"التحول 180 درجة" - مبادرة لمواجهة الانزلاق في مستنقع التطرف
٧ فبراير ٢٠١٧في عام 2012 أسس الشاب الألماني من أصل مغربي، ميمون بريسون، مبادرة تحمل اسم "التحول 180 درجة". منذ ذلك الحين التقى ميمون بمئات الشباب، الذين كان لديهم الشعور بأن "كل الأبواب قد أغلقت أمامهم بشكل دائم"، مثل الشاب مراد الذي عمره 22 عاما.
ويتذكر مراد عند مروره بمكتب مبادرة "التحول 180 درجة" في حي "كالك" بمدينة كولونيا ويقول"لم أجد أي حل، وكان هناك أشخاص آخرون يريدون استغلال وضع غياب الآفاق، حيث لم أكن أعرف من هو الطيب ومن هو الشرير."
ويقول ميمون بريسون (30 عاما)، وهو باحث في علم الاجتماع، إن الأسباب، التي تدفع الشباب الصغار إلى طريق التطرف متشابهة، حيث إنهم "يجدون أنفسهم في الطريق الخطأ، أو لا تكون لهم قدرة على مواصلة الدراسة أو يعانون من البطالة أو إنهم يضيعون وسط زخم الأحياء المكدسة بالسكان."
ميمون بريسون، هو ابن عامل مغربي مهاجر، نشأ وترعرع في حي "كالك"، الذي تمثل فيه نسبة الأجانب 40 في المائة من مجموع عدد سكانه. قبل خمسة أعوام فكر بريسون القيام بشيء ما، للتعامل مع ما سمع عن قصص شباب من أصول مهاجرة، أصابهم الإحباط فأصبحوا عرضة لمخاطر التطرف.
ويتحدث ميمون عن مشاكل الشباب المهاجر من خلال استخدام الضمير الجمعي "نحن"، وكذلك يفعل زملاؤه في المبادرة ويقول: "نحن نريد أن يكون لهؤلاء الشباب شعور وكأننا منهم، حتى يكون الحديث معهم على قدم المساواة.
وتضم مبادرة "التحول 180 درجة" شبكة من التلاميذ والمتدربين المهنيين وآخرون من جنسيات مختلفة، يتحركون في محيط الشباب المعرض للمخاطر، سواء في ملاعب كرة القدم، أو في المساجد أو في مراكز الشباب. حيث ‘مخك يجيدون لغة هؤلاء الشباب، ويعرفون مشاكلهم وأساليب حياتهم.
ويتلقى العاملون في المبادرة تدريبات للتعرف على علامات قد تشير الى مسار متطرف، كأن يشاهد الشاب مثلا مقاطع فيديو مثيرة وباستمرار وممجدة للعنف، أو يستخدم مصطلحات تشير لذلك أو يتعاطى مخدرات معينة. وفي هذه الحالة يمكن التدخل مبكرا، من أجل الوقاية. كما يقوم أعضاء في المبادرة بمساعدة شباب وتوجيههم بشكل سليم للحصول على شغل في سوق العمل، مثل المساعدة في ملء استمارات خاصة بالبحث عن عمل، فيتحدثون معهم بكل هدوء عن العديد من المسائل.
ويرى ميمون أن مثل هذه المساعدات هي بمثابة عمل لوقاية الشباب من السير في مسارات قد تؤدي بهم إلى التطرف. ويقول مدير المبادرة أنه بإمكان هؤلاء الشباب أن يطلبو من الدولة مثل هذه المساعدات "لكن السؤال هو: هل يصل نظام المساعدة الحكومية إلى هؤلاء الشباب أم لا؟."
الشاب مراد مثلا يحكي أنه كان لديه شعور بأن الجهات الحكومية غالبا ما تسيء فهمه، ويتم تصنيفه في سلة واحدة مع آخرين ويرون فيه شخصا لاينتمي بألمانيا، "وهذا غير صحيح، فقد ولدت في ألمانيا وأشعر أنني ألماني، ولكني إنسان بثقافتين."
في شباك السلفيين
ميمون يعلم جيدا ما يتحدث عنه مراد، "سابقا كان الحديث عن الأتراك أو المغاربة أما الآن فالحديث هو عن المسلمين." ويقول ميمون أنه عندما يدير مثل هؤلاء الشباب ظهورهم عن المجتمع فغالبا ما يشير ذلك الى عمل احتجاجي "وهنا تصبح لعبة الجماعات الراديكالية سهلة، حيث إن أفراد تلك الجماعات يبدون في علاقات تقاربية مع هؤلاء للقول: "أنتم تنتمون إلينا."
تلقى ميمون خبرا من أحد المتطوعين بأن أحد الشباب انضم إلى المشهد السلفي. وقد وجب أن يبقى اسم الشاب مجهولا، حيث إن الموضوع حساس. وقام ميمون والمتطوع بالاستماع إلى برامج الإذاعة التي يستمع إليها الشاب كثيرا. فهي تبث خطابات مباشرة لرجلي دين من السعودية . قد يكون محتوى كلامهما يتسم بالمحافظة، إلا أنهما لا يدعوان إلى استخدام العنف، كما يوضح ميمون. فالخطيبان تبرءا مثلا من تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي.
لكن رغم ذلك يحاول العاملون في مبادرة "التحول 180 درجة" إدماج هذا الشاب في حوار مع شباب آخرون يتحدثون مثله ويلبسون مثله، ولكن وجدوا لأنفسهم أسلوب حياة بديل.
وتعتمد المبادرة على متطوعين وقد أصبح الآن بإمكانها تشغيل بعض الناشطين بشكل ثابت. وتنشط المبادرة من خلال شبكة على كامل حدود ولاية شمال الراين-ويستفاليا، حيث لها فروع في مدن مثل بون وليفركوزن. وهي تتلقى دعما من مؤسسة كوفي عنان، السكرتير العام السابق للأمم المتحدة.
ميمون بريسون يشع تفاؤلا ولديه عزيمة لا تنضب، ورغم ذلك فإنه يتمنى حدوث تفاعل أكبر مع مبادرته هذه، ويقول "يجب على المسلمين أن يؤكدوا دائما على مواقفهم في مواجهة الإرهاب والتطرف"، كما يطالب أيضا المجتمع الألماني بالوقوف في وجه سياسات الإقصاء.
منذ أن تلقى المساعدة من المبادرة يوجد لدى مراد شعور بتحسن وضعه في ألمانيا. فهو يقوم الآن بتدريب للتحضير لتكوين مهني، ويفصح عن شعوره قائلا: "أنا سعيد". وهو يريد الآن أن يرد الجميل من خلال مساعدة آخرين عبر العمل التطوعي في مبادرة "التحول 180 درجة".
نينا-نيبرغال/ ص.ش