التقنية قادرة على مشاركة العلوم الإنسانية في تعزيز حوار الثقافات
٢٣ فبراير ٢٠٠٨في إطار فعاليات عام التبادل العلمي، الذي تنظمه أكاديمية برلين- براندنبورج للعلوم تحت عنوان "أوروبا في الشرق الأوسط – الشرق الأوسط في أوروبا“ عُقد في مقر الأكاديمية في برلين أمس الجمعة (22 فبراير / شباط 2008) مؤتمر علمي تحت عنوان "التقنية كجسر بين الثقافات". وحضر المؤتمر نخبة من العلماء والسياسيين والأكاديميين المتخصصين في مجال الطاقة المتجددة، إضافة إلى عدد من الطلبة وشباب الباحثين المهتمين باكتشاف آفاق وطبيعة العمل في منطقة الشرق الأوسط.
المؤتمر وضع في صدارة أعماله إبراز قدرة العلوم التطبيقية والتقنية على لعب دور هام في تعزيز وتعميق الحوار بين الحضارات، بعد أن كانت هذه المهمة حكرا على العلوم الإنسانية، كما أكد البوفيسور جونتر شتوك رئيس أكاديمية برلين-براندنبورج للعلوم في كلمته الافتتاحية. فمجال البحث العلمي لا يخضع سوى للحقائق المثبتة وليس للاختلافات العقائدية أو الثقافية، ومن خلال مداخلات المشتركين في المؤتمر والمشاريع المشتركة ظهرت جليا قدرة العلوم على التقريب بين الثقافات خارج نطاق الطروحات الفكرية التي تقدمها العلوم الإنسانية.
حلول مشتركة لإنتاج الطاقة
لعل أوضح مثال على ذلك هو مداخلة البروفيسور هانز مولر- شاينهاجن، مدير معهد تقنية الديناميكا الحرارية التابع لمركز الدراسات الفضائية الألماني، والتي ركزت على تقنية إنتاج الطاقة المتجددة. فوفقا لمولر-شاينهاجن فإن التغيرات المناخية، التي يعاني منها كوكبنا، ليست مشكلة محلية أو إقليمية وإنما مشكلة كونية، مما يتطلب من الجميع التعاون من أجل وضع حلول مناسبة.
ويتمثل أحد هذه الحلول في التعاون في مجال إنتاج الطاقة النظيفة وتوزيعها. فمن المعروف أن مصدري الطاقة الرئيسين النفط والفحم الحجري يلعبان دورا كبيرا في انتشار ظاهرة الاحتباس الحراري، ناهيك عن أنهما في طريقهما للنضوب، لذلك لا مناص من العثور على مصادر بديلة للطاقة. ووفقا للدراسة التي قدمها مولر- شاينهاجن يستطيع الشرق الأوسط أن يكون مصنعا كبيرا للطاقة الشمسية، يغطي إنتاجه احتياجات المنطقة، كما يؤمن جانبا كبيرا من احتياجات أوروبا للطاقة، وذلك بفضل توفر مساحات شاسعة معرضة لأشعة الشمس في أراضيه.
وتتنبأ الدراسة بأن تنخفض تكلفة تقنية إنتاج الطاقة الشمسية في السنوات القادمة بحيث ستصبح منافسة لمحطات الطاقة المعتمدة على الفحم أو غيره من مشتقات النفط، كما سيصبح في الإمكان خلال عقدين إنشاء خطوط نقل للطاقة من منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا. وبذلك يمكن أن تحصل أوروبا على 15 بالمائة من طاقتها من منطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2050. الدراسة أظهرت أيضا إمكانية الاستفادة من محطات توليد الطاقة بالاعتماد على أشعة الشمس لتحلية مياه البحر حتى يمكن التغلب على مشكلة نقص المياه التي تواجهها المنطقة.
دعم ألماني للابتكارات العلمية في المنطقة
وربما لا تزال رؤية البروفيسور مولر- شاينهاجن للمستقبل حلما بعيدا، لكنه ليس صعب المنال. فقد أوضح البروفيسور أمين مبارك، المدير السابق للجنة البرلمانية الخاصة بالطاقة والصناعة في مصر، أن الإدارة المصرية بدأت تلتفت بالفعل لأهمية مصادر الطاقة المتجددة، وأقرت مشروعا لتأمين 20 بالمائة من احتياجات البلاد عبر طاقة الرياح. فمصر تتمتع بمناطق تهب فيها الرياح بمعدلات عالية طوال العام، مثل منطقة جبل زيت، مما يجعل الاستثمار في هذا المجال أكثر إفادة من الاعتماد على الطاقة الشمسية في الوقت الحالي. لذلك دعا مبارك الشركات ومراكز البحث الألمانية إلى تعميق التعاون مع بلاده في هذا المجال.
أما البروفيسور الجزائري نور الدين بوجيشال فقدم في مداخلته شكلا آخرا للتعاون العلمي، حيث أشار إلى وجود مشاريع أكاديمية مشتركة بين جامعة بتنا الجزائرية والجامعة التقنية في برلين وجامعة كوتبوس. لكنه أشار إلى أن البحث العلمي في المنطقة العربية لا يزال يعاني من الضعف، ليس فقط بسبب ضعف الإمكانيات وإنما أيضا لغياب بنى تحتية تدعم البحث العلمي، وهو ما تتطرق إليه الدكتور ديتر فوكس، المدير العام لفرع مركز فراونهوفر للأبحاث في الشرق الأوسط، الذي أوضح حاجة البحث العلمي في الشرق الأوسط إلى الدعم من قبل قطاع الصناعة.
وفضلا عن ذلك أكد الدكتور ديتر فوكس أن هذا الدعم لا يتم بكفاءة نظرا لغياب الجسر الذي يربط بين البحث النظري والتطبيق العلمي، وهو ما يمثل حجر الزاوية في تطوير الابتكارات العلمية، التي تؤدي إلى منتج مفيد لقطاع الصناعة. كما أضاف فوكس أن مركز فراونهوفر الألماني ساهم في بناء مراكز أبحاث تمد قطاع الصناعة بابتكارات علمية في كل من الإمارات ومصر، مشيرا إلى أن هذه المراكز نجحت في تقديم أفكار جديدة مثل بناء منازل اقتصادية في استهلاكها للطاقة الكهربية. ورغم المصاعب، التي تعترض طريق البحث العلمي في الشرق الأوسط، أكد الدكتور فوكس على تفاؤله نظرا للنمو الاقتصادي الذي تحققه المنطقة، والذي سجل نموا مطردا في الخمس سنوات الماضية.
الخبرة الألمانية مطلوبة في الشرق الأوسط
البحث العلمي المتمحور حول ابتكار منتج معين كان أيضا في صدارة كلمة المسئول في وزارة الاقتصاد والتقنية الألمانية الدكتور يورجن فريدريش، الذي اعتبر أن المنطقة العربية فشلت حتى الآن في تقديم ماركة تجارية معروفة عالميا، مشيرا إلى أن مساهمة المنطقة في الاقتصاد العالمي محدودة. لكن فريدريش أكد على أن سياسة الإصلاحات الهيكلية، التي تنتهجها دول عديدة خاصة في مجال القطاع الخاص، تبعث على التفاؤل.
من ناحية أخرى شجع فريدريش الشباب والطلبة الألمان على أخذ فرص العمل في المنطقة على محمل الجد، فالمهندسون والخبراء الألمان يتمتعون بسمعة طيبة في المنطقة نظرا لكفاءتهم ودقتهم، مضيفا أن معظم الألمان، الذين يعملون في المنطقة لا يواجهون مصاعب كبيرة في العادة.
وبشكل عام نجح المؤتمر في تقديم فرصة طيبة للراغبين في العمل أو الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط من أجل التعرف على إمكانيات المنطقة وآفاق النمو الاقتصادي بها.