الأزمة السودانية .. كيف تهدد الأمن في منطقة الساحل الأفريقي؟
١٢ مايو ٢٠٢٣على الرغم من المحادثات بين مندوبي الطرفين المتحاربين، والتي بدأت يوم السبت (السادس من مايو/ أيار) في مدينة جدة السعودية برعاية أمريكية، يتواصل القتال العنيف في السودان، ذلك البلد الواقع بين البحر الأحمر ومنطقة الساحل الأفريقي. وعلى وقع ذلك، دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر محذرة من أن القتال في السودان يهدد بحدوث كارثة إنسانية، قد تمتد إلى دول الجوار، خاصة مع فرار عشرات آلاف المدنيين من ديارهم.
وفي هذا السياق، حذر الألماني فولكر بيرتس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، في مقابلة مع DW من أن القتال في السودان "يجذب عددا غير قليل من المرتزقة والمغامرين" الراغبين في جني المال وإثراء أنفسهم.
ومن جانبه، قال هنريك مايهاك، مدير قسم أفريقيا بمؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، إنه لا يوجد ثمة إجماع حتى الآن بشأن كيفية الوصول إلى هدنة في السودان ،وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة.
وفي مقابلة مع DW، أضاف مايهاك: "لا يوجد نظام أمن جماعي في منطقة القرن الأفريقي ،إذ تقوم كل دولة على شكل منفرد بحماية أمنها مع الاعتماد على دول أخرى"، محذرا من أن هناك خطرا يتمثل في انتشار الأسلحة الصغيرة، التي يمكن أن تصل إلى الدول المجاورة عبر الثغرات الحدودية وقد يمتد ذلك إلى مناطق بعيدة في مالي وبوركينا فاسو.
وقال مايهاك إن انتشار الأسلحة سيؤدي إلى تدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل، خاصة مع وجود نشاط لجماعات مسلحة، محذرا من أن الأزمة في السودان قد تفاقم الوضع في "منطقتين متأزمتين" أصلا هما: منطقة القرن الأفريقي ومنطقة الساحل.
تفاقم الوضع الإنساني
وأشار مايهاك إلى استمرار حالات طوارئ إنسانية في الصومال والسودان وجنوب السودان قبل اندلاع القتال في السودان، مضيفا أن عمليات الإغاثة في هذه الدول تعاني من نقص التمويل منذ وقت طويل.
يشار إلى أن القتال في السودان، الذي بدأ قبل ما يقرب من شهر، أدى إلى عملية نزوح كبيرة مع تدفق آلاف اللاجئين عبر الحدود إلى جنوب السودان أو تشاد أو جمهورية أفريقيا الوسطى.
وإزاء ذلك، تستعد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدعم حوالي 800 ألف لاجئ في المنطقة، في حالة عدم انتهاء القتال قريبا. لكن تدفق هذا العدد من اللاجئين يمثل تحديات خطيرة لدول الجوار، خاصة مع تحذير الأمم المتحدة من ان هذه الدول لا تمتلك الموارد المالية لتحمل عبء استضافة اللاجئين السودانيين.
وفي ذلك، قال المتحدث باسم المفوضية يوجين بيون إن إثيوبيا وجنوب السودان وتشاد ومصر استقبلت بالفعل لاجئين سودانين، مضيفا أن "النساء والأطفال يشكلون نسبة تتجاوز 70٪ من اللاجئين الذين يعبرون الحدود".
وفي مقابلة مع DW، أضاف بيون: "يُضطر كثيرون منهم إلى السير على الأقدام لقرابة يوم حتى يصلوا إلى منطقة حدودية تفتقر إلى كل شيء من مأوى وماء وطعام وملابس".
وقال المتحدث باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إن تشاد استضافت قرابة 600 ألف لاجئ، نصفهم تقريبا من السودان بعد اندلاع الأزمة الأخيرة، مضيفا "لدينا بالفعل نظام، لكنه يعاني كثيرا ويتعرض لضغوط كبيرة، لذا يتعين على المجتمع الدولي تقديم المزيد من المساعدات".
وأشار بيون إلى ضرورة تعزيز التعاون بين البلدان المتضررة التي بدورها طلبت حصولها على دعم دولي، مضيفا أن آلاف اللاجئين عبروا الحدود ووصلوا إلى منطقة هامدافوك النائية قرب جمهورية أفريقيا الوسطى.
ومن جانبه، قال هيرفي ندوبا، وزير مالية جمهورية أفريقيا الوسطى، إن وجود هؤلاء اللاجئين يجبرون الحكومة على العمل مع منظمات الإغاثة من أجل ترتيب سبل الدعم.
وأضاف في مقابلة مع DW: "لقد تلقينا للتو الموافقة على البرنامج مع صندوق النقد الدولي. في نهاية أبريل، أعطى صندوق النقد الدولي للبلد خيارًا للحصول على مزيد من القروض. وتريد الحكومة الآن التحقق من مقدار الأموال التي يمكن أخذها من ميزانية الدولة من أجل القيام بتدابير للمساعدة".
قلق في دول الجوار
يشار إلى أن السودان يتشارك حدودا برية مع سبع دول أفريقية وعربية.
وفي ضوء ذلك، قال أحمد سليمان، الباحث في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية ومقرها لندن، إن أزمة السودان قد تتسبب في اندلاع تنافس إقليمي كبير، إذ سترغب "دول الجوار في التأثير على مستقبل السودان وسيكون لديها مصلحة في الطرف الذي سوف يقود البلاد".
وفي مقابلة مع DW، قال سليمان إن السودان يقع على مفترق طرق بين شمال أفريقيا والساحل وشرق أفريقيا والقرن الأفريقي والخليج العربي، مضيفا: "إنها صورة معقدة للغاية في سياق حسابات المصالح الإقليمية التي نراها الآن من خلال المفاوضات الرامية إلى إنهاء الأعمال العدائية".
اضطرابات سياسية في دول الجوار
وتعاني بعض دول الجوار من أزمات سياسية، إذ تعصف بتشاد حالة من عدم الاستقرار السياسي بعد حروب أهلية دامية، فيما أدى الصراع في دارفور إلى عمليات نزوح جماعية من منطقة غرب دارفور على مدى 20 عاما.
وأشار سليمان إلى أن قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" ينحدر من جذور تعود إلى هذه المنطقة وكذلك بعض من أعضاء المجلس العسكري الانتقالي في تشاد.
وقال إن حميدتي حريص على تعزيز نفوذه ليس فقط في السودان وإنما عبر منطقة الساحل، مشيرا إلى أن الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي يحاول السير على خط رفيع بين البرهان وحميدتي.
وشدد على أن هذه العلاقات المعقدة أدت إلى حدوث اضطرابات سياسية وأمنية في هذه المنطقة منذ سنوات عديدة ما أسفر عن تزايد احتمالات تفجر الصراع في السودان.
أما ليبيا، فما زالت تستقطب العديد من المرتزقة السودانيين منذ عام 2011 وقد تشهد مزيدا من الاضطرابات على وقع تصاعد المعارك في السودان.
وقال سليمان إن عناصر مجموعة مرتزقة "فاغنر" الروسية تتمركز في مالي والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا.
يشار إلى أن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قالت إن مجموعة فاغنر تواجه معضلة في اتخاذ قرارها حيال الطرف الذي سوف تدعمه في السودان، مضيفة أن "فاغنر" ساعدت في تسليح وتدريب القوات الأمنية السودانية.
وأضافت الصحيفة ان وقوف "فاغنر" على الحياد سوف يعرض مصالحها في التنقيب عن الذهب وتجارة السلاح في المنطقة للخطر وهو الأمر الذي سوف يلقي بظلاله على أحد أهم مصادر تمويل روسيا، خاصة مع اشتداد العقوبات الغربية على موسكو.
مارتينا شويكوفسكي / م. ع