الاحتفال بأعياد الميلاد بين الطقوس الدينية والعادات الاجتماعية
١٤ ديسمبر ٢٠٠٨يتحدث الإنجيل عن ميلاد المسيح، لكنه يخلو مما يشير إلى تقاليد وعادات الاحتفالات بأعياد الميلاد. فطقوس الاحتفال تختلف من منطقة إلى أخرى حسب تنوع الثقافات والحضارات. تطورت هذه الطقوس على مر العصور إلى أن تحولت من طقوس دينية إلى عادات اجتماعية. فثمة مظاهر إحتفالية تميز أعياد الميلاد في ألمانيا والغرب بوجه عام، من بينها على سبيل المثال تزيين شجرة أعياد الميلاد وترقب الأطفال لبابا نويل، الذي كان في الأصل أسقفاً في آسيا الصغرى إبان القرن الرابع الميلادي.
غير أن الصورة المأخوذة عنه حديثاً قد تغيرت، إذ يظهر بابا نويل كشيخ مسن بدين ذو لحية بيضاء ووجنتين ورديتين ولباس أحمر وحذاء أسود. وظهرت هذه الصورة أول مرة عام 1881 في جريدة هاربرس كدعاية لشركة كوكاكولا. أما شجرة عيد الميلاد التي تتلألأ بالأنوار والمزينة بالبلورات الحمراء فتعد بدورها إحدى المظاهر البهيجة التي تغمر احتفالات أعياد الميلاد، ناهيك عن كعك الكريسماس المصنوع بالعسل والزبيب والسكر والتوابل. أضف إلى ذلك تبادل الهدايا بين أفراد العائلة.
أعياد الميلاد ...
وعن ذكرى ميلاد يسوع المسيح في الرابع والعشرين من ديسمبر/أيلول يقول القسيس البروتستانتي هانس مورتَّـر في حوار مع دويتشه فيله: "إن يوم الرابع والعشرين هو أول يوم سطع فيه النور، والاحتفال بأعياد النور كان أيضاً تقليداً لدى الشعوب الوثنية، فهو إذن يوم ذو أهمية كبيرة منذ آلاف السنين. وله كذالك مدلول تاريخي يرمز إلى أن الإنسانية لا تفتأ تكابد الظلام المتمثل في الموت والمعاناة والحزن والآلام، وأنه لا يزال هناك مخرج من ذلك بميلاد صباح جديد". ويستطرد مورتَّـر: "إن النور سيسطع من جديد. وغني عن التعريف أننا نحتفل بعيد ميلاد يسوع لأننا نؤمن بإشراق شخصية يسوع المسيح التي ولدت وعاشت لتبين لنا أن السلام ممكن وأن العدالة ممكنة، وتبين لنا إمكانية سطوع النور في قلب الظلام الذي كثيرا ما يصادفنا عندما نشاهد الأخبار".
أما عن شجرة عيد الميلاد فيقول القسيس مورتَّـر: "إن شجرة عيد الميلاد قد أصبحت بلا شك رمزا لأعياد الميلاد. وبطبيعة الحال لا توجد الخضرة في الشتاء، إلا أن شجرة التنوب خضرتها أزلية، فهي ترمز إذن إلى الحياة والحيوية". وعن البلورات الحمراء التي تزين شجرة عيد الميلاد يقول القسيس: "هي رمز لدم يسوع، ولذا فإن الربط بين حمرة تلك البلورات وبين خضرة الشجرة يمثل سلامة الحياة في الحاضر والمستقبل".
...وحضور بابا نويل
وفي ليلة العيد أو ما يسمى بـ"الليلة المقدسة" يأتي بابا نويل ليلاً حاملاً الكثير من الهدايا للأطفال ويضعها لهم تحت شجرة عيد الميلاد التي كانوا قد أعدوها مع أهليهم. ويأسف القسيس مورتَّـر لتبدل الأمور واختلاط الرموز لدى الأطفال بشأن من يهبهم الهدايا فيقول: "إنه الطفل يسوع، إنه طفل، وليس ذلك الرجل السمين البدين. هذا ثمن رخيص، هذا غباء وبلاهة ونفاد لحضارتنا وتاريخنا، أحياناً يخيّب ذلك أملي".
ويضيف القسيس: "هذا حال مجتمعنا الاستهلاكي، يا له أمر فظيع خال من القيمة والذوق". ويأخذ القسيس مورتَّـر نفساً عميقاً، ثم يستكمل حديثه: "وكشف ذاك الإبهام عند الأطفال شيء مهم، وهذا يبدأ بألا نضخم من حجم بابا نويل إنه ليس بابا نويل كوكاكولا العاري من الذوق، بل إنه بابا نويل القرن الرابع الأسقف ذو الشخصية الضاربة في القدم ورمز صوفي وقدوة. هو ممن كانوا يطعمون الجياع ويأتون بأفكار خارقة."
الهدايا والإسراف في المشتريات
صحيح أن أعياد الميلاد مناسبة مسيحية، إلا أنها قد تحولت عند الكثيرين إلى موسم استهلاكي، حيث نجح سوق الهدايا في أن يفرض نفسه بعد الحرب العالمية الثانية وتحقق المعجزة الاقتصادية، على حد تعبير القسيس مورتَّـر. ففكرة التهادي لها في الأصل معنى عميق. ويشرح مورتَّـر هذا المعنى قائلاً: "إنه اليسوع الذي يهادينا والذي قد وهبنا حياته.
ونحن نهادي الأطفال كي يتعلموا أن الحياة هدية وأننا نحتفل بهدية الحياة، ولذلك توجد الهدايا، ولكن ليس بهذا الكم الذي يرهق الوالدين، فإن هذا الذي نحن فيه مناقض لمعنى هذا العيد. إن أغلب الناس في غفلة من ذلك، وأعياد الميلاد بالنسبة لي كقسيس فرصة هامة لتذكيرهم بالمعنى الحقيقي لهذا الاحتفال."