الجمعيات الاسلامية الالمانية تنأى بنفسها عن الارهاب وتطالب بالانصاف
٢٦ أغسطس ٢٠٠٦بعد محاولة اللبنانيين الفاشلة زرع عبوات ناسفة في قطارات المانية، شاء القدر فقط ألا تنفجر نتيجة لخطأ في التوقيت، بدأت عيون الشك والريبة تتجه صوب مسلمي ألمانيا وخصوصا العرب منهم. هذا الموقف ليس بالجديد، فبعد هجمات الحادي عشرمن سبتمبر/أيلول الارهابية، بدأت الاصوات تتعالى في مجمل المجتمعات الغربية بضرورة خروج الجالية الاسلامية الى الشارع لتستنكر بكل وضوح مثل هذه الاعمال، كما كتبت العديد من المقالات الصحفية ووجهت نداءات من كل صوب وحدب الى الجمعيات الاسلامية الى تمثل المسلمين وتدعوها الى اتخاذ موقف واضح لا غبار عليه من مثل هذه الاعمال المشينة التي ترتكب باسم الاسلام، وكذلك دعتها الى التعاون مع السلطات المحلية من أجل حماية المجتمع بكافة أجناسه وأعراقه. وبعد المحاولة الارهابية الاخيرة في المانيا، وبعد النداء الذي وجهه وزير الداخلية الالماني الى المسلمين وممثليهم، حثهم فيه على التعاون من أجل درء خطر الارهاب، رأت معظم الجاليات الاسلامية ضرورة ان توضح للشارع الالماني رأيها وتسجل موقفا لدى الرأي العام بانها لم تكن يوما من المؤيدين للارهاب والارهابيين وان هذه الجمعيات لا تجد نفسها مضطرة للتنديد والاعراب عن موقفها الرافض للارهاب في كل مرة يتم فيها وقوع عمل أرهابي هنا أو هناك وكأنها طرف فيه. ومن أجل توضيح ذلك ووضع النقاط على الحروف دعت الجمعيات الاسلامية الكبرى في ألمانيا يوم الجمعة 25 أغسطس/آب الى مؤتمر صحفي في مدينة كولونيا حضره حشد غفير من الصحافيين الالمان والاجانب.
تأهيل خطباء المساجد
في حديث مطول مع دويتشه فيله أشار ابراهيم الزيات، رئيس التجمع الإسلامي في ألمانيا ومسؤول العلاقات العامة في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا ومقره بروكسل، أشار الى أن التجمع الصحفي حضره ممثلون عن نحو 2500 مسجد في المانيا، أي ما يمثل أكثر من 90 بالمائة من مساجد المانيا. وأكد الزيات على ضرورة وجود موقف واضح للجمعيات والمساجد الاسلامية بشأن نبذ العنف والارهاب وادانته، مضيفا في الوقت ذاته أن هذا يحدث باستمرار في اوساط الجمعيات الاسلامية في منذ أحداث سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة. وفي معرض اجابته على سؤال يتعلق بدور الجمعيات الاسلامية في مواجهة الانتقادات الموجهة الى المساجد التي يعتبرها المجتمع الالماني بمثابة بؤرة تغذي التطرف، قال الزيات: "بعد أحداث سبتمبر نشأ وعي آخر في المساجد وعند الأئمة. لقد تمت مراجعة حقيقية على كثير من المستويات مثل طريقة الخطاب ومضمونه وقمنا بنوع من التأهيل للخطباء." وأضاف الزيات قائلا: "لكن أحداث العالم لها بالطبع تبعات، فاحيانا لا يمكن أن تمنع الخطيب من التحدث عن ظلم معين قائم. وفي بعض الاحيان يفهم الكلام على شكل معاكس. ان المساجد الالمانية كان لها دوما موقف رافض للعنف والارهاب."
هل سيرضي هذا القول اؤلئك الذي يوجهون سهام انتقاداتهم الى المساجد ودورها في المجتمع الالماني والمجتمعات الاوروبية بشكل عام؟ بيتر فيليب، كبير مراسلي دويتشه فيله الذي حضر المؤتمر، أجاب على هذا التساؤل بالنفي، وذلك لان هؤلاء "يؤمنون بالفعل والى حد ما أن الاسلام كدين بحد ذاته يشكل خطرا على الحضارة الغربية المسيحية، وان الارهاب الاسلاموي لا يمثل الا قمة الهرم."
التفاعل خطوة باتجاهين
يأخذ الاوروبيون اجمالا على الجالية الاسلامية عدم استعدادها للاندماج في المجتمعات الغربية وانها تحاول العيش في مجتمعات موازية. وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول الارهابية بدأت دوائر صنع القرار دراسة امكانيات دمج الشباب المسلم في مجتمعاتهم الغربية التي ولدوا وربوا فيها، دون أن يعني ذلك ان ينسلخوا عن ثقافتهم وان يتخلوا عن دينهم. ولكن من أجل تحقيق هذا الهدف لا بد "للاغلبية المسيحية" "والاقلية المسلمة" من القيام بخطوات فاعلة بهذا الاتجاه. في هذا السياق وجه الزيات رسالة للشباب المسلم في المانيا طالبهم فيها بأن "يستوعبوا أنهم جزء من هذا المجتمع. انه واجب عليهم أن يكونوا جزءا من هذا المجتمع وليس عبئا عليه." ولم يتوان الزيات عن توجيه النقد لبعض الشباب الذي "تنقصه الارادة والرغبة في تطوير نفسه ليكون جسما فاعلا في هذا المجتمع."
وفي الوقت ذاته اعتبر رئيس التجمع الإسلامي أن المجتمع الالماني مطالب هو الآخر بتغيير نظرته تجاه الاقلية المسلمة. وطالب الزيات المجتمع "بأن يحاول التعرف على الاسلام بنفسه ولا يأخذ معلوماته عن الاسلام والمسلمين فقط عن طريق الصحافة." وطالب من الجهات الرسمية الاعتراف بالاسلام كدين والاعتراف بالمؤسسات الاسلامية ككيانات ايجابية في المجتمع، منوها الى أن الكثير من المسلمين "يأخذون غياب هذا الاعتراف كسبب لعدم التفاعل." وهذا هو الخطر حسب رأيه.
بهذا التجمع وبهذه الادانة الواضحة لكل أشكال الارهاب تكون الجمعيات الاسلامية في المانيا قد خطت خطوة في غاية الاهمية بالاتجاه المطلوب. بيتير فيليب اعتبر ان هذه الخطوة ينبغي لها "أن تخرس كل الاصوات المشككة بموقف المسلمين في المانيا"، مطالبا كل الجهات المسؤولة بضرورة مد يدها للتعاون مع هذه الجمعيات من اجل تحقيق الكثير من العمل الذي لم يتم انجازه حتى الآن.