احتجاجات منطقة الريف تزيد الربيع المغربي جرعة تصعيد
١٩ مارس ٢٠١٢كشفت الحكومة المغربية أن عدد المحتجين الذين يتظاهرون في البلاد بشكل يومي يصل إلى ستة آلاف. رقم تعتبره الحكومة "مؤشرا على ما يعرفه المغرب من انفتاح ديمقراطي، لا نية لها في التراجع عنه"، بيد أن حقوقيين ومتابعين يعتبرون أن الاستعمال المفرط للقوة في فض الاعتصامات والمظاهرات يثير القلق وينذر بمزيد من التوتر واحتقان الأوضاع.
وتعرف بعض المدن احتجاجات يومية تطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية أبرزها حاليا مظاهرات بلدة بني بوعياش التابعة لمحافظة الحسيمة شمال المغرب، والتي أسفرت عن اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين ورجال الشرطة وأعمال تخريب واعتقالات في صفوف المتظاهرين، وسجلت تقارير لأحزاب مغربية ومنظمات حقوقية خروقات وانتهاكات ارتكبها رجال الامن في حق المتظاهرين وسكان البلدة. ورغم ان الاحتجاجات أصبحت شبه مألوفة في شوارع المدن المغربية، فإن ما حدث في منطقة بني بوعياش شمال البلاد، يكتسي برأي الخبراء أهمية خاصة، لاسيما أن علاقة سكان تلك المناطق تتسم بحساسية خاصة مع السلطات المركزية أو ما يطلق عليه في القاموس المغربي بـ"المخزن".
أعلام "انفصالية" وعبارات عنصرية
بدأت القصة بداية الشهر الحالي عندما نظم سكان بني بوعياش في منطقة الريف شمال المغرب مسيرة احتجاجية رافعين مطالب اجتماعية تهم أساسا غلاء فواتير الماء والكهرباء وانعدام المرافق الصحية، كما يطالبون بإطلاق سراح الناشط بشير بنشعيب عضو حركة 20 فبراير الذي اعتقل قبل ذلك بأيام. وقد واجهت قوات الأمن المسيرة وفرقتها بالقوة. وإثر ذلك أعلنت السلطات المغربية أن بشير مطلوب للقضاء، لكن شكيب الخياري رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان يقول لـDW إن الناشط تم اختطافه من طرف أشخاص كانوا يستقلون سيارة مدنية عندما خرج من المسجد" وهو ما اعتبر "استفزازا" لسكان البلدة التي تعيش أصلا توترا، ويضيف الخياري أن المشكلة الأساسية تكمن في غلاء فواتير الكهرباء والماء والتي يعتصم سكان البلدة بسببها منذ 6 شهور"لكن بدل التحقيق مع مدير المكتب الوطني للكهرباء وإدارته الفاسدة، تم الاعتداء على سكان البلدة وانتهاك حقوقهم واهانتهم بعبارات نابية وعنصرية".
بيد أن تقارير إعلامية تحدثت عن بعد آخر في مظاهرات منطقة بني بوعياش، ويتعلق الأمر بترديد عبارات"انفصالية" ورفع أعلام "الجمهوية الريفية". وفي تعليقه على هذا الأمر يوضح الخياري إن رفع "علم عبد الكريم الخطابي لا علاقة له بمطالب انفصالية بل هو بالنسبة للمغاربة رمز التحرر من الإمبريالية ويرفع كما يرفع مثلا علم فلسطين أو راية تشي غيفارا...". ويكتسي هذا الموضوع حساسية خاصة في ذاكرة المغاربة، فالبلدة المذكورة ساهمت تاريخيا في ثورة الريف التي قادها الزعيم عبد الكريم الخطابي في بداية العشرينات ضد الاستعمار الاسباني وإعلانه قيام جمهورية الريف في المنطقة الجبلية شمال البلاد، قبل ان يُخمد التمرد. وفي بدايات استقلال المغرب كان لبلدة بني بوعياش دور بارز أيضا في الانتفاضة التي قامت في منطقة الريف وأخمدتها السلطات المركزية.
وتعتبر احتجاجات بني بوعياش الأولى من نوعها تجري بهذا الشكل العنيف في منطقة الريف، منذ تولي الملك محمد السادس العرش الذي بادر منذ بداية حكمه سنة 1999إلى خطوات رمزية تجاه سكان هذه المنطقة، سعيا لمحو مخلفات علاقة الحذر بين المنطقة وحكم والده الراحل الملك الحسن الثاني.
الربيع العربي ترك بصماته
حمى المظاهرات انتقلت من بلدة بني بوعياش إلى مناطق قريبة مثل وجدة كبرى مدن الشرق المغربي، احتجاجا على التدخل الأمني العنيف في حق سكان بني بوعياش، لكن تلك المظاهرات تصدى لها الأمن أيضا بالقوة. وفي يناير الماضي أي بعيد تعيين الحكومة الجديدة، بقيادة الاسلامي عبد الإله بنكيران، اندلعت أحداث مشابهة في مدينة تازة شرق المغرب، إثر مظاهرات تطالب بإصلاحات اجتماعية، حيث تطورت إلى اشتباكات مع رجال الأمن وانتهت أيضا باعتقالات ومحاكمات في صفوف المتظاهرين. وتساهم جمعيات ونشطاء حقوقيون عادة في تنظيم هذه الاحتجاجات بيد أن الطابع العفوي يغلب عليها حيث تشارك فيها فئات تعاني الفقر والتهميش للمطالبة بحلول لمشاكل غلاء الأسعار وانتشار البطالة.
ويقول علي شعباني باحث مغربي في علم الإجتماع لـDW إن السبب في تصعيد الاحتجاجات يعود لأسباب منها انها تستمد من"خرجات 20 فبراير"، ورفع سقف المطالب. وهو ما يفسر الآن المطالبات برحيل بعض الوجوه البارزة في الحكم ومحاربة الفساد والرشوة. ويشير الخبير المغربي في سياق حديثه عن أسباب العنف "المبالغ فيه" في المظاهرات سواء من طرف المحتجين أو رجال الأمن، إلى أن "المواطنين توصلوا إلى أن الاحتجاجات السلمية لم تأت أكلها وأن السلطات لا تستجيب لمطالبهم لذا اختاروا التصعيد".
ويبدو أن تفاعلات الربيع العربي مازالت تخيم على الشارع المغربي، فحتى احتجاجات خريجي الجامعات العاطلين في الرباط، خرجت عن طابعها الروتيني وباتت تشهد بدورها تصعيدا غير مسبوق، حيث اعتصم خريجون عاطلون في مباني إدارات عمومية قبل أن يقدم بعضهم على إحراق نفسه اقتداء بمحمد البوعزيزي أسطورة الثورة التونسية. ويقول شعباني إن الربيع العربي أعطى "جرعة زائدة" لاحتجاجات المغرب حيث أن المواطنين "نزعوا الخوف بعدما عاينوا أن تصعيد الاحتجاج أعطى ثماره في بلدان أخرى، خاصة عندما لاحظوا أن الدولة قامت بالالتفاف على المطالب الإصلاحية التي طرحتها 20 فبراير".
أجهزة الأمن فوق الحكومة؟
ويربط مراقبون بين تصاعد الاحتجاجات وتشكيل حكومة الاسلاميين التي تعهدت باحترام الحريات. بيد أن محمد يتيم العضو القيادي في حزب العدالة و التنمية (قائد الإئتلاف الحكومي) لا يعتقد أن "التصعيد وليد اليوم بل ظهر مع أجواء الربيع العربي وعزز من ذلك خصاص اجتماعي هو نتاج الحكومات المتعاقبة"، واعتبر في حوار معDW أنه من طبيعي أن يستغل الناس أجواء الربيع العربي للاحتجاج،"المهم هو أن يكون ذلك في إطار القانون وسيادة الدولة" .
وزير الاتصال، الناطق باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، كان قد اعترف بوجود مخالفات حدثت خلال تفريق متظاهرين في بعض مناطق المغرب، وأشارت تقارير حزبية وحقوقية من بينها تقرير المكتب الإقليمي لحزب العدالة و التنمية في الحسيمة، إلى أن رجال الأمن في بني بوعياش ارتكبوا خروقات وانتهاكات في حق المواطنين. ويقول يتيم إن الاحتجاج في المغرب مكفول في إطار القانون و "بالتالي فأي خروقات أو تجاوزات لا يمكن السكوت عنها" ويشير هنا إلى أن الاحتجاج السلمي مقبول، ولكن بعض المحتجين يعيقون الطريق العام ومصالح الناس وأحيانا يعتدون على الممتلكات العمومية ورجال الأمن. لكن الناشط الحقوقي شكيب الخياري يقول إن إجماع تقارير منظمات حقوقية وحزبية من بينها الحزب الحاكم، على أن انتهاكات حدثت، هو أكبر دليل على أن الخروقات حدثت فعلا، وإن كان محتجو بني بوعياش قد رشقوا رجال الأمن بالحجارة فلأن هؤلاء قاموا باهانتهم واستفزازهم و الاعتداء عليهم".
واعتبر مراقبون أن ما يحدث من عنف خلال المظاهرات يتجاوز الحكومة، وبأن أجهزة الأمن تشتغل باستقلالية عن الحكومة، فيما يؤشر إلى تعدد مراكز السلطة في البلد. لكن يتيم يقول إن الأمن يتدخل وفق القانون عندما يكون مثلا هناك تخريب للممتلكات العامة، ويضيف أنه " تقع انزلاقات أحيانا سواء من طرف عناصر الأمن أو المواطنين وواجب الحزب هو أن ينتقد أية خروقات تحدث من الطرفين" وقال القيادي الإسلامي إن حزبه بانتظار صدور تقرير حول ما حدث في بني بو عياش وبعدها سيقول رأيه "وإذا ما ثبتت صحة ما يقال عن تعسفات وقعت، فالمسؤولون عنها سيحاسبون".
أما الباحث الاجتماعي، شعباني فيعتقد أن الحكومة الحالية لا تريد إعطاء صورة الرجل العاجز أمام هذه الاحتجاجات رغم أنها انبثقت من الشعب، "بدليل أننا نسمع في تصريحات بعض وزرائها الحديث عن استرجاع هيبة الدولة وتطبيق القانون ومحاسبة المتمردين". وبخصوص آفاق الشباب الذين يحتجون في شوارع المغرب يؤكد شعباني أن "آفاقهم لا شك مظلمة لأن أزمة التشغيل والصعوبات الاقتصادية لا يمكن حلها بين عيشة و ضحاها فهي نتيجة تراكمات، لذا من المحتمل أن تتطور الاحتجاجات أكثر".
سهام أشطو- الرباط
مراجعة: منصف السليمي