الحكم على خلية "أن أس أو" يدق ناقوس خطر اليمين المتطرف
١١ يوليو ٢٠١٨حُكم على بيآته تشيبه، الناجية الوحيدة من خلية "أن أس أو NSU" السرية للنازيين الجدد، بالسجن مدى الحياة لمشاركتها في عشر جرائم عنصرية، في قضية غير مألوفة أصابت البلاد بصدمة. وحرمت محكمة ميونيخ أيضا تشيبه (43 عاما)، من إمكانية طلب إفراج مشروط بعد خمسة عشر عاما، بسبب "خطورة ما ارتكبته".
وتحاكم تشيبه منذ أيار/مايو 2013 بسبب قتل ثمانية أتراك أو أشخاص ذوي أصول تركية، إضافة إلى يوناني وشرطية ألمانية، بين عامي 2000 و2007. كما أصدرت محكمة ميونيخ أحكاما بالسجن في حق أربعة متهمين آخرين. وأسدلت المحكمة بذلك الستار على القضية عقب مداولات استغرقت نحو 5 سنوات وأكثر من 430 جلسة.
ويرى الخبير في شؤون الهجرة، نبيل يعقوب من مدينة دريسدن الألمانية، أن أبعاد الحكم على المتهمة الرئيسية تشيبه مهم جدا لأنه حكم عليها بالحد الأقصى للعقوبة في ألمانيا، وهو المؤبد مع استبعاد أن تحصل على إطلاق سراح مبكر. وذكر يعقوب أن توقيت إصدار الحكم مهم أيضا لأنه يأتي في وقت "تتسع فيه منذ أكثر من عام وتتزايد أنشطة فيها شيء من المسحة النازية. بالإضافة إلى أن قادة أحزاب يمينية مثل قادة في حزب البديل من أجل ألمانيا ما زالوا يمجدون الحقبة النازية".
تعاطف كبير مع الضحايا
وذكر يعقوب أن رئيس الكتلة البرلمانية لحزب البديل في البرلمان الألماني "بوندستاغ" ألكسندر غاولاند، تفوه بعبارة أثارت دهشة وامتعاضا شديدين في ألمانيا، حين قال ":نحن نعتز بإنجازات الجنود الألمان في الحرب العالمية الأولى والثانية". وتساءل يعقوب "أي إنجازات يتم التفاخر بها، إذ مات عشرات الملايين بسبب الجنود الألمان وفي النهاية دمرت ألمانيا نفسها".
وأشار يعقوب إلى أنه يتمنى أن يغير قرار المحكمة المناخ العام السائد حاليا بما يتعلق بموضوع اللاجئين والمهاجرين، إذ أنه "وطبقا للدستور الألماني وحسب إرادة الأغلبية العظمى من الشعب الألماني، فإنه لا أحد يريد أن يعود إلى العهود المظلمة التي كانت تسود فيها الكراهية تجاه البشر، أو أفكار العنصر الأنقى أو العنصر الأرقى، التي صارت في مزبلة التاريخ".
التعاطف السياسي مع ضحايا خلية "أن أس أو" كان كبيرا. فالمستشارة أنغيلا ميركل سبق وقالت إن بلادها تشعر "بالعار" حيال هذه الجرائم. فيما أعرب اليوم الأربعاء (11 تموز/ يوليو) وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر عن احترامه لأسر الضحايا. وقال زيهوفر إثر صدور إدانة تشيبه، إن "حكم المحكمة لا يمكنه تخفيف ألم أسر الضحايا أو معاناة الضحايا الناجين... الجرائم التي شملتها المحاكمة تعطينا درسا وتكليفا بمكافحة اليمين المتطرف في ألمانيا بكافة الوسائل الضرورية سواء الوقائية أو القمعية في المستقبل أيضا". في سياق متصل، رحب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بالحكم وقال "لا شيء يمكنه إصلاح ما فعله الجناة. لن ننسى الضحايا أبدا".
كذلك على الصعيد الشعبي، لم يكن هنالك تعاطف مع الخلية الإرهابية ومثلها من المجاميع المتطرفة الأخرى مثل مجموعة "مواطنو الرايخ"، حسب ما ذكر الخبير في شؤون الهجرة نبيل يعقوب. لكن التعاطف الشعبي مع الضحايا لم يكن واسعا أيضا. وذكر يعقوب في حواره مع DW عربية أن سبب ذلك يعود إلى تركيز البحث من قبل السلطات الألمانية عن مجرم مذنب من نفس قوميات الضحايا. وأشار إلى أن ذلك "كان إساءة كبيرة للضحايا، ولم يتم توضيح ذلك بالشكل الكافي لعامة الشعب".
الاعتذار لذوي الضحايا
واعتذرت الدولة الألمانية للضحايا وذويهم لأنه بعد سقوط الضحايا الأوائل ظنت الأجهزة الأمنية أن عناصر المافيا الأجنبية في ألمانيا قامت بتصفيته. وفي هذا الصدد قال وزير الداخلية زيهوفر أيضا، إن أسر الضحايا تحملت سنوات من الشك وحالات الاشتباه الخاطئة أحيانا من قبل سلطات تنفيذ القانون. وأضاف الوزير أن أسر الضحايا واجهت بعد ذلك تفاصيل الجرائم المزدرية للإنسانية التي ارتُكبت في حق ذويهم.
من جانب آخر، وصف المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا الحكم الصادر ضد الخلية بأنه غير كافٍ وطالب بإجراءات قانونية إضافية. واعتبر أن عدم تسليط الضوء على دور أجهزة الاستخبارات يعتبر "فشلا وعبئا كبيرا على أسر الضحايا وعلى السلم الاجتماعي في ألمانيا". كما طالب المجلس بإحداث منصب مفوض خاص بالعنصرية يقدم تقريرا سنويا للبرلمان الألماني. وهو ما أيده أيضا الخبير في شؤون الهجرة من دريسدن. وقال إن "إصدار حكم المحكمة لا يعني نهاية القضية، بل يجب العمل على كشف جميع ملابساتها".
كما أن هذه القضية ألقت الضوء على الثغرات في عمل أجهزة الاستخبارات الداخلية، وكشفت في الوقت نفسه خطر شبكات اليمين الألماني المتطرف. كما أحرجت الحكومة الألمانية، لأن القتلة تمكنوا من التحرك بحرية طوال سنوات. وأشار يعقوب إلى أن أهالي الضحايا طالبوا أيضا بتوضيح ملابسات القضية لأن العديد من النقاط لم تُوضح حتى الآن. وخاصة معرفة لماذا مات هؤلاء الأشخاص وهم لم يرتكبوا أي جرم. وتثار أيضا أسئلة من قبل عائلات الضحايا، حسب يعقوب، عن دور أجهزة الدولة وعن دقتها في التحقيق.
صدور الحكم قد يدق ناقوس الخطر ويحذر من مخاطر اليمين المتطرف واليمين الشعبوي، لا سيما مع تصاعد شعبية الأحزاب الشعوبية في ألمانيا. وذكر يعقوب أن صدور الحكم لا يكفي، إذ أن مهمة التعريف بمخاطر اليمين المتطرف عملية طويلة ويجب أن تبدأ مع "الأطفال في المدارس وفي الحياة العامة وفي الإعلام، ولا بد من مكافحة شرور الكراهية والتعصب القومي واحتقار الشعوب الأخرى، والتي كانت مرضا أصاب ألمانيا في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي وانتهت بدمار ألمانيا"، حسب يعقوب.