الحرب على الإرهاب في أفغانستان بعيون ضابط ألماني
٨ أغسطس ٢٠١١يبلغ العقيد فريتز اورباخ اليوم 52 عاما، وهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال. التحق اورباخ، الذي ينحدر من مدينة كيل على نهر الراين (وسط غرب ألمانيا)، بالجيش الألماني عام 1997. وفي يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 كان اورباخ يقوم بنوبة حراسة بإحدى الثكنات بالقرب من مدينة كوبلنتز (وسط غرب ألمانيا). وأمام شاشة التليفزيون شاهد الأحداث الدرامية التي تقع في نيويورك مثله مثل الكثيرين غيره.
نيويورك.. كابول.. فايزآباد
"لم أكن متأكدا من أن ما أراه أمامي هو صور حقيقية، فلقد كانت تبدو غير واقعية بل سوريالية. كان عصيا علي أن أفهم ما يجري"، هكذا يصف اورباخ ما رآه في ذلك اليوم. وكان لتلك الأحداث تأثير مباشر على العقيد بشكل أسرع مما كان يفضل. فقبل أن تغيب أعمدة الدخان في موقع برجي التجارة العالمي قرر حلف الناتو تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك للمرة الأولى في تاريخه. وقررت الحكومة الألمانية، بعد موافقة البرلمان، المشاركة في مهام القوات الدولية في أفغانستان من أجل إعادة الاستقرار في البلاد، واستقرت وحدات الجيش الألماني في هندكوش. وشارك اورباخ في التخطيط للعمليات في قيادة قوات الجيش، وكانت مهمته تجهيز أولى الوحدات الألمانية المشاركة ونقلها إلى العاصمة الأفغانية كابول.
"أصبحنا في قلب الحدث"
في نهاية عام 2001 شارك اورباخ في تدريبات خاصة بحلف الناتو في تركيا. وكانت المشاركة في عمليات الحلف في أفغانستان هي الموضوع الأكثر مناقشة في القاعدة العسكرية. ويتذكر اورباخ قائلا "رأينا مسار الغاز المنبعث من مقاتلات B52 الضخمة التي كانت في طريقها إلى أفغانستان لقصف جبال تورا بورا". آنذاك انتابه إحساس بأنه أمام لحظة مصيرية وقال "لقد أصبحنا إذن في قلب الحدث. ليس ذلك أمرا مجردا، بل نستطيع أن نلمسه بأيدينا".
الغياب لمدد طويلة عن الأسرة أصبح أمرا معتادا للضابط فريتز اورباخ، فقد أُرسل إلى أفغانستان عدة مرات في السنوات التالية، أُولى هذه المرات كان عام 2003. وعن ذلك يقول متذكرا "الأطفال كانوا صغارا، وزوجتي كانت تعرف أنني سأُرسل إلى مهمة في الخارج عاجلا أم آجلا." ويتابع أن الجميع في المنزل يبذلون قصارى جهدهم لدعمه حتى يقوم بمسؤولياته على أكمل وجه. فزوجته تنحدر من عائلة عسكرية ولذلك فهي تعرف طبيعة حياة الجندي والثمن الذي يدفعه.
الموت في فايزآباد
هذا الثمن يكون أحيانا غاليا للغاية. ذلك ما خبره فريتز اورباخ في الأعوام التالية. ففي ابريل/نيسان من عام 2010 لقي ثلاثة جنود حتفهم كانوا تابعين لكتيبة إعادة الأعمار في فايزآباد (شمال أفغانستان) التي كان يتولى قيادتها. اورباخ ودع الجنود الثلاثة بنفسه إلى مهمتهم. ويقول اورباخ الذي قام بعشرات المهمات في أفغانستان حتى الآن "لقد كنت مسؤولا عن الرجال وعن إبلاغ أسرهم بخبر موتهم، وعن كل ما يتصل بهذا الأمر. لقد تعرفت إلى الرفاق خلال لقاء جمعني مع سلفي قبل العملية التي سقطوا خلالها. وعندما يموت أحد أفراد الأسرة يتأثر المرء كثيرا لذلك".
وهكذا استطاع أن يخبر التهديد المتنامي الذي يواجهه الجنود في أفغانستان عن كثب. "أولى مهماتنا كانت في عام 2002 في منطقة تبدو هادئة وآمنة نسبيا. لكننا لاحظنا بمرور الوقت أن الوضع يختلف عن مظهره وأن التهديدات أضحت ملموسة". تدهور الوضع الأمني لم يحدث فجأة وإنما تواترت حوادث ذكّرت اورباخ بهجوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الذي أدى إلى بدء مهمة القوات الدولية في أفغانستان.
الوجه القبيح للحركات الإسلامية المتطرفة
في سبتمبر/أيلول 2010 خرجت مظاهرات أمام مقر القوات الألمانية في فايزآباد احتجاجا على خطط قس أمريكي حرق نسخ من القرآن علنا. ولا يزال اورباخ يتذكر جيدا هذا اليوم ويقول "لقد أُلقيت علينا الحجارة، ووصل الأمر إلى أن أفراد الشرطة الأفغانية، الذين قدموا لتعزيز الحراسة، قاموا بإطلاق طلقات تحذيرية في الهواء من أجل السيطرة على الموقف". وعقد اورباخ جلسات للحوار مع ممثلين عن المتظاهرين من أجل التهدئة والمصالحة، التقى خلالها برجال ذكروه بقوة بمنفذي هجوم 11 سبتمبر/أيلول الانتحاريين. ويقول "لقد كانوا جميعا حسب رأيي شبابا متطرفا. فطريقتهم في الحديث وحججهم تجعل من السهل تصور أن بإمكانهم القيام بعملية إرهابية وقيادة طائرة وتوجيهها لتصيب هدفا في مكان ما. الفئة العمرية نفسها، الحجج نفسها، الطريقة العنيدة نفسها في عدم الرغبة في الاستماع للآخرين".
فريتز اورباخ عسكري منشغل بالسياسة، وقد تعلم من خبرته الطويلة في أفغانستان أن يقوم بتقديم تنازلات، بما في ذلك ما يتعلق بأهداف العملية التي تقوم بها القوات الدولية في هندكوش. ويقول "مهمتنا الأولى كانت عام 2002، وهدفنا الارتقاء بهذا البلد ومساعدته للوصول إلى الديمقراطية، وما يستلزمه ذلك من وجهة نظرنا من ضمان حقوق الإنسان وحقوق المرأة. أعتقد أن التجارب الأليمة التي شهدناها مؤخرا جعلتنا نتراجع عن التمسك بهذه الأهداف". ومع ذلك يعتقد اورباخ أن بإمكان الأفغان على المدى المتوسط تولي مسؤولية الأمن بأنفسهم، "وبذلك لن يكون بإمكان إرهابيين من طراز منفذي عمليات 11 سبتمبر/أيلول أن يجدوا ملجأ في أفغانستان. وعندما يتحقق ذلك يكون باستطاعتنا أن نترك للأفغان شيئا فشيئا تصريف أمورهم بأنفسهم."
الكاتب: دانيل شيشيفيتز/هيثم عبد العظيم
مراجعة: عبده جميل المخلافي