Eindrücke aus dem Sudan
١٢ أغسطس ٢٠٠٨
بضعة أشخاص فقط كانوا في طريقهم إلى الخرطوم على متن طائرة لوفتهانزا الألمانية المتوجهة إلى أديس أبابا عبر العاصمة السودانية يوم السادس عشر من يوليو/ تموز الماضي. بدت المدينة المترامية الأطراف ببيوتها المتناثرة هادئة وشبه نائمة أثناء سفرنا بسيارة التاكسي المتقادمة على الشوارع الممتدة من المطار إلى الفندق عبر وسطها التجاري.
لم تكن هناك مظاهر مسلحة باستثناء حراس جلسوا متراخين ببنادقهم الخفيفة على أبواب أبنية عامة وبنوك وفنادق تناثرت على جنبات الشوارع التي مررنا بها. على مدخل الفندق حيّانا حارس شرطة سياحية بالقول: "أهلا وسهلا، حمدا لله على السلامة".
أما رجل الاستعلامات فبدت على وجهه علامات الاستغراب لقدومنا، لاسيما وأن الغالبية الساحقة من الزبائن الآخرين الذين كان بانتظارهم ألغوا حجوزاتهم أو لم يحضروا خوفا من تبعات طلب رئيس المحكمة الجنائية الدولية أوكامبوس في الرابع عشر من يوليو/ تموز إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة في دارفور.
الإعلام الغربي متهم بعدم الحيادية...
كان عدد النزلاء أقل من عدد أصابع اليد، وهو أمر يعكس الحذر من التوجه إلى السودان بسبب مخاوف من انتكاس الوضع الأمني في ضوء طلب رئيس المحكمة الجنائية الدولية. في الفندق الذي نزلناه نصحنا بأخذ الحيطة والحذر وذلك على الرغم من الهدوء والحياة العادية التي تسود الخرطوم، وهو الأمر الذي يعكس الصورة المشوشة وغير الدقيقة التي تنقلها وسائل الإعلام الألمانية والغربية عن الوضع الأمني في السودان، حسب رأي معظم المشاركين في دورة الصحافة الإلكترونية التي نظمتها أكاديمية دويتشه فيله لصحافيين من الإذاعة والتلفزيون السودانيين.
ويرى هؤلاء المشاركون، ومعهم طلاب من جامعة الخرطوم وأعضاء أحزاب ومستقلون تحدثت إليهم خلال إقامة استمرت أحد عشر يوما في العاصمة السودانية، أن وسائل الإعلام الغربية "أحادية الجانب فيما يخص تغطية أخبار بلدهم عامة، وأخبار دارفور بشكل خاص".
وعند السؤال عن أمثلة على هذه الأحادية في التغطية الإعلامية قال أحد المشاركين في هذه الدورة الإعلامية: "أنظر مثلا إلى مواقع بي بي سي BBC ودويتشه فيله DW أو سي ان ان CNN الإلكترونية، إذ تلاحظ دون جهد كبير بأنها تحمّل الحكومة السودانية مسؤولية ما يجري في مناطق دارفور غرب السودان من قتل وتهجير".
وفي جدل لم يخل من الحدة حول هذا الموضوع أشار مشارك سوداني آخر إلى أنه "يوجد في دارفور عشرات التنظيمات المسلحة المعارضة، التي ترتكب جرائم بحق الأبرياء والعزّل بدعم من الخارج وخاصة من فرنسا دون أن يشار إليها في الإٌعلام الغربي بشيء يُذكر". كما أن تصوير قضية دارفور على أنها "قضية نزاع بين قبائل عربية وأفريقية يخالف الوقائع والتاريخ، لأن هذه القبائل تمازجت وتداخلت إلى حد كبير عبر القرون الماضية من خلال التزاوج واعتناق الدين الإسلامي".
أما النزاع الحالي في دارفور فلا يحمل في طياته طابعا سياسيا وحسب، فهو يعود أيضا إلى سنوات طويلة، حيث تتنازع أفخاذ القبيلة الواحدة أوالقبائل فيما بينها على المراعي والمياه وخاصة في أوقات الجفاف بشكل مسلح منذ مئات السنين. يضاف إلى ذلك أن الانقسام بين مؤيدي ومعارضي الحكومة المركزية الحالية بزعامة البشير موجود حتى داخل القبيلة الواحدة بغض النظر عن أصولها العربية أو الأفريقية.
"مصالح الغرب فوق كل شيء"
وترى غالبية السودانيين الذين أتيحت لي فرصة التحدث إليهم في الخرطوم أن طلب رئيس المحكمة الجنائية يمثل خطرا يهدد وحدة بلادهم بشكل يسهّل استغلال ثرواتها من قبل الشركات العالمية، وفي مقدمتها الشركات الفرنسية والأمريكية. فمصالح الغرب وفق رأيهم "فوق كل اعتبار كما تظهر التجارب في فلسطين والعراق". فهم يخشون من تكرار التجربة العراقية في بلادهم بدءا من فرض عقوبات تنهك قواه، وانتهاء باحتمالات غزو عسكري تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان. كما يزيد الحديث عن اكتشاف ثروات طبيعية تثير شهية الإدارتين الأمريكية والفرنسية كالبترول والحديد والنحاس واليورانيوم وغيرها في مناطق مختلفة بما فيها دارفور من مخاوفهم.
وعلاوة على ذلك تقلق جهود الغرب الرامية إلى تحجيم النشاط الاقتصادي الصيني والآسيوي في السودان وباقي الدول الأفريقية مضاجع السودانيين الذين أتيحت لي فرصة لقائهم، لاسيما وأن الشركات الصينية والماليزية لاتستخرج النفط هناك وحسب، بل تنشط إلى جانب شركات هندية وآسيوية آخرى في مختلف القطاعات وفي مقدمتها تحديث البنية التحتية والبناء والصناعة. هذا النشاط المكثف للشركات الآسيوية يهدد، وفق إدراك كثير من السودانيين، نفوذ الغرب في القارة الأفريقية الغنية بالثروات الدفينة.