الأخلاقيات الجديدة للشركات العالمية الكبرى
٢١ يونيو ٢٠١١تدعي غالبية الشركات العالمية الكبرى أنها تنتهج المسؤولية الاجتماعية ومعايير البيئة أهدافا لها، غير أن القليل منها يطبق هذه الأهداف في الواقع فعلا. بيد أن حقوق الإنسان بالذات تستحق اهتماما أكبر بكثير، كما يطالب جون روغي، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان والشركات الدولية. لذا فإن على الشركات أن تغير أولوياتها فيما يخص مسؤولياتها الإنسانية.
ويضيف روغي: "أعتقد أن حقوق الإنسان الآن في مرحلة تشبه المرحلة التي مرت بها المواضيع البيئية قبل ثلاثين سنة. فآنذاك لم تكن هناك شركات تجري دراسات حول مدى توافق عملها والبيئة، أما اليوم فتجري كل الشركات تقريبا هذه الدراسات". ويبدي روغي تفاؤله إزاء تعاظم مكانة حقوق الإنسان لدى الشركات؛ هذا التفاؤل يحاكي تحسن مقام المواضيع البيئية في الماضي: "بعد ثلاثين سنة ستجري أغلبية الشركات دراسات حول مدى توافق عملها وحقوق الإنسان، بيد أن هناك من بدأ بذلك الآن".
قدوة حسنة
إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال هو مصنع الإلكترونيات هيوليت باكرد، الذي يلتزم طوعا بإعادة تصنيع الخردوات الإلكترونية واختبار ظروف الإنتاج لدى مزوديه وفي داخل الشركة نفسها. غير أن اختبار هذه الظروف ليس بالأمر السهل خاصة وأن بعض المواد الخام المستعملة في تصنيع الإلكترونيات يصعب تتبع الطرق التي تأخذها من المنتجين إلى المصنعين. فالكولتان والتونغستن مثلا معدنان نادران يستخرجان في الكونغو الديمقراطية بطريقة لا شرعية، تساهم في تمويل الحرب الأهلية هناك.
وهذا ما يرفضه كارل دَومولر، رئيس قسم التدقيق والمراقبة في فرع الشركة الرئيسي في ألمانيا بشتوتغارت قائلا: "هيوليت باكرد تناولت هذا الموضوع عام ألفين وسبعة. هدفنا الأول هو أن نتمكن من تحديد أصل هذه المواد المتصارع عليها. هدفنا الثاني هو تنفيذ برنامج تدقيق ومراقبة لمصانع الصهر التي تلعب دورا مهما في هذا السياق. الهدف الثالث هو انتهاج نظام توثيق ومحاولة التأثير على السياسة والتشريع".
معايير عالية
وتطالب "هيوليت باكرد" كل شركة تريد أن تشتغل كمزود لها بأن تجري اختبارات وتقدم شهادات تثبت أنها تراعي المعايير التي تلتزم هي بها. وقد بلغ عدد موظفي الشركات التي قامت بمراقبتها في السنة الماضية 260.000 عامل، أجريت مع كل منهم مقابلة سئل فيها عن ظروف عمله.
ويدل نجاح "هيوليت باكرد" الاقتصادي على أن الالتزام بمعايير منظمة العمل الدولية والحفاظ على البيئة أمور لا تحول دون تحقيق الربح. وهو ما يبطل حجة من يقول إن حرب الأسعار العالمية لا تسمح بتطبيق هذه المعايير لكون إجراءات المراقبة مكلفة أو من يعتبر حقوق العمل وحقوق الإنسان من شؤون الدول الداخلية.
حزمة تدابير دعما لحقوق الإنسان
المؤسسة الألمانية للاستثمار والتنمية دي إي جي ترفض هذه الحجج، كما يؤكد برونو فين، الناطق باسم إدارة المؤسسة: "زبائننا يلزم عليهم القبول بالمعايير الدولية في المجالين الاجتماعي والبيئي وبمعايير منظمة العمل الدولية. هذا لا مجال للنقاش فيه". وتقوم المؤسسة كسائر المؤسسات والبنوك التنموية الألمانية، بدعم المشاريع في الدول النامية، مثل الشركة الإفريقية لاتصالات الهاتف المحمول "سيلتيل" والشركة المصرية الرائدة في مجال حماية البيئة واحترام حقوق الإنسان "سيكم". ويقوم نجاح سيكم على إنتاج المواد الغذائية الحيوية والمستحضرات الطبية وتصديرها إلى السوق العالمية. ولقد حصل مؤسس الشركة الدكتور إبراهيم أبو العيش على جائزة نوبل البديلة عام ألفين وثلاثة مكافأة له على التزامه الطوعي بالمعايير الاجتماعية ومعايير منظمة العمل الدولية.
غير أنه ما دام الالتزام بهذه المعايير يتم بصفة طوعية فقط، فستبقى شركات مثل "هيوليت باكرد" و"سيكم" ظاهرة استثنائية، كما يخشى مبعوث الأمم المتحدة الخاص جون روغي: "هل من الممكن أن تكون الرأسمالية أخلاقية؟ بالتأكيد. لكنها لن تقدر أن تفرض نفسها ما دام هناك دعم وقوانين ترمي إلى الاتجاه المعاكس". لذلك وضع روغي حزمة من التدابير، ستتم مناقشتها قريبا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف. وترمي هذه الحزمة إلى إلزام الشركات الدولية باحترام حقوق الإنسان ومنح ضحاياها حماية قانونية.
هيلة يبيزن/ بشير عمرون
مراجعة: أحمد حسو