الدبلوماسية الدولية أمام تحدي التوصل إلى قرار سريع لوقف إطلاق النار
٤ أغسطس ٢٠٠٦في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب الضروس بين إسرائيل وحزب الله اللبناني وتزداد المعارك ضراوة لتحصد مزيدا من الضحايا الأبرياء، تُبذل على الصعيد الدبلوماسي جهودا دولية مكثفة لوقف إطلاق النار والتوصل إلى حل للأزمة. وتحتد وتيرة المفاوضات بين أعضاء مجلس الأمن الدولي وفي العواصم المعنية على مشروع قرار دولي يؤدي إلى وقف لإطلاق النار تقدمت به فرنسا. وتشارك الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما من الدول الكبرى في مناقشات مكثفة حول الطريقة التي يجب أن يعالج بها مجلس الأمن هذه الأزمة. لكن هذه المفاوضات "تتأرجح بين الإيجابية والسلبية"، حسب تعبير السفير الفرنسي، جاك مارك دولا سابليير، الذي مع ذلك أبدى تفاؤلا بالقول " أعتقد بأننا نحقق تقدما". من ناحيتها قالت واشنطن بأن التوصل إلى قرار من مجلس الأمن أصبح "مسألة وقت"، نافية مجددا أن تكون عارضت وقفا لإطلاق النار للسماح لحليفتها إسرائيل بالقضاء على حزب الله.
ماهية مشروع القرار الفرنسي
من المقرر أن تجري فرنسا والولايات المتحدة مزيدا من المحادثات اليوم الجمعة بخصوص مشروع قرار للأمم المتحدة لوقف القتال وتعزيز قوة حفظ السلام الموجودة بلبنان الى أن يتسنى تشكيل قوة دولية أقوى. ويدعو مشروع القرار الذي وزعته أمس فرنسا،الرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي، على أعضاء المجلس الخمسة عشر إلى "وقف فوري للأعمال العدائية" الا انه يدعو كذلك طرفي النزاع الى "الاحترام الكامل" للخط الأزرق الفاصل بين إسرائيل ولبنان. كما يضع المشروع ما يصفه المعنيون إطارا لسلام دائم. ومن المفترض أن يتبع هذا قرار أخر يحدد الشروط اللازمة لوقف دائم لإطلاق النار ويخول نشر قوة دولية. ويقترح مشروع القرار تعزيز قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان لمراقبة تنفيذ الهدنة لحين التمكن من تشكيل قوة دولية أقوى. كما يدعو المشروع القرار الفرنسي الى إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان لا يسمح بدخولها سوى لقوات الأمن اللبنانية والقوات الدولية الحاصلة على تفويض من الأمم المتحدة.
قوة حفظ سلام دولية: صعوبات سياسية وفنية ولوجستية
وفي حين ترغب الولايات المتحدة في نشر قوة دولية في جنوب لبنان على الفور عقب التوصل لهدنة، فإن فرنسا المرشحة لقيادة مثل هذه القوة لا تريد نشر قوات قبل التوصل لوقف دائم لإطلاق النار، لأن باريس لا تريد على ما يبدو لقواتها أن تحاصر وسط تبادل لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله. ويعتقد أغلب المحللين بأن نشر قوة دولية على الحدود بين إسرائيل ولبنان لن يكون عملاني كما لن يضمن السلام إذا لم يقترن بترتيبات عامة بما في ذلك إحلال السلام أولا قبل الحديث عن قوة دولية لحفظ ها السلام. هذا ناهيك عن أن إرسال قوات مراقبة دولية إضافية لتعزيز تلك الموجودة حاليا على الحدود دون ان تكون هذه القوات ذات صلاحيات واسعة ومهام عسكرية واضحة، لن يكن سوى مجرد إضافة "كُتاب تقارير" دورية مصيرها سلة مهملات الأمم المتحدة. وهذا يعني، حسب تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، بأن مثل هذه القوات " يجب ان تتشكل من جنود حقيقيين وليس من متقاعدين يأتون لقضاء بضعة اشهر بهدوء في جنوب لبنان".
هذا بالإضافة إلى أنه يتعين العمل على تسوية مشاكل وعوائق دبلوماسية وسياسية ولوجستية قبل إرسال اي قوة دولية الى لبنان. وفي ظل استبعاد احتمال مشاركة حلف الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية في هذه القوة، فإن الإتحاد الأوروبي وفرسنا هما الطرفان اللذان يتمتعان بقدر من الخبرة لقيادة هذه القوات. لكن يتساءل المراقبون عن من هي الدول التي ستقوم بتعريض جنودها للخطر في مثل هذه المهم، وبالذات بعد مقتل أربعة مراقبين تابعين للأمم المتحدة الأسبوع الماضي. في هذا السياق يقول تيم ويليامس من معهد "رويال يوناتيد سرفيسز "اذا لم يشارك الكبار فان الصغار سيترددون في المجيء". وهناك عقبة أخرى تكمن في إصرار إسرائيل، في مجلس الأمن، على الاحتفاظ بما تسميه الحق في القيام "بعمل دفاعي" ضد مقاتلي حزب الله حتى في ظل وجود القوات الدولية. هذا بالإضافة الى المشاكل اللوجيستية المتمثلة في رأي الخبراء في صعوبة نشر قوات من آلاف الجنود بالسرعة المطلوبة وإن ذلك قد يحتاج على الأقل لستة اشهر.
"واشنطن تسير في الاتجاه الخطاء"
فيما الجهود الدولية تتواصل للبحث عن حل للأزمة، تبدو واشنطن في الاتجاه المعاكس تماما لهذه الجهود. فهي تشارك الآخرين بالمطالبة بوقف إطلاق النار، لكنها تعرقل المساعي الهادفة لوقف فوري لإطلاق النار بحجة ضرورة أن يكون وقف إطلاق النار قابلا للاستمرارية، وهو ما يعتبره البعض بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل لمواصلة قصف حزب الله. في هذا السياق يقول ريشارد هاس مدير معهد العلاقات الخارجية الأمريكي: "بالنسبة للحكومة الأمريكية كل شيء يسير في الاتجاه الخطاء فيما يتعلق بالخلاف بين إسرائيل وحزب الله". ويبدي المراقبون استغرابهم الشديد من معارضة واشنطن لوقف فوري لإطلاق النار وإن كانوا يعزون ذلك إلى أن واشنطن تريد ان تعطي الفرصة لحليفتها إسرائيل لتدمير قوة حزب الله ثم أن يكون وقف إطلاق النار في إطار ترتيبات كبيرة وشاملة أشارت اليها وزيرة الخارجية الأمريكية أثناء زيارتها للمنطقة عند ما تطرقت مجددا إلى فكرة "الشرق الأوسط الجديد". ومن المفلت للنظر هو تبني الإتحاد الأوروبي للموقف الأمريكي المطالب بأن يكون وقف إطلاق النار قابلا للاستمرار بدلا من الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار. ورغم أن الموقف البريطاني لم يكن مفاجئا، إلا إن المفاجأة الحقيقية تمثلت في ماهية الموقف الألماني وتبنيه غير النقدي للرؤية الامريكية.