انتخابات مبكرة في ألمانيا.. هل تعيد الاستقرار السياسي؟
٨ نوفمبر ٢٠٢٤فشل ائتلاف إشارة المرور الحكومي المكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) بعد ما يقرب من ثلاث سنوات في السلطة. والآن يريد المستشار الألماني أولاف شولتس أن يطلب من البرلمان الألماني/ البوندستاغ، التصويت على الثقة في منتصف يناير المقبل/ كانون الثاني 2025. خطوة قد تمهد إلى إجراء انتخابات مبكرة.
في العادة تجرى الانتخابات الاتحادية بعد كل أربع سنوات. ولكن في حالات الأزمات السياسية، لاسيما التي يهتز فيها الدعم للمستشار الاتحادي داخل البرلمان يمكن اللجوء إلى إجراء انتخابات مبكرة. وقد تم حتى الآن في حالات نادرة فقط اللجوء إلى إجراء انتخابات مبكرة في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية. الجدير ذكره أن ذلك يمكن أن يكون أداة ديمقراطية مهمة قد تساعد على استعادة شرعية الحكومة وقدرتها على التصرف، ولكن هذه الخطوة تتطلب موافقة العديد من الهيئات الدستورية، ولا سيما الرئيس الاتحادي.
انتخابات مبكرة في حالتين فقط
وفق القانون الأساسي الذي هو بمثابة دستور ألمانيا، لا يجوز لأعضاء البرلمان الألماني/ البوندستاغ أنفسهم اتخاذ قرار بشأن إجراء انتخابات اتحادية مبكرة. ولا حتى المستشار نفسه يستطيع أن يقرر ذلك. ولكن هذا القانون الأساسي يسمح بحل البرلمان الألماني البوندستاغ مبكرا في حالتين فقط.
الأولى في حالة لم يتم تحقيق أغلبية برلمانية لانتخاب المستشار، أي عندما لا يحصل المرشح لهذا المنصب على صوت واحد على الأقل إضافة إلى نصف إجمالي أعضاء البرلمان. وفي هذه الحالة يصبح بإمكان الرئيس الاتحادي حل البرلمان. ولكن هذه الحالة لم تحدث قط في تاريخ الجمهورية الاتحادية.
وفي الحالة الثانية، يطلب المستشار من البرلمان الألماني/ البوندستاغ التصويت على الثقة. وهو بهذا يدعو للتحقق مما إذا كان لا يزال يحظى بالدعم اللازم من النواب. وفي حالة سحبت الأغلبية ثقتها بالمستشار، فيمكن للرئيس الاتحادي، بناءً على مقترح المستشار، حل البرلمان في غضون 21 يوماً.
ثلاث انتخابات مبكرة في تاريخ الجمهورية الاتحادية
وبمجرد حل البرلمان يصبح من الضروري إجراء انتخابات مبكرة في غضون 60 يوماً مع اتباع نفس مبادئ الانتخابات الاتحادية العادية. ويتولى مسؤولية التنفيذ كل من مفوضية الانتخابات الاتحادية ووزارة الداخلية الاتحادية. وجرت حتى ثلاث انتخابات اتحادية مبكرة في تاريخ الجمهورية الاتحادية، وقد تمت في الأعوام 1972 و1983 و2005.
انتخابات مبكرة لأول مرة عام 1972
أثارت سياسة المستشار الألماني فيلي براندت تجاه المعسكر الشرقي (الشيوعي سابقا) بهدف تسهيل العلاقات مع أوروبا الشرقية الكثير من الجدل على المستوى الداخلي. وهذا ما أدى إلى اختلافات كبيرة في التحالف بين الليبراليين والإشتراكيين للحد الذي دفع إلى انسحاب العديد من نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر.على ضوء ذلك سادت حالة من الجمود في البرلمان الألماني وشلل في المشهد السياسي. حاول براندت آنذاك البحث عن مخرج لخلق ظروف سياسية واضحة. وفي 24 يونيو/ حزيران 1972، أعلن المستشار الاتحادي إن المواطنين "لهم الحق في ضمان إنهاء الجمود". لكن الخطر يتزايد "مع حرمان المعارضة نفسها بشكل أساسي من التعاون البناء. ولهذا نهدف إلى إجراء انتخابات جديدة".
وللقيام بذلك، كان على براندت طرح مسألة الثقة، الخطوة التي قوبلت بانتقادات شديدة. بما في ذلك من جانب المحامين الدستوريين، الذين رأوا أن تعمد فقدان الثقة لا يتوافق مع روح القانون الأساسي. لكن براندت تمسك بخطته وطلب التصويت على الثقة في 20 سبتمبر/ أيلول 1972 وخسر في ذلك.
هذه الخطوة مهدت الطريق أمام حل البرلمان الألماني وإجراء انتخابات مبكرة في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1972، والتي أعيد فيها انتخاب برانت. وحصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على أفضل نتيجة له بنسبة 45.8 في المائة من الأصوات. وبلغت نسبة إقبال الناخبين 91.1 بالمئة، وهو أعلى رقم في تاريخ الانتخابات الاتحادية حتى الآن.
هيلموت كول يمنح حكومته شرعية إضافية
عام 1983 أجرى هلموت كول الانتخابات الفيدرالية المبكرة الثانية. تولى كول منصبه في أكتوبر /تشرين الأول 1982 من خلال تصويت بحجب الثقة عن المستشار هيلموت شميدت آنذاك. وقد سحبت غالبية أعضاء البوندستاغ الثقة في شميدت بسبب الخلافات حول مسار سياسته الاقتصادية والأمنية.
و لأن ائتلاف كول الحكومي المسيحي الليبرالي والمكون آنذاك من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي /الاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر وصل إلى السلطة من خلال التصويت بحجب الثقة وليس من خلال الانتخابات، أراد كول الحصول على شرعية إضافية من خلال انتخابات جديدة. ما دفعه إلى طلب التصويت على الثقة، وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 1982، مثل براندت من قبله، خسرها عمدًا، وبالتالي تحقق حل البوندستاغ. وقال كول حينها: "لقد فتحت الطريق لإجراء انتخابات جديدة من أجل استقرار الحكومة والحصول على أغلبية واضحة في البوندستاغ".
لم يقبل بعض أعضاء البرلمان بهذا المسار الذي اتخذه كول ورفعوا دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية الاتحادية. وبعد 41 يوماً من المفاوضات، وافقت المحكمة على مسار كول نحو انتخابات جديدة من خلال التسبب عمداً في خسارة التصويت على الثقة. لكنهم أكدوا في الوقت نفسه على أن مسألة الثقة غير مسموح بها إلا في الأزمات "الحقيقية". وفي الانتخابات الجديدة التي جرت في 6 مارس آذار 1983، استمر المستشار الاتحادي مع شرعية إضافية في منصبه وواصلت حكومته عملها بأغلبية واضحة.
شرودر يخطئ في حساباته
في عام 2005 كان المستشار الألماني غيرهارد شرودر وراء انتخابات مبكرة للمرة الثالثة في تاريخ ألمانيا. وكان لزاماً على حزبه، الذي حكم في ائتلاف مع حزب الخضر، أن يتعامل مع سلسلة من الهزائم في انتخابات الولايات وتضاؤل الدعم في البرلمان الألماني، خاصة بسبب إصلاحاته المثيرة للجدل تحت اسم أجندة 2010، والتي غيرت النظام الاجتماعي وسوق العمل بشكل جذري. وقد طلب شرودر التصويت على الثقة، وهو ما خسره بشكل متعمد في الأول من يوليو/تموز 2005، وأجريت انتخابات جديدة.
وأوضح شرودر آنذاك قائلاً: "أنا على قناعة تامة بأن غالبية الألمان يريدون مني الاستمرار على هذا النحو. غير أن الحصول على الوضوح اللازم يتطلب انتخابات جديدة". ولكن حساباته كانت خاطئة. فقد حقق تحالف الحزب المسيحي الدميقراطي /الاتحاد الاجتماعي المسيحي بقيادة أنغيلا ميركل أغلبية ضئيلة في الانتخابات الاتحادية المبكرة التي جرت في الثامن عشر من سبتمبر/أيلول 2005. وأصبحت ميركل مستشارة. وكانت تلك بداية حكمها الذي دام 16 عاماً.
أعدته للعربية: إيمان ملوك