الاستبداد والديموقراطية: أيهما أنجع لتحقيق التقدم الاقتصادي؟
١٣ فبراير ٢٠١٣لعل العديد من الدعاة المتحمسين لليبرالية سيجدون في دول أمريكا اللاتينية نموذجا يؤكد أن التقدم الاقتصادي يسير جنبا إلى جنب مع توسيع الحريات السياسية. وتٌقدم دول مثل كوستاريكا وتشيلي أو أوروغواي كأمثلة حية تؤيد هذا الطرح.كما أن هذه الدول، ووفقا للمؤشر الدولي للتنمية الديمقراطية، تعتبر الأنجح اقتصاديا في المنطقة. أما في إفريقيا فتعتبر غانا، بوتسوانا وجنوب إفريقيا نماذج في منطقتها. وعلى المدى المتوسط يتوقع الخبراء نموا اقتصاديا سنويا لهذه الدول بمعدل يصل إلى ستة في المائة.
ويرى يورغ فاوست مدير قسم الحكامة والديمقراطية في المعهد الألماني للتنمية السياسية أن "الديمقراطية تؤثر على التنمية البشرية خصوصا في قطاعي الصحة والتعليم". وهذا ما تمت ملاحظته في عدد من الدول الإفريقية. ويضيف فاوست: "كان ُيعتقد ولفترة طويلة، أن التنمية الاقتصادية لبلد ما مرتبطة وبشكل وثيق بالديمقراطية والحكامة الجيدة. فالديمقراطية تضمن الحريات المدنية والسياسية، وكذلك الحق في المشاركة السياسية. وهذا ما يضمن بدوره حدا من الاستقرار يشجع المواطنين ورجال الأعمال على روح المبادرة.
الربيع العربي وتفاقم الوضع الاقتصادي
إلا أن الوضع الاقتصادي في دول الربيع العربي، كتونس ومصر، تفاقم وزاد سوءا بعد الثورات على الأنظمة الاستبدادية، في مرحلة أولى على الأقل. وهي دول اختارت السير في الطريق الصعب نحو الديمقراطية. وفي المقابل، هناك الكثير من الأنظمة الاستبدادية التي تمكنت خلال فترات طويلة، من تحقيق معدلات نمو مرتفعة. ويشير يورغ فاوست بهذا الصدد إلى مثال المكسيك بين الأربعينات والستينات من القرن الماضي، أو الصين خلال العقود الأخيرة، إضافة إلى بعض الدول الإفريقية التي تسودها أنظمة ديكتاتورية كإثيوبيا ورواندا، أو حتى بعض دول الخليج العربي. "هذه الدول تظهر أن بإمكان الأنظمة الاستبدادية أيضا تحقيق النمو الاقتصادي"، على حد قول فاوست.
تفاقم الفوارق الاجتماعية
غير أن السؤال الأساسي يتعلق بمدى استفادة عدد كبير من المواطنين من هذا النمو. وتعتبر الجزائر نموذجا مثيرا للانتباه بهذا الصدد، فهذا البلد غني بموارده الطبيعية، إلا أن ثروته لا تصل إلى الغالبية العظمى من الجزائريين. هل يعني هذا أن الحكام المستبدين يضعون صوب أعينهم عامل النمو الاقتصادي فقط، ويتجاهلون تنمية التعليم والرعاية الصحية؟.
يرد فاوست على هذا السؤال بقوله "هناك تحسن على مستوى مؤشرات التنمية البشرية، مثلا محاربة الفقر والرعاية الصحية". وقد حققت دول كالصين وإثيوبيا ورواندا تقدما ملموسا من حيث الصحة والتعليم ومتوسط العمر المتوقع. وبالمقابل يضيف فاوست، فإن "الفوارق تزداد بشكل مأساوي"، ذلك أن أقلية محدودة هي التي تستفيد من الرفاهية الاقتصادية. إلا أن ليال وايت من معهد علوم الاقتصاد والأعمال في بريتوريا، يرى أن هذا النمو ستستفيد منه فئات أوسع من المواطنين على المدى البعيد.
حقوق الإنسان في الميزان
يشير كوفي كواكو من جامعة فيتفاتسلاند أن معظم دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة احتاجت لوقت طويل قبل أن تستفيد فئات اجتماعية واسعة من الرفاهية الاقتصادية. "هناك دائما بداية، وحين يتحقق النمو الاقتصادي على المدى الطويل، تزداد فرصة انتشاره لتستفيد منه كافة فئات المجتمع" على حد تعبير كواكو.
إلا أن التقدم الاقتصادي لا يساوي الكثير أمام العبث السياسي الذي يمارسه الحكام المستبدون على شعوبهم في دول تخرق أبسط حقوق الإنسان بشكل يومي، كما هو عليه الحال في البلدان العربية وغيرها. ففي إثيوبيا على سبيل المثال لا الحصر، تقول منظمات حقوق الإنسان إنه يتم طرد الفلاحين من أراضيهم لصالح مستثمرين زراعيين أجانب. قد تكون بعض الأنظمة المستبدة ناجحة اقتصاديا بالمقارنة مع أنظمة ذات ديمقراطية غير مستقرة، إلا أنه ليس من الأكيد أن بمقدورها منح مواطنيها آفاقا مستقبلية أفضل مما هو متاح في نظام ديمقراطي متجذر.