الحكم بمصرية "تيران وصنافير" يفرح الشارع ويحرج السيسي
١٦ يناير ٢٠١٧جاء حكم المحكمة الإدارية العليا إذن في قضية أثارت جدلا كبيرا داخل مصر، بالإقرار بمصرية الجزيرتين الواقعتين على البحر الأحمر "تيران وصنافير" صباح الاثنين (16 يناير/ كانون الأول 2017).
القرار أشاع فرحة شعبية في أوساط كبيرة داخل المجتمع المصري، عبّرت عنها جموع الحاضرين في قاعة المحكمة برفع التكبيرات والهتاف بشعارات "مصرية مصرية"، فور نطق رئيس المحكمة القاضي أحمد الشاذلي حكمه قائلا: "إن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها، وأن الحكومة لم تقدم وثيقة تغير ما ينال من الحكم السابق". وذلك في إشارة إلى قرار المحكمة الإدارية (الدرجة الأولى في مجلس الدولة) في 21 حزيران/يونيو 2015 ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية "المتضمنة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير" للرياض.
ومعلوم أن اتفاقية تيران وصنافير الموقعة مع السعودية كانت قد أثارت احتجاجات وتظاهرات غير مسبوقة منذ عامين ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي قمعتها الأجهزة الأمنية بقوة مع اعتقال العشرات من الرافضين للاتفاق.
وبعد النطق بالحكم -في جلسة بثها التلفزيون المصري على الهواء مباشرة-، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا على موقع حزب الحرية والعدالة المنحل شدد على أن حكم القضاء "يجرّم" ما قام به رئيس الجمهورية، لكونه يتناقض مع فحوى القسم الذي أدلى به يوم توليه مسؤولياته.
أما حركة 6 أبريل الشبابية، فقد اتهمت الحكومة المصرية بـ"الخيانة العظمى" في تغريدة نشرتها على موقع توتير
بداية ثورة جديدة؟
جل التعليقات الواردة على مواقع التواصل الاجتماعي تنذر بأن القضية لن تقف عند بطلان "بيع الجزيرتين" فحسب، وإنما بمعاقبة "من فرّطوا في الأرض"، كما أورد الممثل المصري المعروف عمرو واكد أحد أهم الوجوه الفنية المدافعة عن ثورة 25 يناير، أو الكاتب المصري المعروف علاء الأسواني .
في حين ذهب حازم عبد العظيم رجل السيسي السابق ورئيس حملته الانتخابية سابقا إلى دعوة السيسي بالتنحي.
ولأن الأحكام الإدارية العليا في مصر نهائية باتة، لا طعن فيها، فإن السيسي يكون بذلك قد تلقى ضربة موجعة بهزيمته في آخر الفصول القضائية في قضية الجزيرتين التي طالما أكد أنها "ملكا للسعودية" وأن "مصر لم تفرط في حقها، ولن تفرط في ذرة رمل، لكنها أعادت للسعودية ما تملكه".
ولا شك أن وضع االرئيس المصري حاليا بات أكثر حرجا من ذي قبل، خاصة وأن التشكيك في مصداقيته باتت بمباركة القضاء. ومع ذلك هناك من اعتبر أن هذا الحكم جنب االسيسي الكثير من التظاهرات التي كانت ستنطلق في حال أقرت المحكمة بسعودية الجزيرتين، كما نقل موقع مصر العربية عن الإعلام الإسرائيلي.
وإن كان هذا الطرح واردا، إلا أن السيناريو المحتمل يكمن في تحول هذا الحكم إلى "مظلة غير مباشرة لإعادة صياغة التوترات والصراعات السياسية داخل المجتمع المصري" كما يقول الدكتور نبيل عبد الفتاح الباحث في مركز الأهرام.
والمقصود هنا أن هذا الحكم سيفتح أمام أولئك الذين "شكلوا جزءا من حركة الانتفاضة الشعبية في أعقاب ثورة 25 يناير، وبين آخرين كانوا جزءا من تحالف 30 يونيو ضد الإخوان المسلمين والحركات السلفية" فرصة لإعادة صياغة صورتهم للمصريين. وذلك بعد أن وجدوا أنفسهم مغيّبين عن المشهد السياسي. في حين أن هذه القضية أوجدت لهم قناة لـ"رد سياسي مضمرا حينا وصريحا في أحيان أخرى، عن عملية استبعادهم في ظل عودة شكل جديد من نظام حكم شمولي"، يوضح الباحث في مركز الأهرام.
تداعيات الحكم على العلاقات السعودية المصرية
ويأتي هذا الحكم في وقت لم يعد خفيا على أحد تدهور العلاقات السعودية المصرية بسبب ملفات إقليمية عديدة أبرزها الملف السوري. وإلى غاية كتابة هذه السطور، لم يصدر عن الرياض أي رد فعل رسمي حول حكم المحكمة المصرية، في ظل حياكة سيناريوهات عديدة من قبل المتابعين لما قد تؤول إليها العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويبقى اللجوء إلى التحكيم الدولي أول الخيارات المنطقية الذي قد يفرض نفسه على الطاولة السعودية، غير أن الباحث المصري لا يستبعد خيارين آخرين. الأول سوق له إعلاميا ويلمح بتجميد الأزمة المصرية السعودية، بما في ذلك قضية الجزيرتين قصد "تبريد" الخلافات. الأمر الذي سيسمح بمناقشة الملفات بهدوء بعيدا عن تجاذبات إعلامية كانت في أحيان كثيرة غير مسؤولة.
السيناريو الثاني يتجه نحو التصعيد وفي هذه الحالة سيكون تصعيدا سعوديا ليس فقط ضد السيسي وإنما ضد الدولة المصرية بشكل عام، يوضح الدكتور نبيل عبد الفتاح، لأنه وفي هذه الحالة، سيتم اللجوء إلى الوسائل الاقتصادية في خطوة ستكون تكملة لإجراءات سابقة من قبل الرياض على غرار توقيف توريد مواد بترولية إلى مصر من قبل شركة أرامكو السعودية. وهو ما سيفضي حتما إلى مزيد من التباعد والتباين في المواقف السياسية بشأن ملفات جوهرية وعلى رأسها اليمن وسوريا والعراق.