التراث العالمي في شرق ألمانيا - من فايمار إلى باد موسكاو
١٢ أغسطس ٢٠١٢نبدأ رحلتنا من مدينة فايمار في ولاية تورينغن، هذه المدينة التي التصق اسمها باسم آباء الأدب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته وفريدريك شيلر. لقد أبدع الاثنان في هذه المدينة مع مطلع القرن التاسع عشر وقدموا نتاجاً أدبياً صار من كلاسيكيات الأدب العالمي. مثال على ذلك مسرحية غوته الشهيرة "فاوست" والتي تعتبر بتقدير معظم نقاد الأدب، العمل الأبرز له. أما شيلر فكتب في هذه المدينة مسرحية "ماري ستيوارت" أيضاً، والتي تعتبر إلى جانب "فاوست" من أهم المنجزات في الأدب الألماني.
الأديبان الكبيران مجّدا التراث القديم عند اليونان والرومان على حد سواء، وكانوا يرون في هذه الأدبيات الكمال الأخلاقي والمثل الأعلى الذي يتوحد به الجمال مع الحقيقة. والجدير بالذكر أن كلاهما وظف أعماله من أجل تثقيف الناس بهذا الاتجاه.
فايمر.. مدينة غوته وشيلر
تعد "مدينة فايمار الكلاسيكية"، كما يسميها البعض، معلماً من معالم التراث العالمي تم أدراجها وما فيها من مواقع مهمة مثل الأماكن التي أبدع بها الكاتبان الألمانيان غوته وشيلر أعمالهما الأدبية، ومكتبة الدوقة أنا آماليا، وقصر المدينة، والمنتزه الممتد على ضفاف نهر الإيلم على لائحة منظمة اليونسكو المعهودة عام 1998. في هذه الحديقة الكبيرة على ضفاف الإيلم يمكن التجوال لمسافات طويلة بين الأشجار القديمة والمروج الخضراء الواسعة الممتدة حتى المبنى الكلاسيكي الذي شُيّد على طراز المعابد الرومانية والذي يسمى هنا بـ"البيت الروماني". ويقع بمقابل هذا البيت منزل غوته والحديقة المحيطة به، حيث عاش غوته هناك فترة طويلة مع زوجته كريستيانه فولبيوس.
وبالقرب من هذا المنتزه يقع مركز حركة الـ"باوهاوس" الذي تحول إلى جامعة مهمة وشهيرة في العالم. وقد أدرجتها منظمة اليونسكو عام 1996 على لائحة كنوز التراث العالمي أيضاً. والجدير بالذكر أن الفنان المعماري فالتر غروبيوس قد أسس جامعة الـ"باوهاوس" للفنون المعمارية والديكور والتصاميم الفنية في فايمر عام 1919. ويعتبر المبنى الرئيسي لهذه الجامعة إلى جانب مبنى كلية الفنون التطبيقية ومبنى "هاوس أم هورن" الذي شيد عام 1923 بمناسبة أول معرض لهذه الحركة الفنية، خير دليل على الفن المعماري الحديث الذي عُرف لاحقاً في العالم بأسره تحت اسم حركة الـ"باوهاوس".
حديقة لكل الشعب
على بعد ساعتين من فايمر تنتظرنا حديقة "ديساو فورليتس". هذه الحديقة مشيدة على الطراز الكلاسيكي القديم، حيث تحتوي على مناظر طبيعية تعبر عن فن معماري رفيع في عالم تصاميم الحدائق. وقد أُدرجت هذه الحديقة على لائحة كنوز التراث العالمي عام 2000.
تحتوي هذه الحديقة الكبيرة على سبعة من الحدائق الصغيرة وعلى ستة قصور وبحيرة تدعى بحيرة فورليتس، ويستطيع الزائر أن يتنزه بين هذه القصور الموزعة في عدة مواقع، أو أن يركب القارب ويطوف على مياه بحيرة "فورليتس".
ويذكر أن مهندس الحدائق فريدريك فيلهلم فون اردمانسدورف قد صمم هذا المنتزه للأمير فرانس فون انهالت ديساو. ويكتشف زائر هذه الحديقة الكبيرة في كل زاوية بدعة معمارية بميزة خاصة، مثال على ذلك معبد الحديقة الذي شُيّد من أجل الإلهة الرومانية فينوس، عدا عن وجود جميع أنواع الجسور داخل هذا المنتزه وبتصاميم مختلفة، منها جسور بسيطة كجذع شجرة وأخرى مصنوعة من الخشب أو من الحديد الصلب، ولكن قصر فورليتس الذي شيد عام 1769 يبقى الأكثر رونقاً من حيث الشكل المعماري في كل المنشأة. والجدير بالذكر أن هذا القصر يعد بمثابة بداية عصر العمارة الكلاسيكية في ألمانيا.
ويذكر أن هذا المنتزه كان مفتوحاً أمام كل المواطنين على حد سواء وقد أراد الأمير بذلك أن يهذب ذوق مواطنيه ويصقل معرفتهم. واليوم يستطيع أي من الزوار أن يبيت في إحدى مباني المنتزه التاريخية. ويذكر أيضاً أن غوته تغزل يوماً بمنتزه حديقة فورليتس ديساو حيث قال: "هنا يسكن الجمال إلى الأبد".
الجنة على الأرض
لا تقل حديقة سانسوسي وقصرها في مدينة بوتسدام جمالاً عن منتزه حديقة فورليتس ديساو والجدير بالذكر أن المعنى الفرنسي لتسمية سانسوسي هو "دون هم" وقد شُيّدت هذه الحديقة الضخمة وقصرها في عام 1745 من أجل أن يقضي الملك فريدريك الثاني، أو كما كان معروف تحت اسم فريدريك الكبير، وقت الصيف هناك بعيداً عن مشاغل الدولة والحكم ولكن قريباً من عاصمة حكمه برلين.
وتعتبر المعالم الموزعة على خمسمائة هيكتار والتي تضم حدائق ومساحات خضراء وقصر سانسوسي وكنيسة ساكروفر وحديقة بابلسبيرغ وقصر غلينينر وجزيرة الطاووس في مدينة برلين المجاورة من أهم معالم المدينتين. ولكن قصر سانسوسي يعتبر أقدم جزء من كنوز التراث العالمي في برلين وبوتسدام على السواء. لقد ترك الكثير من مهندسي تصاميم الحدائق بصماتهم الفنية في إقليم بروسيا الألماني من خلال تصاميمهم المعمارية، وأشهرهم يعتبر "بيتر جوزيف لينيه" الذي صمم الكثير من الحدائق منذ عام 1818 ولمدة نصف قرن على التوالي.
وإذا اتجهنا بالقافلة إلى جنوب شرق بوتسدام نصل بعد ساعتين إلى مدينة باد موسكاو الواقعة على الحدود الألمانية البولندية. هناك يقبع أكبر منتزه في وسط أوروبا، هذا المنتزه شيده الأمير بوكلر موسكاو عام 1815 على الطراز الإنجليزي. ويذكر أن الأمير قد أمر بتصميم المنتزه على أسس ومفاهيم التصاميم المعمارية في العصور القديمة، وخاصة على أساس المفهوم التالي الذي كان سائداً آنذاك: "أن الحديقة يجب أن تكون بمثابة الجنة".
وأصر الأمير على أن تبدو المناظر الخضراء طبيعية قدر الإمكان. وفي الحقيقة أن الزائر لهذه الحديقة الكبيرة لا يشعر بأنه في حديقة مصممة ومشيدة حسب الرغبة الإنسانية وإنما طبيعية كما خلقها الباري. وقد أدرجتها منظمة اليونسكو عام 2004 على لائحة التراث العالمي.
وبما أن ثلثها في ألمانيا والثلثين الآخرين في بولندا، تعتبر هذه الحديقة أول كنز من التراث العالمي يعبر الحدود ويكون مشتركاً بين دولتين.
فريدريكه مولر / فؤاد آل عواد
مراجعة: عماد غانم