الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي في عيون المراسلين الأجانب
٣٠ يونيو ٢٠٠٧اعتبرت المستشارة الألمانية أن نجاح القمة الأوروبية الأخيرة بمثابة نقلة نوعية أخرجت أوروبا من الجمود السياسي الذي عانت منه بعد تعثر عملية المصادقة على الدستور الأوربي عام 2005 من قبل فرنسا وهولندا. لكن كيف يقيم المراسلون الأجانب العاملون في ألمانيا أداء الرئاسة الألمانية الدورية للاتحاد الأوروبي، والتي تنتهي مع نهاية الشهر الجاري؟ في هذا الإطار استطلعت دويتشه فيله آراء مراسلين من بريطانيا وفرنسا والبرتغال ولبنان.
"ميركل ليست محبوبة لكنها حازت على إعجاب البريطانيين"
أكد هوغ وليامسون، مراسل صحيفة فاينانشيل تايمز البريطانية في ألمانيا على أن المستشارة الألمانية قد برهنت على قدراتها الفائقة في التنسيق بين جميع الأطراف، وأن سياستها تميزت بالبراغماتية وبقوة العزيمة على مدى الستة شهور التي رأست فيها ألمانيا الاتحاد الأوروبي. وعما حققته ألمانيا فيما يخص مشروع الدستور الأوروبي قال وليامسون: "أنا لا أستطيع الحكم على ما إذا كانت ألمانيا كدولة ستستفيد من الحل الوسط الذي توصلت إليه بدلا من مشروع الدستور الأوروبي، لكن الأكيد أن ألمانيا استطاعت توحيد الآراء والآمال الأوروبية المختلفة". أشار وليامسون إلى أنه سمع من العديد من الدبلوماسيين البريطانيين والأجانب إثناؤهم على الرئاسة الألمانية مضيفاً أن المستشارة الألمانية لدى البريطانيين "ليست محبوبة ولكنها حازت على إعجابهم".
وبالرغم من النتائج الإيجابية التي حققتها الرئاسة الألمانية خاصة فيما يتعلق بالدستور الأوروبي وبحماية المناخ، إلا أن السياسة الخارجية الألمانية في رأي وليامسون لم تنجح في تحقيق كل الأهداف التي رسمتها لنفسها في البداية، إذ لم يتم تحقيق أي تقدم في ملف إقليم كوسوفو وكذلك فيما يتعلق باتفاق التعاون الأوروبي مع روسيا وإعادة إحياء رباعية الشرق الأوسط الدولية. كذلك انتقد الصحفي البريطاني سياسة حلول الوسط التي اتبعتها المستشارة الألمانية في عدد من الملفات، حيث يتعين عليها في رأيه قبول فكرة فشل المحادثات.
"سياسة براغماتية، لكن دون قرارات حاسمة"
أما سيسيل كالا مراسلة صحيفة لوموند في مدينة برلين، فهي ترى أن أهم النتائج التي حققتها الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي تكمن في القرارات التي تم التوصل إليها بخصوص حماية المناخ، إذ بذلت المستشارة الألمانية جهودا كبيرة لتحقيقها. وإن كانت كالا ترى أن الفرنسيين كانوا منشغلين بالسياسة الداخلية وبالانتخابات الرئاسية أكثر من المواضيع الأوروبية، حتى أنهم لم يدركوا أن ألمانيا تترأس الإتحاد الأوروبي إلا عندما زار الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي برلين.
من ناحية أخرى أثنت الصحفية الفرنسية على الحكومة الألمانية ووصفتها بالبراغماتية وبالحكيمة، مشيرة إلى الدبلوماسية الألمانية تجاه تصريحات رئيس الحكومة البولندية كاشينسكي، غير أنها انتقدت المعاهدة الجديدة التي تحل محل الدستور الأوروبي، لاسيما أنها تستغني عن الرموز الأوروبية المشتركة.
"نجاح نسبي، لكن شخصية قوية"
فرانسيسكو آسونصاو مراسل وكالة الأنباء البرتغالية لوزا من برلين يرى أنه بالرغم من أن الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي قد حققت نتائج متواضعة في عدة ملفات مثل إعادة إحياء اللجنة الرباعية للشرق الأوسط وحماية المناخ، إلا أن الجهود التي بذلتها المستشارة الألمانية كبيرة جدا، خاصة إذا اُخذ بعين الإعتبار طبيعة الملفات الشائكة من جهة، ومن جهة أخرى تباين المواقف والمصالح الأوروبية.
وفي هذا الإطار أشار فرانسيسكو آسونصاو أن المستشارة الألمانية وإن كانت لم تنجح في تحقيق اتفاق التعاون الأوروبي مع روسيا مثلاً، إلا أنها لم تتوان علنا عن انتقاد السياسية الردعية التي يتبعها الرئيس الروسي فلادمير بوتين ضد المتظاهرين الروس.
من ناحية أخرى يتوقع الصحفي البرتغالي بأن بلده التي تتولى رئاسة الإتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر بداية من أول شهر يوليو/تموز، ستواجه صعوبات فيما يخص مشروع الدستور الأوروبي. فالوصول إلى اتفاق أوروبي نهائي وشامل حول المعاهدة الجديدة التي تحل محل الدستور الأوروبي بحلول نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول أمر صعب، خاصة وأن هذا الاتفاق لم يلق ترحيبا من كافة أعضاء الإتحاد الأوروبي.
"أنجيلا ميركل بحق سيدة أوروبا"
وتعليقاً على مشروع دستور الاتحاد الأوروبي يقول غسان أبو حمد، وهو صحفي لبناني يعمل كمراسل لعدد من المؤسسات الإعلامية العربية، إن ميركل تمكنت من إيجاد صيغة جديدة لاتفاق مشترك وذلك لتفادي الفشل والجمود في صلب الاتحاد الأوروبي. وهو في رأيه أحد الأسباب التي جعلت شعبيتها في تصاعد مستمر، حيث أنها لعبت دوراً متميزاً خلال الدورة الحالية لرئاسة الاتحاد الأوروبي. كان لميركل دور متميز في تلك الفترة خاصة خلال القمة الأوروبية الأخيرة، إذ أنها تمكنت من التغلب على عدة عراقيل، من ضمنها الموقف البولندي المتعنت. كما أضاف أن المستشارة الألمانية لم تفضل المصالح الألمانية على المصالح الأوروبية المشتركة وأنها أخذت المواقف الأوروبية المتباينة بعين الإعتبار.
ورد غسان أبو حمد على انتقادات البعض بأن المعاهدة الجديدة التي تم التوصل إليها تحت الرئاسة الألمانية، هي عبارة عن حل وسط لإرضاء بعض أعضاء الاتحاد، قائلاً إن المعاهدة الجديدة تعتبر بمثابة خطوة هامة لكسب المزيد من الوقت للمشاورات وعدم إفشال المشروع الأوروبي والخروج من الجمود.
أما على صعيد السياسة الخارجية وبالخصوص ملف الشرق الأوسط، فيرى الصحفي اللبناني أن ألمانيا لم تستطع تحقيق نجاحات ملموسة. يعزو أبو حمد ذلك إلى ثلاثة أسباب، وهي ارتباط السياسة الخارجية الألمانية بالسياسة الخارجية الأمريكية، و طبيعة قضايا الشرق الأوسط الشائكة والمعقدة، كما أن فترة الرئاسة قصيرة ومن ثم من الصعب تحقيق أي نجاحات خلالها.
وفي نهاية حديثة أكد أبو حمد أن المستشارة الألمانية قد مهدت الطريق للرئاسة البرتغالية، حيث أنها أزالت أهم عقبة من طريق الوحدة الأوروبية وهي إشكالية الدستور الأوروبي، وبالتالي فهي تستحق عن جدارة لقب "سيدة أوروبا" على حد تعبيره.