"الحرب الهجينة".. جبهة حرب روسية خفية ضد الغرب؟
٣ ديسمبر ٢٠٢٤تحطمت في ليتوانيا طائرة شحن تابعة لشركة الخدمات اللوجستية والنقل الألمانية (DHL)، وتعطل في بحر البلطيق كابلان لنقل البيانات تحت الماء، وفي رومانيا تمكن وبشكل مفاجئ مرشح يميني متطرف موالٍ لروسيا من اجتياز الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية والوصول للجولة الثانية. ثلاثة أخبار في هذا الأسبوع تثير الانتباه.
وبالرغم من عدم إثبات أي شيء حتى الآن، إلَّا أنَّ العديد من السياسيين الغربيين وأجهزة الاستخبارات الغربية يشكون في وقوف قوة واحدة خلف جميع هذه الأحداث: روسيا. وصحيح أنَّ مخاطر ما يعرف باسم "الحرب الهجينة" التي يشنها الكرملين ليست جديدة؛ ولكن الخبراء يحذرون من أنَّها ارتفعت بشكل خطير منذ غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022.
و"الحرب الهجينة" هي توسيع لعملية قتالية عسكرية بحتة من خلال الاستعانة بالتجسس، والتخريب، والهجمات السيبرانية، والتأثير في الانتخابات، وكذلك حملات الدعاية أو التضليل بهدف إضعاف العدو وزعزعة استقراره من الداخل. وفي هذا الصدد يحذر الخبراء من أنَّ روسيا قد عملت باستمرار خلال الأعوام الأخيرة على توسيع ترسانتها من القدرات الحربية الهجينة. ولنلقي نظرة عامة على ذلك:
التجسس
لقد أبعدت الدول الأوروبية منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا نحو 500 دبلوماسي روسي عن أراضيها. ومن بينهم ما لا يقل عن 400 دبلوماسي صنفهم جهاز المخابرات البريطاني (MI5) كجواسيس. ومن المفترض وجود أحدث تقنيات الاتصالات والتجسس في العديد من السفارات والقنصليات العامة الروسية.
ولكن لا يمكن إثبات ذلك بما لا يدع مجالًا للشك، وذلك لأنَّ مباني السفارات والقنصليات تعتبر مناطق خاضعة للسيادة الروسية وتتمتع بحماية دبلوماسية. وكذلك حذر جهاز المخابرات الهولندي من تزويد روسيا جواسيسها بوثائق مزورة وزرعهم في المؤسسات الغربية متنكرين كرجال أعمال.
تظهر بانتظام تقارير تتهم روسيا بالتجسس؛ سواء حول التنصت على محادثات للجيش الألماني حول نظام الدفاع الصاروخي توروس، أو حول وجود مسيرات روسية مشتبه بها تحلق فوق قواعد جوية ومناطق صناعية أوروبية، أو حول سفن أبحاث مفترضة تبحر في بحار شمال أوروبا ويشتبه في قيامها برسم خرائط للبنية التحتية الحساسة في قاع البحر من أجل نشاطات تخريبية محتملة.
التخريب
وفي الأسبوع الماضي، قيل إنَّ سفينة شحن صينية يقودها قبطان روسي قد تسببت في الإضرار بكابلين بحريين من خلال مرساة كانت تسحبها معها في قاع البحر. وهذه القضية تشبه حادثة مماثلة وقعت في تشرين الأول/أكتوبر 2023. وفي الشهر الماضي، وقع حريق متعمد في مستودع بلندن تم فيه تخزين مساعدات لأوكرانيا.
وفي شهر تموز/يوليو، اشتعلت النيران داخل مركز خدمات لوجستية تابع لشركة الخدمات اللوجستية والنقل الألمانية (DHL) بمدينة لايبزيغ الألمانية في طرد بريدي كان من المفترض إرساله عن طريق الشحن الجوي. ويشتبه وجود أعمال تخريب روسية في هذه الحوادث وفي العديد من الحوادث الأخرى. ولكن حتى الآن لم يتم إثبات أي شيء.
ومع ذلك فإنَّ أجهزة المخابرات الأوروبية تتحدث عن زيادة كبيرة خلال العام الماضي في عدد الأعمال التخريبية والحرائق المتعمدة داخل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
الهجمات السيبرانية
ويحذر أيضًا المكتب الألماني الاتحادي لأمن المعلومات من أنَّ مستوى التهديد في الفضاء الإلكتروني بات "أعلى بكثير من ذي قبل". فأعمال التجسس والتخريب مزدهرة جدًا على الإنترنت. وحول ذلك يقول المكتب الألماني الاتحادي لأمن المعلومات: "قبل هجوم روسيا على أوكرانيا، كانت مجموعات المهاجمين السيبرانيين المرتبطة بروسيا تنشط في ألمانيا بشكل خاص من خلال التجسس السيبراني والهجمات ذات الدوافع المالية. ومنذ الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا، اتسع نطاق التهديدات".
ومثلًا لقد ارتفع بشكل حاد "عدد الهجمات الموزعة لحجب الخدمة (DDoS) من قبل نشطاء قراصنة موالين لروسيا": وفي هذه الهجمات يتم اجتياح مواقع إلكترونية أو خوادم خاصة بمؤسسات وغمرها بحركات مرور ضارة إلى أن يتعذر تشغيلها بسبب إرهاقها. ولكن تزداد أيضًا هجمات القراصنة بهدف اختراق شبكات محمية خاصة بشركات أو مؤسسات.
التضليل والدعاية
وهناك مجال عمل رئيسي آخر لهذه الحرب الهجينة يكمن في محاولة التأثير على الرأي العام في الدولة المستهدفة. ويتم من أجل ذلك مثلًا نشر معلومات خاطئة وروايات مؤيدة لروسيا أو مناهضة لأوكرانيا، سواء كان ذلك من خلال ما يطلق عليه اسم "مصانع الترول الروسية" على وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال وسائل الإعلام الروسية الموجهة إلى الخارج.
وفي بداية عام 2024، كشفت وزارة الخارجية الألمانية عن حملة ضمت خمسين ألف حساب مزيف تنشر أخبارًا كاذبة وآراء مؤيدة لروسيا على شبكات التواصل الاجتماعي وثم تربطها بمواقع ويب مزيفة، كان بعضها مشابهًا بشكل مخادع لتلك المواقع الخاصة بوسائل الإعلام الإخبارية المعروفة - ولكن كان يتم فيها نشر أخبار كاذبة موالية لروسيا.
التدخل في الانتخابات والعمليات السياسية
وحملات التضليل هذه تهدف بشكل رئيسي إلى تقويض الدعم الشعبي لأوكرانيا، وكذلك زعزعة الاستقرار السياسي في البلد (الديمقراطي) المستهدف، وذلك من خلال دعم الأحزاب المتطرفة ومرشحيها. وهذا يحدث مثلًا من خلال الدعم المالي.
فقد كشفت المخابرات التشيكية في نيسان/أبريل عن موقع إلكتروني لترويج الدعايات السياسية على الإنترنت اسمه "صوت أوروبا" ويفترض أنَّه ممول من موسكو وأنَّ دفعات الرشاوى كانت تتدفق من خلاله لنواب مختلفين في البرلمان الأوروبي.
هذا ويشتبه في أنَّ من بين الذين قبلوا مثل هذه الدفعات نائب البرلمان الأوروبي عن حزب البديل من أجل ألمانيا بيتر بيسترون. ولكنه نفى هذه الاتهامات.
وفي عشرات الانتخابات في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، تتهم أجهزة المخابرات الغربية روسيا بممارسة تأثير مباشر أو غير مباشر على الانتخابات. ويفترض بحسب هذه الاتهامات أنَّ قناة روسيا اليوم (RT) الموجهة إلى الخارج قد أنتجت خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية مقاطع فيديو حول موضوعات مثيرة للجدل مثل المساعدات لأوكرانيا والهجرة والاقتصاد، وقد تم نشرها من خلال مدونين أمريكيين يمينيين.
والهجمات المعروفة باسم "هجمات الاختراق والتسريب" هي أيضًا جزء من ذخيرة الحرب الهجينة: وفي هذه الهجمات يتم اختراق سياسيين أو أحزاب بالتحديد ونشر وثائق سرية وبعضها مختلط مع وثائق مزورة أخرى قبل وقت قصير من الانتخابات. وقد حدث هذا مثلًا في الانتخابات الأمريكية عام 2016 وكذلك في حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017.
إحباط خطة هجومية؟
ونظريًا تندرج الهجمات على القادة المعارضين أيضًا ضمن وسائل الحرب الهجينة. من المعروف أنَّ الرئيس الروسي بوتين لا يخشى من القيام بهجمات في الخارج وقد ظهر ذلك مثلًا من خلال عملية الاغتيال في برلين تيرغارتن، التي قتل فيها قائد شيشاني سابق يفترض أنَّه حارب ضد موسكو في حرب الشيشان الثانية، أو كذلك من خلال الهجمات المنفذة في بريطانيا على معارض الكرملين ألكسندر ليتفينينكو في عام 2006 أو على العميل الروسي المزدوج سيرجي سكريبال وابنته يوليا في عام 2018.
وحتى الآن، وقع ضحية مثل هذه الهجمات بشكل خاص مواطنون روس. ولكن مع ذلك فقد بات من المعروف في تموز/يوليو 2024 أنَّ روسيا خططت لاغتيال أرمين بابيرغر، الرئيس التنفيذي لشركة التسليح الألمانية راينميتال. ومن جانبه ينفي الكرملين جميع هذه الاتهامات. وشركة راينميتال تزود أوكرانيا بأسلحة من بينها دبابات ليوبارد 2.
خطط ملائمة لكل بلد
وحاليًا تحاول روسيا القيام بالكثير من الأعمال التخريبية المختلفة في أوروبا، كما أوضح ضابط الجيش الألماني والخبير في الأمن الهجين زونكه ماراهينس في حوار مع موقع تاغيشاو الألماني. وقال: "يحاول العملاء الروس تجربة أشياء مختلفة للغاية في دول أوروبية كثيرة، وقد تم تصميم كل منها بشكل خاص يناسب كل دولة بمفردها: فالتدابير الهجينة التي تنجح في بولندا لا تنجح في ألمانيا؛ وما ينجح في ألمانيا لن ينجح في فنلندا".
ولذلك يجب، كما يقول زونكه ماراهينس: "توقع نطاق واسع جدًا من الهجمات في المستقبل أيضًا". ويضيف أنَّ المرونة التي يجب التعامل بها مع مثل هذه الهجمات عالية أيضًا.
أعده للعربية: رائد الباش