اتفاق تركيا وأوروبا في امتحان عسير.. هل يتوقف دعم اللاجئين؟
٤ فبراير ٢٠٢٠من الناحية النظرية، يظهر أن اتفاق تدبير ملّف اللجوء بين الاتحاد الأوروبي وتركيا يسير بشكل جيد، فعدد اللاجئين الذين دخلوا حدود الاتحاد الأوروبي، وتحديدًا اليونان، قادمين من تركيا، تراجع بشكل ملحوظ، والسبب أن أنقرة بالفعل قامت بإغلاق الحدود أمام اللاجئين الراغبين في الاتجاه إلى أوروبا.
غير أن الاتفاق دخل مرحلة صعبة، بل صار مهددًا بالفشل، فتركيا تدّعي أن الاتحاد الأوروبي لم يفِ بتقديم التمويلات اللازمة لأجل مساعدتها على تدبير ملف اللاجئين. كما أن الشكوك حول نجاعة الاتفاق انتشرت حتى داخل الاتحاد الأوروبي، إذ إن مجموعة من القادة الأوربيين صرّحوا أن إدارة الاتحاد الأوروبي فتحت المجال لأجل ابتزازها، وهنا يتحدثون عن أن أنقرة تهدد أوروبا إما بتقديم المال أو فتح الحدود أمام اللاجئين.
في الجانب الآخر، لا يمكن إغفال أن عدة رؤساء دول وحكومات أوروبية يشعرون بقلق بالغ من أن تفجير الاتفاق سيؤدي مرة أخرى إلى رفع عدد اللاجئين في القارة، ومن ثمة منح هدايا جديدة لحركات اليمين المتطرف والاتجاهات الشعوبية لنشر خطاباتها.
وفيما يخصّ ألمانيا التي تطمح لتولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في يوليو/تموز 2020، فالمستشارة أنغيلا ميركل تقدم تنازلات واضحة كمناصرتها لفكرة تمديد الاتفاق الأوروبي-التركي. ومن المنتظر أن تستفيد ميركل من مدة الرئاسة الدورية (ستة أشهر) لأجل الوصول إلى هذا الهدف.
وليست الفكرة الألمانية مُستترة، فميركل شكرت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما استقبلها في أنقرة الشهر الماضي، على اهتمام بلاده بملايين اللاجئين السوريين، وثمنت ميركل في هذا الصدد جهود تركيا، كما وعدت بأنها سترفع الدعم المادي الموجه لتركيا، وهو الدعم الذي يصل، حسب الوعود التي صدرت في مارس/أيار 2016، إلى ستة مليارات يورو، على امتداد عدة سنوات.
هل تكفي النوايا الحسنة؟
"من الواضح أن أهم تصريح أدلت به ميركل في زيارتها لأنقرة كان الاستمرار في الدعم المالي لتركيا لأجل رعاية اللاجئين" يقول جيرالد كنوس، أحد مهندسي الاتفاق، مبرزاً أنه إذا لم يتم ضمان تحقيق وعود الدعم، فإن الاتفاق مهدد بالخطر.
غير أن المشاكل المادية ليست العقبة الوحيدة التي تهدّد الاتفاق، إذ يشير كنوس إلى أن الاتحاد الأوروبي غير قادر على معالجة طلبات اللجوء في اليونان بشكل إنساني وعادل، كما أن نظام اللجوء يعيش خللًا كبيرًا داخل أوروبا، فقد انعدمت حظوظ إرسال اللاجئين الذين رُفضت طلبات لجوئهم إلى تركيا، وفق قوله، مؤكدًا أنه إذا لم يستطع الاتحاد الأوروبي حلّ هذه العقبات، فسينتهي الاتفاق قريبًا.
ويبقى الإجماع بين دول الاتحاد الأوروبي على استمرار تقديم التمويل اللازم لتركيا في مجال رعاية اللاجئين هو مفتاح استمرار الاتفاق، حسب قول لورا باتالا، الأمينة العامة لمنتدى تركيا داخل البرلمان الأوروبي، إذ تتحدث عن أن أوروبا ملزمة باستمرار هذا الدعم، فهناك حاجيات ملحة لحياة اللاجئين في تركيا. وتملك المتحدثة تفاؤلًا تجاه استمرار الاتفاق: "يظهر أن هناك نوايا حسنة بما يكفي، والاثنان معًا، أي تركيا والاتحاد الأوروبي، يرغبان بالاستمرار".
عقبات أخرى أمام الاتفاق
بيد أن هناك من يرى أن الاتفاق لن يعيش مطولًا، ومنهم بانو بوتفارا، من معهد إيفو للأبحاث الاقتصادية، إذ يقول إن أنقرة "شرعت في آخر عملياتها العسكرية دون أن تتشاور مع حلفائها في الناتو، وهو ما رفع من أعداد اللاجئين". ويضيف المتحدث: "في هذا السياق، لا يمكن منطقيًا أن ننتظر من الاتحاد الأوروبي أن يقدم لتركيا شيكًا على بياض، فإذا ما أرادت أوروبا أن تستمر في الدعم المالي لتركيا، فعلى هذه الأخيرة ألاّ تكرّر مثل هذه العمليات العسكرية".
وفي هذا الإطار، تتكرّر عدة أسئلة حول نجاعة التعاون في مجال اللاجئين على ضوء المناخ السياسي الحالي، فتراجع مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية في تركيا، والإدانة العالمية التي لاحقت هذه الأخيرة بسبب تدخلها العسكري في شمال سوريا، كلها عوامل أثرت على العلاقة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، أو بين أنقرة والدول الأعضاء داخل الاتحاد.
غير أن هناك عاملاً لا علاقة له بتركيا سيؤثر إما إيجابًا أو سلبًا على خطة ميركل باستمرار توجيه الدعم لتركيا، وهو مشروع ميزانية الاتحاد للسنوات السبع القادمة. إذ تدور حالياً نقاشات بين الدول الأعضاء حول هذا الموضوع، ومن أكبر الصعوبات المطروحة على طاولة النقاش، خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، مع ما يعنيه ذلك من وقفها لمساهماتها في الصناديق الأوروبية.
وسيكون الاتفاق الأوروبي-التركي على موعد هام في 20 فبراير/شباط الجاري، فشارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، دعا لقمة خاصة في بروكسل، للإجابة على سؤال ملّح: هل سيستمر تحويل الملايير إلى أنقرة لأجل التعاون معها في تدبير مشكلة اللجوء؟ والأكيد أن الإجابة ستشكل منعطفا مفصليا في العلاقة بين الطرفين، وستضع خطط ميركل في امتحان عسير.
ديغير أكال – ترجمة بتصرف: إسماعيل عزام