية" أوروبا لواشنطن أو بكين في قضية تايوان في تصريحات أثارت الكثير من الجدل.
مسار الانضمام لروما وبكين
ويثير مصير بقاء إيطاليا ضمن بلدان الحزام والطريق الكثير من التساؤلات حيال الأسباب التي دفعت روما إلى الانضمام إلى المبادرة الصينية في بادئ الأمر عام 2019.
ويقول خبراء إن الأمر بدأ في حقبة رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو كونتي الذي كانت ترعب حكومته من الناحية الاقتصادية في الفوز "بقطعة من الكعكة (الصينية)" وفق وصف فيديريكا بيندي، الزميلة في مؤسسة كارنيجي للسلام، في حينه.
فعلى وقع رصد ضخ الصين استثمارات ضخمة في مشاريع بنية تحتية في شمال أوروبا خاصة في ميناء بيرايوس باليونان، تعالت الآمال والطموحات الإيطالية في الحصول على استثمارات لتعزيز موانئها الرئيسية في ترييستي وجنوة، لذا كان إبرام روما وبكين اتفاقية عام 2019 بالأمر المنطقي من الناحية السياسية بالنسبة لأطراف حكومة كونتي.
الجدير بالذكر أن العلاقات التجارية الوثيقة بين البلدين تعود إلى عهد الحكومة الإيطالية برئاسة الاقتصادي والسياسي رومانو برودي في ثمانينيات القرن الماضي.
بيد أن مراقبين يرون أن الاتفاقية المبرمة عام 2019 كانت بمثابة خطوة محفوفة بالخطر فيما يتعلق بعلاقات إيطاليا مع حلفائها التقليديين في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
البراغماتية السياسية
بدوره، قال إنريكو فارديلا، الخبير في الشؤون الصينية بجامعة نابولي، إن مشاعر ميلوني الشخصية واضحة جدا فيما يتعلق بالعلاقات مع الصين.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "انتقدت ميلوني بعض سلوكيات الصين فعندما كانت وزيرة الرياضة إبان أولمبياد بكين 2008، انتقدت سجل بكين الحقوقي خاصة في التبت."
وأشار إلى أن الأمر ينطوي في الوقت الراهن على مواقف سياسية حيث جرى اتهامات أركان الائتلاف الحكومي الذي تقوده ميلوني خاصة حزبي "الرابطة" و"فورزا إيطاليا" بالتقارب مع موسكو عقب عدوانها العسكري على جارتها أوكرانيا.
وفي ذلك، قال فارديلا إن "موقف ميلوني من الصين سوف يساعدها على التوازن بين مواقف حلفائها (داخل الحكومة) المثيرة للجدل بشأن روسيا من جهة والالتفاف حول موقف مشترك ينتقد بعض مواقف الصين سواء على الساحة العالمية والمحلية من جهة أخرى".
وأضاف "هذا الأمر سوف يعطي الحكومة الإيطالية مصداقية أكبر بين حلفاءها الرئيسيين"، مشيرا إلى أن ميلوني حريصة على إظهار أنها رئيسة حكومة قادرة على العمل بسلاسة مع شركاء وحلفاء بلادها على المسرح العالمي مثل باقي رؤساء وزراء إيطاليا السابقين.
خطر القطيعة مع الصين
ويقول خبراء إنه في حالة إقدام ميلوني على الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق، فإنه يتعين عليها أن تتحلى بالحرص والحذر الشديدين.
ويرى الخبراء أن خطوة مثل ذلك قد تمثل إحراجا للصين في ضوء الأهمية السياسية للاتفاقية الثنائية المبرمة عام 2019 حيث كانت روما الدولة الأولى والوحيدة في مجموعة السبع التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق.
الجديد بالذكر أن دولا أوروبية أخرى مثل جمهورية التشيك والمجر وبولندا واليونان والبرتغال قد أبرمت اتفاقيات مماثلة مع الصين.
وفي ذلك، قال فارديلا إنه في حالة ما أن انسحبت إيطاليا من الاتفاقية بشكل سيء، فقد يثير ذلك تداعيات من الجانب الصيني.
وأضاف "إذا جرى تفسير الانسحاب الإيطالي باعتباره إهانة للصين، فإن هذا الأمر قد يثير رد فعل انتقامي إذ من المحتمل أن يؤثر على الصادرات الصينية إلى إيطاليا خاصة للمكونات الاستراتيجية اللازمة للصناعة الإيطالية. وفي حالة اصطفاف الغرب مع إيطاليا، فإن هذا قد يؤدي إلى تصعيد الموقف أكثر".
وأشار فارديلا إلى أهمية توقيت وشكل الانسحاب، مضيفا "أي قرار مفاجئ وقصير النظر قد تتخذه إيطاليا بشأن مذكرة التفاهم المبرمة مع الجانب الصيني قد يساهم في زيادة التصعيد بين الصين والغرب".
ورغم ذلك، قال الباحث الإيطالي إن الصين لم تتخذ أي خطوات انتقامية عندما انسحبت دول شرق ووسط أوروبا من اتفاقيات التعاون مع الصين والمعروفة اختصارا بـ "صيغة 16 + 1" خلال العامين الماضيين.
في المقابل، يستبعد الباحث فريزر هوي أن تقدم الصين على اتخاذ أي خطوات ضد روما في حالة انسحابها من مبادرة الحزام والطريق.
ويعد هوي من أكثر الخبراء معرفة بالشأن الصيني حيث قام بتأليف عدة كتب تمحورت حول طموحات الصين مثل كتاب "الرأسمالية الحمراء: الأسس المالية الهشة للصعود الاستثنائي للصين".
وأضاف أنه في حالة الانسحاب الإيطالي من مبادرة الحزام والطريق، فسوف "تنزعج بكين التي قد ترى ذلك إهانة، لكن في نهاية المطاف، فإن قدراتها محدودة لأن إيطاليا عضو هام في الاتحاد الأوروبي فضلا عن أنها تحظى بشعبية كبيرة للسائحين الصينيين."
إيلا جوينر / م. ع/ ع.أ.ج