الابتزاز الجنسي في سوريا .. الضحايا يدعمن بعضهن
٣١ ديسمبر ٢٠٢٠مثل معظم البنات في سنها، أعمى الحب نور*، البالغة من العمر 19 عاماً. على مدار ستة شهور، كانت الفتاة السورية تشعر وكأنها تعيش في إحدى قصص الخيال، حتى طلب منها حبيبها أن ترسل له صوراً عارية لها.
تقول نور: "في البداية رفضت. لكن بعض طلبات مستمرة ووعود بأنه لن يخون ثقتي فيه، أذعنت لطلبه وأرسلت له بعض الصور".
بعد ذلك بفترة قصيرة، بدأ يطلب المزيد. وتتابع نور: "هذه المرة لم يقتصر الأمر على الصور. عندما أوضحت له أنني لن أقبل بذلك مطلقاً، بدأ يهددني بإرسال الصور إلى عائلتي. إذا اكتشفت عائلتي أنني أرسلت صوراً فإنها ستتبرأ مني".
تابوهات في المجتمع السوري
بقيت نور في حيرة من أمرها حتى أخبرتها صديقة لها عن مبادرة "غاردينيا"** في أواخر عام 2019. أسست الدكتورة زينب العاصي هذه المبادرة عام 2017 لتمكين النساء ورفع الوعي حول القضايا النسوية. وفي عام 2019، أطلقت "غاردينيا" حملة "من حقك" لتشجيع الشابات اللواتي تعرضن للاستغلال والتحرش الجنسيين على كسر صمتهن.
حتى الآن، استجابت 1100 سيدة سورية للمبادرة وكشفن عن قصصهن، بحسب إحصاءات الحملة، وكلهن يتشاركن في نقطة هامة، تلخصها الدكتورة زينب العاصي بـ "الخوف.. الخوف من الأهل ومن المجتمع. هذا أيضاً أحد أكبر التحديات التي تواجهها الحملة".
دعم ومشورة للضحايا
تحاول حملة "من حقك" مساعدة الضحايا من النواحي القانونية والنفسية والاجتماعية، وتتعاون مع عدد من المحامين لتوفير استشارات قانونية بالمجان.
وتقول الدكتور زينب العاصي إن الحملة "ساعدت حوالي 90 في المائة من الحالات على تقديم شكاوى قضائية. في معظم الحالات يتراجع المدعى عليه بمجرد أن يعرف بأن هنالك شكوى ضده لدى الشرطة".
بحسب القانون السوري، فإن الابتزاز جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة تصل إلى سنتين، بالإضافة إلى غرامة مالية، وتُضاعف العقوبة إذا ما وقعت الجريمة إلكترونياً، بحسب قوانين تنظيم التواصل الإلكتروني ومحاربة الجرائم الإلكترونية. أيضاً، فإن المواد الإلكترونية التي تخرق الخصوصية يعاقب على نشرها بالسجن ما بين شهر وستة شهور، بالإضافة إلى غرامة مالية تتراوح بين 100 ألف و500 ألف ليرة سورية (حوالي 65 إلى 200 يورو).
وبعد الحصول على المشورة القانونية من خلال الحملة، واجهت نور حبيبها السابق وقالت له إنها سترفع ضده شكوى في المحكمة إذا ما نفذ تهديداته بنشر صورها. وحول ذلك تروي نور: "بمجرد أن أدرك أنني جادة في رفع دعوى قضائية، توقف عن التهديد واختفى من حياتي".
آثار نفسية
لكن الآثار النفسية والعاطفية لهذه التجربة المريرة لا تختفي مع اختفاء الفاعل. ولذلك، تسعى مبادرة "غاردينيا" للاستمرار في العمل مع الضحايا من خلال جلسات تقدمها شبكة من المعالجين والأطباء النفسيين المتطوعين، من أجل مساعدة هؤلاء النساء على العودة إلى الحياة الطبيعية.
"غاردينيا" ليست المبادرة المدنية الوحيدة في دمشق التي تساعد ضحايا الابتزاز الجنسي في أنحاء مختلفة من سوريا. براءة الطرن محامية تقدم بدورها استشارات قانونية للنساء اللواتي تعرضن للتهديدات الجنسية في مواقع التواصل الرقمي.
تقول براءة: "بدأ الأمر قبل عامين بمنشور حول الإجراءات القانونية المتبعة لحماية النساء من الابتزاز الجنسي على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن لاحظت عدداً من حالات الابتزاز الجنسي التي وقعت لأشخاص في محيطي".
بعد أن كتبت هذا المنشور، تلقت براءة الطرن عدداً من الاتصالات من نساء طلبن مساعدتها، وحينها بدأت بتقديم المشورة القانونية لضحايا الابتزاز الجنسي بالمجان، حسب ما تقول.
لا تحتفظ براءة الطرن بإحصائية لعدد النساء اللواتي ساعدتهن، ولكنهن كثيرات، حسب ما تقول: "لقد تقدمت بثلاث دعاوى قضائية في المحكمة نيابة عن الضحايا. هنالك أخريات ذهبن إلى المحكمة بأنفسهن بعد الحصول على استشارة مني، ولكنني لم أكن الموكلة بقضاياهن. المثير للاهتمام هو أنه بمجرد ذهاب القضية إلى المحكمة، يتراجع المدعى عليهم عن فعلتهم ويحاولون التوصل إلى تسوية خارج المحكمة".
وتتفق المحامية السورية مع الرأي القائل إن الخوف من رد فعل الأهل هو أكثر ما يقلق الضحايا اللواتي يتواصلن معها. وتتذكر حادثة أقدمت فيها طالبة جامعية في محافظة حمص على الانتحار بعد شهور قليلة من تهديد صديقها لها بنشر صورها العارية.
حول تلك الحادثة تتذكر براءة الطرن: "بكل أسف، فإن المجتمع السوري يلوم ضحية الابتزاز الجنسي. إنهم يعتقدون أنها من وافقت على مشاركة هذه الصور، وبالتالي فهي تستحق ما جرى لها".
مواقع التواصل وكورونا يفاقمان الوضع
رغم أن الابتزاز والتحرش الجنسيين ليسا بجديد على المجتمع السوري، إلا أن انتشار مواقع التواصل الاجتماعيوعشر سنوات من الصراع في البلاد جعلا من السهل على المتحرشين الوصول إلى الضحايا وابتزازهن جنسياً أو مالياً.
كما أن جائحة كورونا فاقمت من هذا الوضع، وأجبرت الناس على البقاء في منازلهم، ما يعني قضاء وقت أطول على مواقع التواصل، وهو ما أدى إلى ازدياد حالات الابتزاز.
من جهتها، واجهت شام الشاهر، البالغة من العمر 20 عاماً، التحرش الجنسي عدة مرات على الإنترنت، وهو ما دفعها وثلاثاً من صديقاتها إلى إطلاق مجموعة "لا للتحرش الجنسي الإلكتروني" على منصة "فيسبوك" في سبتمبر/ أيلول.
تهدف هذه المجموعة إلى إغلاق حسابات "فيسبوك" التي تقوم بالتحرش بالنساء، وذلك من خلال الطلب من أعضاء المجموعة التبليغ عن حساب المتحرش. حول هذه المبادرة تقول شام الشاهر: "صادفتنا حالات كثيرة تم فيها اختراق حسابات فيسبوك لفتيات ونشر صورهن الخاصة في الموقع. نحاول إغلاق هذه الحسابات بأسرع وقت ممكن قبل أن تنتشر الصور على نطاق واسع".
وتشير الشاهر إلى أن التحرك ضد المتحرشين قانونياً يتطلب وقتاً كبيراً و"عندما تصل الأمور إلى المحكمة، تكون الصور قد انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق والضرر قد وقع".
حتى الآن، تمكنت هذه المجموعة، التي تضم حوالي 2400 عضو، من إغلاق عشرات الحسابات على فيسبوك، بحسب ما تقول الشاهر: "نحن نسعى أيضاً لجعل الشباب جزءاً من الحل. لذلك، فإن مجموعتنا مفتوحة للذكور والإناث على حد سواء، ونحن نشجع العضوات على إضافة أصدقائهن وأفراد عائلتهن الذكور إلى المجموعة".
* تم تغيير اسمها لحماية هويتها
** مبادرة "غاردينيا" وكل المبادرات المذكورة في التقرير تعمل بشكل مستقل عن الحكومة السورية، والتي لا تقدم لها دعماً أو تعارض عملها، بالنظر إلى طبيعتها غير السياسية.
تم إنجاز هذا التقرير بالتعاون مع منصة "Egab"