الحزب الاشتراكي الديمقراطي بين املاءات السلطة ونزعة المثالية
٨ أغسطس ٢٠٠٥لا ينكر أحد من المطلعين على تاريخ الأحزاب السياسية الألمانية الدور الريادي الذي لعبه الحزب المسيحي الديمقراطي بقيادة المستشار الأول لجمهورية ألمانيا الإتحادية كونراد أديناور في إعادة إعمار ألمانيا وعودتها إلى المجتمع الدولي بعد تحريرها من برائن الحقبة النازية. غير أن الدور الأكبر فيما يتعلق بإرساء ثقافة ديمقراطية مدنية قائمة على مبدأ المساوة والمشاركة السياسية الفاعلة وحقوق المواطنة يعود إلى الحزب الإشتراكي الديمقراطي الذي حافظ منذ تأسيسيه على إلتزامه بتطبيق قيم إنسانية تساهم في تعزيز الروابط الإجتماعية والتعاطي البناء مع المتغيرات السياسية.
ولادة من رحم المثالية الألمانية
تعود جذور الحزب الإشتراكي الديمقراطي التاريخية إلى فريديناند لاسال، حيث تم تأسيسه بعد إتحاد الرابطة العامة للعمال الألمان وحزب العمال الإشتراكي الديمقراطي في عام 1875 وهو ما يعلل علاقته الخاصة مع النقابات العمالية حتى الوقت الحالي. وقد تعرض الحزب لإضطهاد كبير في عهد المستشار البرويسي الحديدي أوتو فون بسمارك، مما أدى إلى تقوية روح التكافك والتماسك بين أعضائه والتي كانت بدورها ضرورية لمواجهة هذه الملاحقة. وفي عام 1891 أصبح له برنامجاً جديداً أُطلق عليه برنامج "إيرفورت" الذي صاغ أهدافاً سياسية قابلة للتحقيق في ظل المنظومة الرأسمالية السائدة آنذك.
ومنذ بداية عمل الحزب الإشتراكي الديمقراطي السياسي يتنازع جناحان، أحدهما "ثوري تقدمي" مثلته روزا لوكسمبورغ، والآخر "إصلاحي محافظ نسبياً" مثله أدور بيرنستينين، على توجهاته وخطوط عمله العامة. ورغم حالة الجمود التي عانى منها الحزب أحياناً بسبب هذه النزاعات الداخلية، إلا أن هذه الخصوصية الناتجة عن تعدد المشاركين في خطابه السياسي أعطته موقفاً متميزاً تمثل في قدرته النظرية الثورية من ناحية، وأهليته الإصلاحية الكامنة في قدرته على التحرك السياسي داخل النظام السياسي القائم، وهو ما أكسبه ديناميكة خاصة ساعدته على بناء جسور سياسية بين شرائح المجتمع المختلفة وعلى تخطي عدة مراحل صعبة في تاريخ ألمانيا.
إلتزام بمعاداة الفاشية
إلتزم الحزب الإشتراكي الديمقراطي طوال مسيرته السياسية بمعاداة الفاشية، بجانب دفاعه عن حقوق الطبقة العاملة، وهو ما أدى إلى تعرضه إلى هجمات من القوي السياسية الألمانية الفاشية في عهد جمهورية فايمر. وبالإضافة إلى ذلك فقد تعرض لضغوط شديدة من أجنحته الثورية الراديكالية مما أدى إلى إنقسامه في المرحلة التي تزامنت مع أول محاولة لإرساء نظام ديمقراطي في ألمانيا. ومع وصول النازيين إلى سدة الحكم تم حله وهرب غالبية زعمائه إلى الدول الأوروبية المجاورة. وبعد تحرير ألمانيا من براثن النازية عاد الحزب إلى مزاولة نشاطه السياسي وبرز كورت شوماخر كقائد جديد له يملك القدرة على التعاطي مع إستحقاقات المرحلة، حيث نجح بمساعدة تاريخه النضالي الذي دافع فيه القيم الديمقراطية في جمهورية فايمر، في إعادة بناء الحزب. ونظراً لهيمنة الحزب المسيحي الديمقراطي ومستشاره كونراد أديناور على الحياة السياسية الألمانية لمدة 14 عاماً متتالية وخوف الناخبين الألمان من الإيدولوجيا الثورية تقلص نفوذه الإنتخابي حتى عام 1959.
.... وتعاطي بناء مع الواقع السياسي
وفي العاصمة القديمة بون تبنى الحزب برنامج "باد غودسبيرغ" في عام 1959 الذي تجاهل فيه الأطروحات الماركسية وقبل بمبدأ الملكية الخاصة طالما أنه لا يتعارض مع إقامة نظام إجتماعي عادل. كما دعا إلى إصلاح نظام السوق حتي تأخذ قضية العدالة الإجتماعية مكانها الطبيع على سلم أولويات العملية السياسية. ومن منظور العلوم السياسية فإن هذا التطور قد جسد نقطة تحوله إلى حزب جماهيري كبير يملك القدرة على تمثيل مختلف شرائح المجتمع. كما أن قدرة الحزب على التعاطي مع المراحل الصعبة خرجت إلى دائرة الضوء عندما تبني المستشار براند أطروحة سياسية شجاعة في خضم ثورة الطلاب في أواخر الستينات حين طالب بـ"المزيد من الديمقراطية" بدلا من قمع الحريات وحقوق المواطنة.
لؤي المدهون