الأزمات الحكومية في إسبانيا والكتالونيون خلف المقود
١٦ فبراير ٢٠١٩لم يمض رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز فترة طويلة في الحكم حتى الآن، ويعود الفضل لتوليه هذا المنصب إلى الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة التي سبقته، لأن حزبه الاشتراكي كان في الحقيقة من بين الخاسرين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. ومنذ تولي سانشيز مقاليد الحكم ساد هدوء نسبي عالم السياسة الإسبانية. وظل الانفصاليون في كتالونيا في مركز اهتمام الرأي العام.
حكومة أقلية تتولى السلطة
كانت المرة الأولى في تاريخ إسبانيا الديمقراطي التي نجح فيها تصويت على سحب الثقة ضد رئيس حكومة يحظى بالأغلبية، ففي يونيو 2018 أُجبر رئيس الوزراء السابق من الحزب الشعبي المحافظ، ماريانو راخوي على التنحي. 180 نائبا من 350 برلمانياً ساندوا طلب الحزب الاشتراكي الذي يقود منذ تلك اللحظة إسبانيا.
وقدم الاشتراكيون طلب سحب الثقة كرد فعل على أحكام في فضيحة فساد مرتبطة بحزب راخوي. وحكمت المحكمة الجنائية الوطنية على الحزب الشعبي بسبب التورط في فضيحة عقوبة مالية بحجم 245.000 يورو، كما حُكم على أعضاء سابقين في الحزب بعقوبات سجن طويلة. وصوتت عدة أحزاب بينها التحالف اليساري وأحزاب من كتالونيا وبلاد الباسك ضد راخوي. وبدعم من هذه الأحزاب يقود رئيس الوزراء الجديد سانشيز حكومة أقلية، إذا لا يشغل حزبه حتى ربع مجموع المقاعد في البرلمان.
وبعد رفض نواب اليمين والانفصاليون الكاتالونيين يوم الأربعاء 13 فبراير 2019 موازنة رئيس الحكومة الاشتراكي بيدرو سانشيز الذي يحكم البلاد منذ ثمانية أشهر، الأخير دعا سانشيز الجمعة إلى انتخابات تشريعية مبكرة في 28 نيسان/أبريل، ستكون الثالثة في أقل من أربعة أعوام.
تجدد الحديث عن استقلال كتالونيا
في عام 2017 نظم الانفصاليون في كتالونيا استفتاء حول استقلال المنطقة. وتحركت الحكومة المركزية في مدريد ضد الانفصاليين ووضعت الإقليم تحت إدارتها. وبدا الحوار بين الطرفين مستحيلا. غير أن التغيير الذي طرأ على رأس الهرم الحكومي غيّر أيضا النبرة بين مدريد والانفصاليين في إقليم كتالونيا. وفي يوليو/ تموز 2018 استقبل بيدرو سانشيز الرئيس الإقليمي كيم تورا في القصر الحكومي بمدريد. والهدف هو التوصل إلى تقارب بين الطرفين. وكان ذلك أول لقاء من نوعه منذ سنتين. واتفق السياسيان على إحياء لجنة ثنائية لم تجتمع منذ عام 2011. وفي مؤتمر صحفي بعد اللقاء تحدث تورا عن بداية مرحلة جديدة بالقول: " تحدثنا عن كل شيء. وهذه هي أول مرة منذ مدة طويلة نتحدث فيها عن كل شيء". وكتب رئيس الوزراء سانشيز على تويتر بالإسبانية والكتالونية:" أزمة سياسية تحتاج إلى حل سياسي".
الكتالونيون خلف المقود
لكن بالنسبة إلى الانفصاليين في كتالونيا لم تعد وعود سانشيز كافية هذه الأيام، إذ يطالبون بحق تقرير المصير. ويتطلع الكثيرون على المدى الطويل إلى حكومة مستقلة. والانتخابات الجديدة ستأتي على ما يبدو في وقت غير مناسب بالنسبة إلى الاشتراكيين الديمقراطيين الملتفين حول سانشيس، فحسب استطلاعات رأي جديدة لن يحقق الحزب الاشتراكي والأحزاب المتحالفة معه هذه المرة الأغلبية داخل البرلمان. واعتبر رئيس الحزب الشعبي بابلو كاسادو أن هذه النكسة " تشكل نهاية رحلة سانشيز على رأس الحكومة متحدثاً عن "مذكرة حجب ثقة بحكم الأمر الواقع" عن الاشتراكي الذي وصل إلى الحكم بعد حجب الثقة عن رئيس الحكومة السابق ماريانو راخوي الذي ينتمي إلى الحزب الشعبي.
إلى أين تتجه إسبانيا؟
أضحت إسبانيا في حالة متوترة. وحتى بين السكان يزداد التذمر من وضع البلاد. ففي نهاية الأسبوع تظاهر حوالي 45 ألف شخص في مدريد ضد الحكومة. والكثير من المواطنين غاضبون، لأن سانشيز لم يكن قد دعا إلى انتخابات جديدة، كما كان قد وعد بعد توليه المنصب بأنه سيدعوا إلى انتخابات في وقت منظور.
وحتى قضية كتالونيا لم تلق بعد الحل، إذ تجري حاليا أمام المحكمة العليا محاكمة إثني عشرممثلا لحركة الاستقلال الكتالونية. تسعة منهم مهددون بعقوبات سجن طويلة بسبب التمرد والتحريض واختلاس أموال عامة.
وهكذا، فليس من الواضح حتى الآن كيف ستسير الأمور في إسبانيا بعد الانتخابات المقبلة. وبغض النظر عن الشخص الذي سيقود البلاد، فإنه يواجه المهمة الكبرى المتمثلة في جمع شمل المعسكرات المختلفة داخل البلاد. ومع استمرار حركة استقلال واثقة من نفسها في كتالونيا لن يكون ذلك سهلا.
باتريك غروسه/ م.أ.م