الخبيرة لمياء مساري لـDW: المناخ أولوية الحكومة المقبلة
٢٤ سبتمبر ٢٠٢١البروفسورة لمياء المساري – بيكر، ألمانية من أصول مغربية، أستاذة تكنولوجيا البناء وفيزياء البناء في جامعة زيغن. كانت منذ عام 2016 وحتى 2020 عضوا في المجلس الاستشاري للحكومة الألمانية المتخصص بشؤون البيئة. أجرت DW عربية حوارا معها حول التغير المناخي وكيفية مواجهته عالميا. وأشارت إلى أن قضية المناخ وحماية البيئة وتأمين الطاقة النظيفة سترسم ملامح سياسة الحكومة الألمانية المقبلة وعلاقاتها مع الدول العربية وأفريقيا بعد الانتخابات التشريعية.
DW عربية: أبدت المستشارة ميركل نوعا من النقد الذاتي لسياستها في مجال المناخ، ما هي برأيك أهم الأخطاء التي ارتكبت في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة؟
البروفسورة لمياء المساري – بيكر: في سياسة المناخ، لم توجد ولا توجد خطة رئيسية، لا يوجد تصور حول كيفية ربط حماية المناخ والتكيف مع المناخ بالنمو والابتكارات والعدالة الاجتماعية. لكننا بحاجة ماسة إلى هذا الأمر، كي نوفر توجها عاما للناس وخطوطا حمراء للسياسة. بدلا من انتهاج سياسة استباقية، كانت هناك سياسة متفاعلة، خطوات فردية غير مترابطة. مثلا أدرجت طريقة التعامل مع انبعاثات غازات ثاني أوكسيد الكربون، لكن لم يتم إدراج سياسة ملائمة للضرائب تجاه هذا الموضوع. بعد إقرار عدم استعمال الطاقة النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، تم وضع أولويات الطاقة بشكل خاطئ، وتم التركيز على قضيتي الطاقة الكهربائية المنتجة عن طريق طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وأهملت تماما مسألتا التدفئة وتخزين الطاقة.
مثل هذه الخطوات قليلة جدا بالنسبة لبلد هو رابع بلد صناعي في العالم ومحرك الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا. وللأسف صار جو النقاش حول المناخ صعبا جدا. فالكفاح ضد التغير المناخي أصبح مخنوقا بين الإهمال السياسي والنشطاء والعلم. وهذه المواجهة، للأسف نتيجة تردد القيادات السياسية. كان يجب التعرف على هذا النوع من المواجهة قبل فترة كي يتم بناء جسور تفاهم بين كل الأطراف.
برأيك، ما الذي يجب على الحكومة الألمانية القادمة فعله تجاه سياسة المناخ؟
نحن بحاجة ماسة إلى تحول في طريقة التفكير في سياسة المناخ. وبالتحديد: حلول عالمية وبدائل، بدلا من نقاشات مناطقية حول زعانف الهواء لإنتاج الطاقة في منطقة شفابن (منطقة تقع جنوب ألمانيا). خطة شاملة بدلا من خطوات فردية من دون تخطيط. نمو، ابتكار وعدالة اجتماعية تجاه قضية المناخ والاتفاق مع بعضنا، بدلا من اللعب ضد بعضنا. مراقبة كل الإمكانيات المتاحة لإنتاج الطاقة البديلة بدلا من التركيز فقط على طاقة الرياح والطاقة الشمسية. من وجهة نظر عالمية ندخل الآن في مرحلة الخطر من فقدان البوصلة، لأننا - مع الأسف في ألمانيا – نغرق في التفاصيل الداخلية المعقدة بدلا من التفكير في الخطوط الكبيرة على مستوى عالمي أو كما يقول فيلي براندت (مستشار ألمانيا الأسبق): عقد العزم أكثر على مستوى دولي.
تحدثتِ في حوارات سابقة عن مفهوم جديد لثقافة البناء في ألمانيا. واقترحت حتى تسمية وزارة في هذا الشأن. لكن يبدو أن الساسة الألمان يتفادون طرح موضوع مراجعة سياسة البناء والمنشآت العمرانية لأسباب انتخابية. ما هي التغييرات البنيوية التي يتعين على ألمانيا إدخالها في هذا المجال؟ مثلا هل يمكن تطبيق سيناريو تغيير سكن الفئات المعرضة لفيضانات؟ هل هنالك بالفعل استعداد لدى فئات واسعة من السكان لقبول سياسة بناء جديدة بألمانيا، صديقة للبيئة؟
ببساطة شديدة. لا شيء يجمعنا أكثر من السكن والعمل والمكان الذي نقضي فيه حياتنا. من المهم التركيز على البناء والسكن وتطوير المدن بدلا من محاولة فهم هذا المجال كمجال سياسية واسع . تخطيط أماكن الحياة والسكن أهم بكثير من أن يتم تمريره كل أربعة أعوام (ولاية) حكومية من وزارة إلى أخرى أو في نقاش هامشي حول تشكيل ائتلاف حكومي.
التحديات لن تقل: الرقمنة، السكن، الطاقة المحافظة على البيئة، التغيرات في مجال النقل، التكيف مع المناخ، هذا غيض من فيض. من أجل التخطيط لها ليس كأفكار بلا قيمة، بل التخطيط لها بطريقة أكثر تشابكا، ومن أجل ذلك يجب توفر مؤسسة فيدرالية.
لكن، كما يبدو فإن الساسة الألمان يحاولون لأسباب تتعلق بالانتخابات، تجنب التحدث عن سياسة البناء. أي تغيرات بنيوية يجب أن تأخذها ألمانيا بعين الاعتبار، خصوصا في المناطق المهددة بالفيضانات؟
علينا انتهاج سياسة أكثر تكيّفا مع قضايا المناخ. توفير أنظمة إنذار لحماية الناس والحفاظ عليهم وعلى حياتهم اليومية في حالة حدوث كارثة. بالإضافة إلى تعديلات في بناء المدن وفي المناطق المعرضة للخطر وإدارة المياه.
هل تتوقعين قبول السكان لسياسة بناء صديقة للبيئة؟
من خلال حماية المناخ، نحمي أطفالنا وأحفادنا، أي الأجيال القادمة. من خلال التكيف مع المناخ نحمي الناس اليوم وكذلك الأجيال القادمة. التكيف مع البيئة، من خلال بنية تحتية كفوءة، أمور مثل إدارة المياه، زيادة المساحات الخضراء تلقى قبولا عند الناس. فهي توفر أمنا أكثر ونوعية أفضل للحياة. مع زعانف الهواء قرب مناطق السكن، يبدو الأمر مختلفا.
لوحظ أن هنالك تغيرات في مزاج الناخبين الألمان بعد الفيضانات المدمرة التي شهدتها ولايتان في غربي البلاد. هل تعتقدين أن قضايا المناخ سيكون لها تأثير كبير في اختيارات الناخبين يوم 26 سبتمبر/ ايلول؟
الأسئلة المتعلقة بالمناخ كانت مهمة أيضا بالنسبة للناس حتى قبل حدوث الفيضانات. لكن الصور المرعبة التي ظهرت دفعت بالموضوع إلى الواجهة من جديد. لكن المهم: أن الكثير من الأسئلة المتعلقة بالمناخ تطبع النقاشات السياسية الدائرة، إلى درجة تدفع الأحزاب إلى عدم تقديم إجابات واضحة. هذا الأمر لا يجعل الأمر سهلا بالنسبة للناخبين، انعكاس السياسة المتعلقة بالمناخ على حياتهم اليومية. في النهاية سوف يتعلق الأمر بالدرجة الأولى بمن يثق به الناس لكي يقدم حلولا متوازنة اجتماعيا ويضمن بقاء ألمانيا في موقعها الاقتصادي. هذا السباق، حسب رأيي، مازال مفتوح النتائج تماما.
تعتبر ألمانيا رائدة في مجال استخدام الطاقات المتجددة. لكن من يلاحظ الجدل في الحملات الانتخابية حول ألواح الطاقة الشمسية فوق المنازل أو طرق التدفئة في البيوت، يظهر أن هنالك مشاكل كبيرة. لماذا يحدث ذلك وكم تحتاج ألمانيا لحسم هذه المشاكل وباتجاه استخدام طاقة صديقة للبيئة في المنازل؟
مع نسبة تصل إلى 19 بالمائة فقط من الطاقة المنتجة من مصادر بديلة فإن ألمانيا ليست رائدة. توجد سردية حول حول التغير المناخي، لكن لا توجد رسالة واضحة مفادها أنه ليس من الضروري أن نعيش بشكل أسوأ بسبب سياسة تراعي التغير المناخي، وأننا سنعيش على نحو أفضل إذا اعتمدنا حلولا جديدة لمشاكل البيئة. الاقتراحات المتداولة عامة جدا أيضا. فخلايا (ألواح) الطاقة الشمسية فوق سطوح المنازل جيدة لإنتاج الطاقة الكهربائية. لكن حين نرغب بتدفئة المنازل خصوصا في فصل الشتاء، فإننا، نلجأ قليلا إلى المصادر الكهربائية للتدفئة. فبدون تخزين الطاقة لا يمكن فعل شيء. وكبديل تبدو الطاقة المستخرجة من الأرض اختيارا جيدا، للتدفئة من خلال طاقة صديقة للبيئة. كما أن الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية هي بالنسبة للمكاتب والمنشآت اختيارا جيدا. بصيغة أخرى: الآراء السياسية ستكون مختلفة أقل حين تعتمد على قيم علمية، على إمكانيات جعلها حقيقية وعلى الخبرة العملية.
ما الذي تحتاجه ألمانيا فعلا كي تجد حلولا لهذه المشاكل وتضع مصادر الطاقة المتجددة كمصدر رئيس؟
تركز سياستنا المناخية بشكل كبير على الكهرباء المنتجة من الرياح والشمس. ولا يمكن من خلالها فقط تلبية الطلب الهائل على التدفئة للمباني بطريقة صديقة للبيئة ومقبولة اجتماعيا. لا يوجد تحول حقيقي في مجال التدفئة، على سبيل المثال من خلال استخدام الطاقة الحرارية المستخرجة من الأرض، أو التدفئة المركزية البعيدة، أو استعمال الهيدروجين، وما إلى ذلك. في الوقت نفسه، يجب دعم كل هذا ماليا كي تصبح هذه الطرق جذابة لأصحاب العقارات والمستأجرين. لن تكون هناك حماية للمناخ بدون مشاركة نشطة من المواطنين.
هل أن معادلة ثاني أوكسيد الكربون لها تأثيرات سلبية جدا في السكن والبناء بالنسبة لفئات واسعة من المواطنين؟
يتسبب البناء في نحو ثلث انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو، نحو النصف بسبب توفير الموارد والنفايات. يجب علينا الحوار طويلا حول كيفية جعل البناء بشكل أكبر صديقا للبيئة. أي من خلال إعادة التدوير والاقتصاد الدائري وخطوات مثل ربط ثاني أوكسيد الكربون بالمساحات الخضراء. من خلال هذه الإجراءات يمكن الحفاظ على نسبة ثاني أوكسيد الكربون من دون تحميل المستهلك أكثر. أعتقد أن فكرة تحميل المستأجر ضريبة ثاني أوكسيد الكربون خاطئة.
كيف يمكن أن تؤثر سياسة الطاقة النظيفة على الصناعات الألمانية وخصوصا الصادرات؟ وهل أن المنافسة يمكن أن تهدد مركز ألمانيا على الصعيد العالمي؟
لم نطور بعد طاقة متجددة كافية. الشركات الألمانية الكبيرة أعلنت عن حاجتها العالية للطاقة وترغب في انتاج الطاقة بنفسها، مثل شركة "باسف". الحفاظ على القوة الاقتصادية، لن ينجح بدون تعاون عالمي في مجال الطاقة، على سبيل المثال في مجال الهيدروجين. ألمانيا استوردت حوالي 70 بالمائة من احتياجاتها من الطاقة. سيكون من المهم الحفاظ على 30 بالمائة من الإنتاج الداخلي أو زيادته. نحن بحاجة إلى صفقة جديدة خضراء حقيقية، حينها سنحافظ على موقعنا كمصدرين.
هل تتوقعين أن يصبح موضوع المناخ أكثر ثقلا في السياسة الخارجية لألمانيا في السنوات المقبلة. وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على علاقات ألمانيا بالبلدان العربية ووخاصة في شمال أفريقيا؟
نعم أتوقع ذلك. لأنه لا يمكن مواجهة تغير المناخ إلا على الصعيد العالمي. لذلك يجب أن تصبح حماية المناخ جزءا من السياسة الخارجية. هنا بالذات يمكن الدفع بالتعاون الدولي. إنه أمر ملح جدا. لماذا؟ لأنه يعيش في القارة الأفريقية حوالي من 40 بالمائة من السكان من دون الحصول على الطاقة والتعليم والبنية التحتية. سنشهد ارتفاعا هائلا في استهلاك الموارد، وندرة في المواد الخام وارتفاعا في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، بين البلدان التي تريد توفير الازدهار لسكانها (وهذا من حقها) والبلدان التي ترغب في الحفاظ عليه. لذلك، لا يكمن الحل في سلوك طرق محلية بحتة أو حتى في سياسة التنازل عن خدمات معينة مثل التنقل بالسيارة أو رحلات بالطائرة، وإنما في الابتكار والتعاون. ويمكن لألمانيا المساعدة، من خلال تصدير التقنيات البيئية من أجل الربط بين النمو وحماية البيئة في أفريقيا وآسيا.
ستتولى ألمانيا رئاسة مجموعة السبع في غضون ثلاثة أشهر. أرى في هذا فرصة ملائمة للتوصل إلى سياسة مناخية عالمية، على سبيل المثال من خلال تقديم مبادرات تكنولوجية واستثمارية يمكن دمج دول الجنوب فيها. البلدان الأفريقية مهتمة فعلا أكثر بتسخير إمكانيات شبابها من خلال التعليم والابتكار وريادة الأعمال. كل هذا يمكن أن يخلق نهجا جديدا لهذه البلدان وإطارا جديدا للتجارة، وهذا أمر جيد. أما البديل فهو مشاهدة الصين وهي تهيمن بشكل مضطرد على إفريقيا.
هل سيقدم دعم أكبر لمشاريع مشتركة في مجالات الطاقة النظيفة لدول في شمال أفريقيا مثل مصر والمغرب وتونس؟ أم أن طبيعة العلاقة مع هذه الدول تعتمد أكثر على الطاقة التقليدية؟
مشاريع التعاون ضرورية لألمانيا كمركز صناعي وكذلك لأوروبا. لكن، لا يمكننا الحصول على ما يكفي من الهيدروجين الأخضر الصديق للبيئة، بدون التعاون مع الدول الأفريقية المشمسة. لا يجب أن يصبح اعتماد بعض البلدان في إفريقيا على واردات النفط مشكلة. إذ حتى شركات النفط لديها خططها للبحث عن مصادر بديلة.
ولكن يجب على الدول الأفريقية النظر لنفسها على كونها شريك في مجال الطاقة. بالنسبة لبلد مثل المغرب يمتلك كهرباء متجددة بنسبة 100 بالمائة تقريبا أو الجزائر التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، من المهم أن تكون لديها فكرة أو تصور عن شراكة الهيدروجين والتكنولوجيا مع أوروبا في الوقت المناسب. وإذا ما أدار الاتحاد الأوروبي الصفقة الخضراء ليس بمفرده، بل من خلال الحوار مع هذه البلدان، يمكن أن يصبح هذا مشروعا متعدد القارات ومربحا للجانبين. على ألمانيا والاتحاد الأوروبي العمل بشكل استباقي في أفريقيا وعدم الاكتفاء بمراقبة قيام الصين بفرض التزامات عبر القارة، بما في ذلك الوصول إلى المواد الخام المهمة.
ما هو التاريخ الواقعي لتحول ألمانيا إلى بلد يعتمد كليا على الطاقة النظيفة؟
التنبؤ دائما صعب خصوصا حين يتعلق الأمر بالمستقبل. مع سياسة الطاقة الحالية، لن نتمكن من تحقيق ذلك. بعد الانتخابات ستكون هنالك جلسة لتقييم الحصيلة في ميدان الطاقة، لغرض التخطيط بشكل أفضل تجاه الطاقة المتجددة وتأمين إمداداتها.
أجرى الحوار: منصف السليمي