الانتخابات الألمانية.. أيام معدودة والتردد سيد الموقف!
٢٣ سبتمبر ٢٠٢١كشف آخر استطلاع للرأي نشرته صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" أن أربعين بالمائة من المواطنين الذين سيدلون بأصواتهم في الانتخابات العامة الأحد المقبل (26 أيلول/ سبتمبر 2021)، لم يحسموا أمرهم بشأن الحزب الذي سيصوتون له. هذه النتيجة لم تفاجئ أستاذ العلوم السياسية توماس غشفيند في جامعة مانهايم الذي يشارك في مشروع weitstimme.org الخاص باستطلاعات الرأي لصالح صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ ". فقد أعاد وجود عدد كبير من الناخبين المترددين إلى "الوضع الجديد" الذي فرضه الفراغ الذي ستتركه أنغيلا ميركل بعد مغادرتها منصبها بعد 16 عاما في السلطة.
وأضاف بأنه "ليس لدينا مرشح على رأس السلطة، لكن لدينا ثلاثة أحزاب بدلا من حزبين يحاول مرشحوها خلافة ميركل. وليس واضحا ماهية الحكومة الائتلافية التي سوف تنجم عن الانتخابات، لذا أتفهم لماذا أصبح من الصعب (على الناخبين) حسم خيارهم".
أما المؤرخة كاتيا هوير فترى أن السباق الانتخابي على الورق (قوائم الانتخاب) بات مفتوحا على مصراعيه في ظل غياب حملات انتخابية أكثر إقناعا، وهو ما زاد من تعقيدات العملية الانتخابية.
وأضافت بأنها تعتد أن "المشكلة الرئيسية تتمثل في أنأيا من الأحزاب لم يقدم حلولا جديدة للمشاكل القديمة، خاصة وأن الفترات التي تولت فيها ميركل منصب المستشارية قد تركت العديد من القضايا الرئيسة دون معالجة مثل جودة الحياة وتكاليف الرعاية الاجتماعية... كما أن أزمة اللاجئين عام 2015 قد زادت من حجم التوترات. ومع ذلك، على ما يبدو أن أيا من الأحزاب لم يطرح أفكارا جيدة وجديدة". وقالت بالإضافة إلى ذلك، فإن المرشحين "فشلوا في إظهار بعض الإثارة والإلهام حيال شخصيتهم، ما أدى في نهاية المطاف إلى وجود العديد من الناخبين المترددين".
تصويت ثلاثي على مرحلة ما بعد ميركل
ويبدو أن الانتخابات العامة ستكون طويلة ومفتوحة على كافة الخيارات أكثر مما كان عليه الوضع لعقود. في الماضي ورغم أن النظام السياسي في البلاد يقوم على أساس التعددية الحزبية والتمثيل الحزبي النسبي، إلا أن سباق الانتخابات العامة كان ثنائي التنافس بين المرشح المحافظ لمنصب المستشارية من الاتحاد المسيحي في مواجهة مرشح الحزب الاشتراكي.
وفي هذه الحالة، فإن الناخب المؤيد للحزب الديمقراطي الليبرالي كان يدرك أن صوته الانتخابي يصب في صالح الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه البافاري في أي مفاوضات بشأن تشكيل حكومة ائتلافية. وفي نفس الوقت، كان الناخب المؤيد لحزب الخضر يدرك أن صوته الانتخابي سيقوي من موقف الحزب الاشتراكي الذي يعد الشريك المفضل لحزب الخضر في أي ائتلاف حكومي.
أما أنصار حزب اليسار وأنصار "حزب البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي فيدركون أن أصواتهم الانتخابية الاحتجاجية تدفع قضيتهم إلى مقعد المعارضة.
بيد أن كل هذا قد تغير خلال الانتخابات العامة الحالية، إذ يتنافس ثلاثة مرشحين بشكل جدي على خلافة ميركل بعد انضمام حزب الخضر إلى ساحة التنافس، إذ تصدرت مرشحة الحزب استطلاعات الرأي مرة واحدة في مايو/ أيار بنسبة بلغت 26 بالمائة.
ويرى المحلل السياسي غشفيند أنه يمكن رصد حالة الاستياء التي تسود بين الناخبين والترددحيال الحملات الانتخابية والمرشحين، من نتائج استطلاعات الرأي منذ الربيع. ويقول إن "الناس غير اضين عن جوهر الحملات الانتخابية، فقد رصدنا تطور نتائج استطلاعات الرأي، ويبدو الأمر وكان العملية تترنح إذ تصدر كل حزب من الأحزاب الثلاثة المشهد في مرحلة ما وهو أمر غير معتاد".
من يدعو لاستمرار الوضع الراهن ومن يدعو للتغيير؟
قد تكون كلمة السر وراء حالة التردد وعدم اليقين بين الناخبين، ما يمثله كل حزب في حقيقة الأمر. والجدير بالذكر أن التحالف الذي يضم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي وشقيقه البافاري من جهة والحزب الاشتراكي من جهة أخرى كانوا في الحكومة خلال الأعوام الثماني الماضية.
وفي ذلك، بقول غشفيند إن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي ارتكب "خطأ" عندما افترض أن أرمين لاشيت سيكون مرشح الاستمرارية بشكل تلقائي بمجرد اختياره خلفا لميركل في الحزب، لكن ورغم أن سياسة لاشيت تتوافق إلى حد كبير مع سياسات ميركل التي شغلت منصب المستشارية لأربع ولايات (16 عاما)، إلا أن شخصية لاشيت أكثر تباينا. ويوضح غشفيند ذلك بقوله إنه يتعين معرفة أن "مجموعة الناخبين الذين دعموا الحزب الديمقراطي المسيحي هم على الأرجح مجموعة فرعية من الذين يدعمون أنغيلا ميركل". ويضيف "لقد حصلت ميركل على العديد من الأصوات خاصة مم أُطلق عليهم اسم ناخبي وناخبات ميركل أو الديمقراطيين المؤيدين لميركل كما كان الحال مع الديمقراطيين المؤيدين لريغان (في الولايات المتحدة)".
وقد تكهن مركز استطلاع الرأي الذي يشرف عليه غشفيند بشأن المرشح القادر على كسب أصوات الناخبين الأقل تحفظا. في البداية كان الاعتقاد أن مرشحة حزب الخضر أنالينا بيربوك في الصدارة. لكن الصراعات داخل حملة بيربوك فتحت الباب أمام أولاف شولتس مرشح الحزب الاشتراكي، فيما بدا الحزب المسيحي الديمقراطي وكأنه لا يمتلك أجوبه عندما نهض خصمه القديم من تحت الرماد كمنافس جاد.
وقد قضى شولتس العديد من الأعوام في الائتلاف الحاكم بزعامة ميركل كوزير وكنائب لها منذ عام 2018، ولذا ترى هوير أن مرشح الحزب الاشتراكي قد حقق مكاسب جزئية من خلال خطف عباءة مرشح الاستمرارية من الحزب الديمقراطي المسيحي. وتقول إنها تعتقد أن شولتس "سيكون قادرا على الاستفادة من حالة الاستياء (بين الناخبين) إذ كان بارعا في إظهار نفسه وكأنه مرشح الاستمرارية الأكثر أمنا، كذلك يبدو أنه الأقل احتكاكا وقد لا يكون مثيرا، لكنه على الأقل لن يكون مختلفا بشكل جذري عن الوضع الراهن المستقر الذي يرتقي لأن يكون الوضع المثالي". وتضيف بأن شولتس "من غير المرجح أن يتقدم كثيرا عما عليه الآن عند بدء التصويت، وذلك لأن حزبه لا يزال غير محبوب بشكل كبير".
من المستفيد؟
يبدو أن الهاجس الأخير الذي يؤرق الناخبين المترددين يتمثل في قضية الائتلافات الحكومية التي قد تخرج من رحم انتخابات الأحد المقبل عندما يتم فرز الأصوات. وفي ذلك، تقول هوير "لا يمكن التنبؤ بشكل التحالفات. ففي الوقت الحالي، يبدو من المحتمل أن ينشأ عن الانتخابات تحالف ثلاثي قد يكون بزعامة مرشح الحزب الذي يحل في المرتبة الثانية". وتضيف "إذا شعر الناس بضرورة إبعاد حزب بعينه من الحكومة، فقد يؤثر ذلك على قرارهم، وهذا ما يحاول لاشيت استغلاله من خلال حملته للتحذير من تحالف يساري محتمل يضم الحزب الاشتراكي وحزب الخضر ودعم إضافي من حزب اليسار".
لكن هوير تقول إن لاشيت على ما يبدو قد تناسى أن حزب اليسار لا يثير الخوف لدى الألمان كما كان الشيوعيون قديما، مضيفة "أعتقد أن اليساريين من المرجح أن يصطفوا وراء الحزب الاشتراكي الديمقراطي ربما لإبقاء التكتل الذي يضم الحزب المسيحي وشقيقه البافاري بعيدا."
أما المحلل السياسي غشفيند، فيرى أن الغموض يكتنف شكل الائتلاف بشكل كبير، مضيفا أنه ليس بمقدوره التكهن حيال الأمر، وإن "التصويت التكتيكي يكاد من المستحيل حدوثه هذا العام". ويضيف بأن "الأمر قد ينتهي بعضو واحد على الأقل في تحالف مستقبلي مع حليف غير متوقع وذلك في حالة فشل حزب الخضر والحزب الاشتراكي في التغلب على الصعاب والفوز بمقاعد كافية لتشكيل ائتلاف حكومي جنبا إلى جنب".
ويشير إلى أنه خلال انتخابات عام 2017 وعام 2013، كانت هناك مبالغة في تقدير دعم الحزب الديمقراطي المسيحي ببضع نقاط مئوية في جميع استطلاعات الرأي بشكل تقريبي، عازيا ذلك "إلى أن الحزب كان في الحكم، لذا فلست على يقين من تكرار هذا السيناريو هذا العام".
وقال إنه تفاجأ بميل الأشخاص الأثرياء في الحي الذي يقطنه ممن يعتبرهم ناخبين محافظين، إلى دعم حزب الخضر وهو ما دفعه إلى التساؤل عما إذا تم التقليل من دعمهم.
وخلاصة القول سيضطر الناخبون المترددون إلى الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، ما سينهي التكهنات حيال من سيتصدر. إذ ستصبح استطلاعات الرأي واقعا ملموسا للجميع، بيد أنه لن يتم حسم شكل الائتلاف الحكومي المستقبلي سريعا.
مارك هالام/ م ع