البوندستاغ يريد حماية أكبر للحياة اليهودية في ألمانيا
٩ نوفمبر ٢٠٢٤قرار طال انتظاره. أصدر البرلمان الألماني الاتحادي (بوندستاغ) قرارًا بأغلبية كبيرة لتوفير حماية أفضل للحياة اليهودية في ألمانيا. وفي إعلانه غير الملزم قانونيًا، دعى البرلمان الألماني إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد معاداة السامية.
ومشروع هذا القرار، الذي صاغته معًا أحزب الحكومة والمعارضة من الحزبين المسيحي الديمقراطي والاجتماعي المسيحي، لم يوافق عليه نواب البرلمان من مجموعتي "تحالف سارة فاغنكنيشت" و"اليسار". هذا وقد امتنع عن التصويت بعض أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر لعدم إشراكهم في صياغة النص حسب الشكوى التي تقدموا بها.
وقد غطت على النقاش الذي استمر نحو ساعتين أحداث مساء اليوم السابق، أي نهاية ائتلاف إشارة المرور. وعندما افتتحت رئيسة البوندستاغ بيربل باس الجلسة، لم يكن سوى ثلث النواب حاضرين. ولم يجلس على مقاعد الحكومة لا المستشار ولا وزير الداخلية، بل كان يوجد وزيران اتحاديان فقط. وحتى هذان الوزيران اختفيا من حين لآخر.
وكثيرًا ما كان يُشاهد نوابٌ من جميع الكتل في صفوف المقاعد الخلفية منهمكون في الحديث والنقاش؛ فقد شوهد مثلا أعضاء شباب من الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) ونظرهم دائمًا إلى هواتفهم الذكية خلال الجلسة. وعند انتهاء النقاش بالتصويت على القرار، وصل أيضًا يوم جلسة البوندستاغ الطويل حقًا إلى نهايته.
موضوع أُجل مرارًا وتكرارًا
وجاء هذا القرار قبل وقت قصير من ذكرى ليلة الكريستال، التي استباحت خلالها في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 1938 مجموعات البلطجية والشبيحة النازيين معابد اليهود ومحلاتهم في ألمانيا. وقد مات خلالها مئات من اليهود. وفي الوقت نفسه، جاء قرار البرلمان هذا بعد مرور ثلاثة عشر شهرًا بالضبط على هجوم حركة حماس الإرهابي. ولذلك كانت الكتل البرلمانية في البوندستاغ قد أعلنت وبحزم في الأسابيع الأولى بعد هجوم حماس على إسرائيل عن نيتها إصدار قرار مناسب.
ولكن بعد ذلك لم يحدث شيء لفترة طويلة. ومع ذلك فقد سارعت برلمانات العديد من الولايات الألمانية إلى إصدار بيانات. وذلك لأنَّ عدد الهجمات والمخالفات والجرائم المعادية لليهود في ألمانيا ارتفع بحدة بمعنى الكلمة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. وما يزال مرتفعًا أكثر من أي وقت مضى.
وكلما كان البوندستاج يؤجل هذا الموضوع أكثر، كانت تزداد انتقادات الباحثين والمنظمات غير الحكومية. فقد كان مشروع القرار معروضًا عليهم منذ عدة أشهر. هذا ويخشى المنتقدون من حجب التمويل الحكومي عن المؤسسات أو المشاريع التي يتم من خلالها انتقاد السياسة الإسرائيلية. وهم ينتقدون كذلك توافق القرار مع تعريف معاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
وهذا التعريف العملي تبنته ووافقت عليه ثلاث وأربعون دولة، من بينها ألمانيا، وتدعمه مجموعة من اللجان والهيئات الدولية. ولكن مع ذلك كثيرًا ما يتكرر اتهامه - وحتى من قبل أصوات أكاديمية محترمة - بالخلط بين انتقاد الحكومة الإسرائيلية ومعاداة السامية.
وفي شهر آب/أغسطس، عبرت في رسالة مفتوحة مجموعة مكونة من نحو مائة وخمسين باحثًا أكاديميًا وخبيرًا قانونيًا وفنانًا يهوديًا يعيشون في ألمانيا عن "قلقهم العميق" من هذا القرار المقترح. واعتراضهم هو: صحيح أنَّ هذا القرار يريد "حماية الحياة اليهودية في ألمانيا"، ولكنه يعرضها للخطر من خلال "ربطه جميع اليهود بتصرفات الحكومة الإسرائيلية، وهذا يمثل صورة نمطية مبتذلة معادية للسامية سيئة السمعة".
"هذا لن يحدث مرة أخرى الآن!"
وقد أعرب نحو عشرين شخصًا عن آرائهم خلال مناقشة القرار. وأشار ثلاثة أو أربعة منهم إلى النقاط الحرجة، وشددوا على رفضها وطالبوا بإجراء تحسينات.
وقال ديرك فيزه (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي): "هذا لن يحدث مرة أخرى الآن". وأضاف أنَّه من المخجل أن "يفكر اليوم أشخاص يهود في مغادرة ألمانيا". وقد حذرت السياسية من حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي أندريا ليندهولتس من أنَّ مَنْ يأتي إلى ألمانيا ويريد العيش هنا يجب عليه "تقبل الحياة اليهودية والمسؤولية عن حق إسرائيل في الوجود، أو يجب عليه مغادرة بلادنا". ولكن لم يعترض فقط المتحدثون من حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي على التظاهر بأنَّ كراهية اليهود قد وصلت إلى ألمانيا فقط من خلال الهجرة والمهاجرين.
هذا وقالت بياتريكس فون شتورش (من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي) إنَّ اليهود كانوا سيعيشون بأمان وسلام في ألمانيا من دون "فتح المسستشارة ميركل الحدود" في عام 2015. ورد عليها أرمين لاشيت (من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي) معترضًا بقوله إنَّ "حماية الشرطة للمعابد اليهودية في ألمانيا لم تبدأ فقط منذ سنة 2015". في تلك السنة، وصل إلى ألمانيا مليون لاجئ معظمهم من الشرق الأوسط. ومعاداة السامية موجودة في ألمانيا من اليمين واليسار، ومن أشخاص مهاجرين و"شباب ألمان ليسوا من أصول مهاجرة"، كما قال أرمين لاشيت. وأضاف أنَّ هذا كله يعتبر فضيحة.
ومع ذلك فقد تركز النقاش في معظمه على الوضع الداخلي في ألمانيا. ولم يتناول أي متحدث الوضع في الشرق الأوسط وتصرفات الحكومة الإسرائيلية بوضوح مثلما فعل السياسي غريغور غيزي (من حزب اليسار). حيث قال إنَّ حق إسرائيل في الوجود يعد لأسباب وجيهة مصلحة وطنية ألمانية. ولكن "لا توجد إسرائيل آمنة من دون وجود فلسطين آمنة وذات سيادة"، بحسب تعبير غريغور غيزي:
ويجب أن يكون انتقاد الحكومة الإسرائيلية "مسموحًا به ولا علاقة له بمعاداة السامية" إذا لم يكمن خلفه رفض لليهودية، كما قال غريغور غيزي، الذي أضاف حرفيًا: "الحكومة الإسرائيلية الحالية ذات التوجه اليميني الواضح بقيادة نتنياهو لا تمثل مع الأسف جزءًا من الحل، بل هي جزء من المشكلة في صراع الشرق الأوسط".
ومن جانبه أكد سياسي الحزب الليبرالي كونستانتين كوهله على أنَّ "هذا اليوم ليس نهاية النقاش". وأضاف أنَّه يتوقع "بداية نقاش اجتماعي واسع النطاق". وهذا النقاش كان في الأسابيع الأخيرة أكثر التزامًا ووضوحًا خارج البرلمان مما كان عليه داخل الفضاء السياسي. وكانت توجد اعتراضات حادة من الباحثين المختصين والمنظمات غير الحكومية. ومع ذلك فقد أصرت قبل يوم من مناقشة القرار العديد من الجمعيات والمنظمات اليهودية في ألمانيا في بيان مشترك على اعتماد هذا القرار الذي طال انتظاره بالنسبة لهم.
أعده للعربية: رائد الباش