الإنترنت المفتوح – ضحية الرقابة والأنظمة الدكتاتورية
١ أكتوبر ٢٠١٢يرى البروفسور فولفغانغ كلاينفيشتر الخبير في شؤون سياسة الإنترنيت من جامعة آرهوس أن الإنترنيت باتت مهدداً. كما يعبر فينتون جي كيرف، وهو أحد آباء الإنترنيت، يرسم صورة قاتمة عن الإنترنت، ويضيف بالقول: "الإنترنيت المفتوح بات اليوم مهدداً أكثر من ذي قبل، إذ تظهر معالم صراع دولي. وهو صراع سيحسم في مستقبل الإنترنيت".
الرقابة والمراقبة الشديدة يهددان حياة الإنترنيت الحر والمفتوح والعالمي، والأسلحة متنوعة، إذ يمكن سد حجب مواضيع معينة أو صفحات بأكملها أو "خنق" بعض الوصلات، كي تنخفض سرعة تحميل الصفحات الموجودة على الإنترنت أو لا تُفتح إطلاقاً، ويُجبر مستخدمو الإنترنت على تسجيل عناوين الـ IP الخاصة بهم بالاسم. وهناك حكومات تبني عوالم إلكترونية موازية بعروض لغوية خاصة بها، كي لا يسعى المستخدمون إلى الحصول على صفحات إلكترونية غربية.
من الإنترنيت إلى الشبكة الداخلية "الإنترانيت"
"تكمن أكبر مخاطرة في إعادة ما يسمى بـ"الإنترنيت اللا محدود" إلى حدوده كما كانت في القرن العشرين"، كما يقول كلاينفيشتر، إذ تتم إعادة تحديد الإنترنيت محلياً، وهذا يعني أن الإنترنيت يتحول إلى شبكة داخلية "إنترانيت". وتلعب الصين من خلال "الجدار الناري العظيم" وإيران من خلال "الشبكة الحلال" دوراً طليعياً في ذلك.
سنة 2002 فرضت أربع حكومات فقط رقابة الإنترنيت، أما عدد هذه الحكومات اليوم فيبلغ أكثر من 40 حكومة. وفي الآونة الأخيرة ازداد عدد التقارير بهذا الشأن من آسيا مثلاً، فعندما حصلت في آب/ أغسطس الماضي في الهند نزاعات دينية أغلقت الحكومة صفحات إلكترونية ومواقع اجتماعية لمنع انتشار الشائعات. وتلجأ القيادة الفيتنامية إلى محاكمة المدونين. وفي كوريا تتم غلق مدونات منتقدي الحكومة ببساطة.
أقدمت أثيوبيا أيضا التي لا تستخدم إلا نسبة أقل من واحد بالمائة من سكانها الإنترنيت، على تصفية الصفحات الإلكترونية وقطع الاتصلات في الشبكة ومراقبة الرسائل الإلكترونية، وذلك بحجة الحفاظ على الأمن الوطني. وأصبحت هذه الحجة إحدى أهم المصطلحات المستخدمة في لغة الدبلوماسيين.
ضرورة إدانة الدول القمعية
تنعكس المراقبة أيضاً على حالات كثيرة من القتل والاعتقال، فقد أفادت منظمة "مراسلون بلا حدود" أنه قُتل هذه السنة حتى الآن على الصعيد العالمي 29 صحفياً ونشطاً في الإنترنيت، وتم اعتقال 127 منهم. ويشكل هذا انتهاكاً لمبدأ من مبادئ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إذ أن المجلس اتخذ في الربيع الماضي قراراً ينص على أن حقوق الإنسان سارية المفعول، سواء كان ذلك في الشارع، أو في الإنترنت.
عن ذلك يقول كلاينفيشتر "إن هذا قرار أساسي، إذ أنه يتيح لنا إمكانيات أكثر لانتقاد دول تدعي بأن الأمر يختلف في الإنترنيت وأنه من الضروري إقرار بعض القيود لأسباب أمنية". إلا أنه لا يتم فرض عقوبات حقيقية على الدول المعنية، وإنما ولا يتجاوز الأمر التنديد بها أمام الرأي العام العالمي فقط. ورغم أن ذلك لا يشكل حلاً، إلا أنه يترك آثاره على الدول المعنية، كما يقول كلاينفيشتر. غير أن الغرب أيضاً الذي ينتقد مراراً المراقبة في دول مثل الصين وإيران، ليس مثالياً كلياً.
الديمقراطية ضد الدكتاتورية
"لا يوجد على الصعيد العالمي إلا بعض الدول ومزودي خدمة الإنترنت الذين يمتنعون عن المراقبة"، كما يقول جيرمين بروكس رئيس منظمة مبادرة الشبكة العالمية. ويضيف بروكس بالقول: "وإذا تقوم دول ديمقراطية بالمراقبة، يتم ذلك بعد مناقشات شاملة بشأن نشرات ضارة محتملة قد ينبغي مراقبتها". والجدل الحالي بشأن فيلم الفيديو الذي يسخر من النبي محمد، هو أفضل مثال على ذلك. فهذا الفيلم الذي يعرض حالياً على الإنترنيت والذي يدفع آلاف المسلمين في كافة أنحاء العالم إلى القيام بنشاطات احتجاجية شديدة تسفر عن مقتل أشخاص أو إصابتهم. فهل ينبغي حظر نشر هذا الفيلم؟
تعتبر السويد دولة مثالية فيما يخص استخدام الشبكة الإلكترونية، فنسبة 90 بالمائة تقريباً من مواطنيها تستخدم الإنترنيت. وتقدم الحكومة العديد من عروضها على الإنترنيت أيضا لإشراك أكبر عدد ممكن من المواطنين في اتخاذ قراراتها. وتقف البلاد في مقدمة "مؤشر الويب" الذي يعتبر مقياساً لمدى انتشار الإنترنيت ومدى استخدامه في 61 دولة. وهى قائمة صدرت هذه السنة للمرة الأولى.
إلا أن السويد أيضاً تحجب صفحات إلكترونية معينة، بينها الصفحات الإباحية مثلاً التي يظهر فيها أطفال. ويتم حجبها بالاعتماد على قوائم سوداء لمنع فتح مثل هذه النشرات. ورغم نبالة هذا الهدف، إلا نشطاء الإنترنيت ينتقدون أن وضع القوائم لا يتم بصورة شفافة. وعلاوة على ذلك ينتقد حماة المعلومات ما يسمى بتخزين المعلومات الاحتياطية الذي أدخلته السويد، شأنها في ذلك شأن غيرها من دول الاتحاد الأوروبي في الربيع الماضي. وهذا يعني أنه يتم الآن تخزين المعلومات حول المستخدمين لمدة ستة أشهر. ويمكن مراجعتها في هذه الفترة.
"إلا أنه لا يمكن لهذا السبب مقارنة النظام السويدي بالأنظمة في دول غير ديمقراطية"، كما يقول فرانك بيلفراغه نائب وزير الخارجية السويدي، "فحكام هذه الدول يريدون مراقبة مواطنيها بواسطة الإنترنيت والحفاظ على مجتمعات معادية للديمقراطية في هذه الدول".
برمجيات من الغرب
ترى بعض الشركات الغربية في تجارة تكنولوجيات رقابة الإنترنت التي تمكن من مراقبة أجهزة الكمبيوتر والتجسس على مستخدميها، صفقة رابحة لها. "ولا تحد الحكومات الغربية هذه التجارة حالياً، فهي تمتنع عن نشر معلومات حول أنواع التكنولوجيات التي يسمح بتصديرها وحول الأماكن التي يتم تصديرها إليها. وهذه مشكلة كبيرة"، كما يقول إيريك كينغ من منظمة بايفسي إينترناشينال (Privacy International) غير الحكومية التي تقوم بمراجعة طرق تصدير البرمجيات الرقابية.
ويشاركه زميل له رفض ذكر اسمه، في هذا الرأي. وأشار إلى نشطاء إيرانيين تم التجسس على كومبيوتراتهم ورفع المعلومات المتوفرة فيها إلى الحكومة، وذلك بالاعتماد على برنامج ألماني باعته شركة بريطانية. ورغم أن النشطاء الإيرانيين يطالبون بحظر تصدير البرمجيات المعنية، فإن السياسيين المسؤولين مترددون في ذلك، إي أن الأمر هنا يدور حول التناقض القائم بين تحقيق أهداف نبيلة وممارسة سياسة واقعية. "ومن المهم البدء بإجراء نقاش بهذا الشأن يؤدي فيما بعد إلى نتائج مهما كانت"، كما يقول فولفغانغ كلاينفيشتر.
الإنترنيت 2032
من جهة أخرى، فإن هناك أنباء جيدة أيضاً، ففي الصين مثلاً تحصل نسبة عشرة بالمائة من المستخدمين على معلومات غير خاضعة للرقابة عن طرق غير مباشرة تتمثل في استخدام خادم بروكسي (Proxy) مثلاً أو شبكات مشفرة مثل شبكة تور (TOR) التي تستبعد التحقيق من هوية المستخدمين.
رغم أن جيرمين بروكس من "منظمة مبادرة الشبكة العالمية" يرى أن ذلك لن يؤدي إلى تغير سريع، إلا أنه يقول من جهة أخرى: "إن طرح قوانين مثالية قبل كل شيء على الدول المعنية وإيضاح آثار هذه القوانين الإيجابية على اقتصادها يتيحان الفرصة لتطوير الإنترنيت في الاتجاه الصحيح"، أي تطويره نحو إنترنيت حر ومفتوح ولصالح للاستخدام على الصعيد العالمي، كما كان أصلاً.