التقارب السعودي المصري: رسائله ومخاطره على المنطقة
٣٠ مارس ٢٠١٧التقارب السعودي المصري الأخير الذي جاء بعد فتور وتذبذب في العلاقات بين البلدين اعتبره محللون مؤشراً إيجابياً لعودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، وذلك بعد شهور من القطيعة بين الرياض والقاهرة. لقاء عبد الفتاح السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز الذي جرى مؤخراً كان الأول بين الجانبين بعد نحو عام من زيارة العاهل السعودي للقاهرة في أبريل/ نيسان من العام الماضي، لتشهد بعدها العلاقات المصرية - السعودية تبايناً معلناً في وجهات النظر، لاسيما على خلفية أزمات المنطقة ورؤية البلدين لحلها، وخاصة فيما يتعلق بقضيتي سوريا واليمن. أثمر اللقاء عن ترحيب الرئيس المصري بدعوة العاهل السعودي له لزيارة للمملكة الشهر المقبل.
الكاتب والباحث السعودي سلمان العقيلي يرى في حوار مع DW عربية أن العلاقات المصرية السعودية كانت دائماً مهمة ومتينة، إلا أن السياسة التي اتبعتها القيادة المصرية في الفترة السابقة كانت سبباً لفتور العلاقة بين الرياض والقاهرة. وأوضح العقيلي أن الحكومة السعودية تفاجأت بسلسلة من الإجراءات المصرية "المعادية لها" وهو ما استوجب "ردود فعل سعودية" بحسب كلامه.
ففي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، نشبت أزمة بين مصر والسعودية عقب تصويت القاهرة في مجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي لم يتم تمريره متعلق بمدينة حلب السورية. كما وقعت مصر والمملكة اتفاقية تؤول بموجبها ملكية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر إلى الرياض، تبعتها احتجاجات شعبية مصرية رافضة لها وحكم قضائي نهائي في مصر بإلغاء الاتفاقية، وسط محاولات حكومية مؤيدة للاتفاقية لمناقشتها في البرلمان المصري. السعودية ردت على هذه الخطوات بإبلاغ مصر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بوقف شحنات منتجات بترولية شهرية بموجب اتفاق مدته خمس سنوات تم توقيعه خلال زيارة العاهل السعودي الأخيرة إلى مصر.
من جهته، يرى الباحث والمحلل المصري سامح راشد في حوار مع DW عربية أن العلاقة المصرية السعودية، وإن شهدت تذبذبات واضحة في الفترة الأخيرة، إلا أن المصالح المشتركة بين البلدين تبقى أقوى من "المتغيرات السياسية" التي سببت هذا التوتر.
ويقر الخبير المصري أن الخلافات بدأت من مصر، إلا أنه كان هناك ما يبررها، فمصر كانت لها تخوفات من السياسة السعودية في المنطقة، إذ رغم مشاركتها في الحرب باليمن بأدنى حد ممكن، من خلال آليات بحرية وجوية، إلا أنها لم تكن متحمسة لأية مشاركة برية لقواتها في اليمن. ويوضح راشد أن القاهرة كانت لديها تصورات أخرى غير الحرب ربما، أو أنها كانت مقتنعة بعدم جدوى التغيير من خلال الحرب.
هاجس إيران
ويؤكد العقيلي أن مصر مهمة ضمن الخارطة العسكرية والسياسية. لذلك تسعى الحكومة السعودية من الاستفادة من وضعها الخاص، إلا أن ما يعيب العلاقات ويعطل تعاوناً أكبر بين البلدين هو عدم وضوح الرؤية السياسية المصرية، حسب قوله. كما أن دعم السيسي لنظام الأسد وما تبعه من تقارب مع الحكومة العراقية مثل خطاً أحمر للحكومة السعودية، التي ترى في أي اقتراب من إيران تهديداً لأمنها.
إلا أن سامح راشد يرى أن السعودية بحاجة لمصر أيضاً، وذلك لأن إيران تشكل هاجساً للأمن السعودي، فالرياض تريد تحالفاً سنياً في وجه إيران وترى أن مصر مهمة في هذا الصدد. ويتابع المحلل المصري بأن القاهرة أرادت أن توصل للسعودية رسائل مفادها أن هنالك بدائل في حال بقاء العلاقات مجمدة، لذلك حاولت إنشاء تقارب مصري عراقي تكلل باتفاقات بين البلدين، والهدف لم يكن التقارب مع إيران بقدر ما كان إيجاد بدائل عن النفط السعودي.
أما بالنسبة للشأن السوري، فيوضح راشد أن مصر كانت متخوفة من تفكك سوريا وما لذلك من تبعات على أمنها القومي. لذلك أرادت إبقاء سوريا موحدة وعارضت المشروع السعودي في تنحية الرئيس السوري بشار الأسد، بسبب مخاوفها من تفكك مؤسسات الدولة نتيجة لذلك.
تيران وصنافير
وعن مصير الاتفاقيات التي وقعت خلال زيارة الملك سلمان لمصر في أبريل/ نيسان الماضي وأسباب عدم تنفيذها، اقتبس العقيلي تصريحات وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، الذي صرح بها قبل عدة أيام والتي مفادها بأن "التشاور والتنسيق مستمر بين القاهرة والرياض حيال تلك الاتفاقيات، وأن العمل عليها قائم والتواصل بين المسؤولين والمختصين في البلدين فيما يتعلق بكل الاتفاقيات مستمر". وأكد المحلل السعودي أن "الحكومة والبرلمان في مصر متفقان على أحقية السعودية في الجزيرتين"، مستبعداً أن تكون حولها تفاهمات جديدة.
حول ذات الموضوع يقول المحلل المصري سامح راشد إن التحرك الشعبي قد يكون هو السبب في إيقاف تسليم الجزيرتين، مؤكداً أن الموقف الحكومي ما زال يكتنفه الغموض. ويعتقد راشد أن المعونات الاقتصادية القادمة واستئناف ضخ النفط السعودي لن يغير كثيراً من الرفض الشعبي المصري لانتقال الجزيرتين، وذلك لعدة أسباب قد يكون أبرزها أن هذه المساعدات مهما كبرت لن تنتشل الاقتصاد المصري من الحالة السيئة التي يعيشها، لأن ذلك يستوجب تغييراً في هيكلة هذا الاقتصاد، واصفاً هذه المساعدات بأنها "مسكنات" فقط.
ويتوقع راشد أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات كبيرة، ما قد يفسر التسابق من أجل حل الخلافات ورأب الصدع بين القاهرة والرياض. فالرياض معنية بتشكيل تحالف سني ضد إيران. كما أن تصريحات ترامب المعادية لإيران قد تكون مؤشراً لتصعيدات جديدة في المنطقة. ويوضح المحلل المصري أن بروز المشكلة الفلسطينية فجأة على الساحة مجدداً قد يكون مؤشراً لتغيرات سياسية تساهم في اقتراب سعودي إسرائيلي ضد إيران، مؤكداً أن هناك تفهماً أكبر للسعودية للموقف المصري بخصوص سوريا وذلك بعدم جدوى تغيير بشار الأسد كأولوية في الوقت الحالي. كما أن هناك تفهماً مصرياً أكبر لتهديدات إيران لدول المنطقة والجدوى من المشاركة العسكرية في اليمن، وهو ما يؤكد أن أموراً سياسية أكبر تُرسم لمنطقة الشرق الأوسط، خاصة مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة.
علاء جمعة