الرئيس الألماني - من دور رمزي إلى عامل توازن سياسي
١٤ ديسمبر ٢٠٠٦أخذت أصداء مواقف الرئيس الألماني، هورست كولر، من بعض السياسات الداخلية الألمانية تتفاعل على الساحة الحزبية والإعلامية، فبعد رفضه في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الحالي التوقيع على قانون خصخصة قطاع الملاحة الجوية عاد الرئيس الألماني، كولر، مجددا إلى دائرة الأضواء بعد رفضه مرة أخرى التصديق على قانون آخر يتعلق بحق حصول المستهلكين على معلومات أوفر تتعلق بالمنتجات الغذائية التي يبتاعونها. ورغم أن القانون الذي تقدمت به حكومة الائتلاف الكبير كان يهدف إلى إعطاء المستهلكين الحق في الاطلاع على المعلومات التي توجد بحوزة المجالس البلدية والمحلية عن الشركات المتورطة في فضائح بيع اللحوم الفاسدة في ألمانيا، إلا أن الرئيس الألماني رأى فيه تعارضا مع الدستور الألماني المنظم للهياكل السياسية في البلاد. وعلّل الرئيس الألماني رفضه هذا بحجة أن الحكومة الاتحادية، طبقا للإصلاحات في النظام الفدرالي في ألمانيا، غير مخولة بنقل أي مهام إضافية للمجالس البلدية من خلال إصدار قوانين جديدة.
وفي سياق متصل يجمع عدد من المراقبين للشأن السياسي الداخلي في ألمانيا أن الرئيس الألماني قد تحول تدريجيا من شخصية تمثيلية رمزية للبلاد إلى شخصية سياسية تقوم بدور فاعل في الحياة السياسية للبلاد. فهو يعد أول رئيس ألماني بات يحظى بهذا الحضور على الساحة السياسية في البلاد، خلافا لسابقيه من الرؤساء الذين انحصرت مهامهم في معظم الأحيان في إلقاء الخطابات للشعب في بعض المناسبات والأعياد وتمثيل البلاد في الخارج.
مسؤولية كبيرة لرئيس فخري
لا شك أن بعض المراقبين السياسيين أصبحوا ينظرون إلى رفض الرئيس الألماني هورست كولر التوقيع على مشروع قوانين تقدمت بها الأحزاب السياسية التي تشكل حكومة الائتلاف الكبير بمثابة خطوة جريئة ميزت الرئيس الألماني كولر عن باقي الشخصيات الألمانية التي شغلت المنصب نفسه. فقد أضحى بذلك حسب وجهة نظرهم وكأنه يعكس صوت المعارضة في ظل الخارطة السياسية الألمانية التي تشهد غياب معارضة برلمانية قوية قادرة على وقف تمرير القوانين التي تراها بأنها لا تخدم مصلحة الشعب. غير أن تحول الرئيس إلى عامل للتوازن السياسي يتناقض في بعده السياسي مع المهام الفخرية للرئيس الألماني. ولكن من جهة أخرى، فطبقا لصلاحياته الدستورية يحق له رفض التوقيع على القوانين فقط حال عدم توافق محتواها مع الدستور بما يتماشى مع المهام الملقاة على عاتقه والتي تتلخص في الدفاع عن الدستور والسهر على التزام مؤسسات الدولة وأحزابها ببنوده.
وعن مهام رئيس ألمانيا يقول الخبير الألماني في الشؤون القانونية فولفغانغ روديوز: "يحق للرئيس الألماني رفض التوقيع على القوانين فقط لأسباب قانونية ترتبط بعدم دقة الإجراءات القانونية المتبعة لدى عرض التشريع القانوني، أو في حال تناقض محتوى القانون مع مقتضيات الدستور الألماني. لذا يحق للرئيس الألماني رفض التوقيع على القوانين لأسباب شكلية أو دستورية وليس لأسباب سياسية".
انتقادات سياسية
انتقد عدد من الساسة الألمان هذا الرفض، منتقدين في الوقت ذاته الحجج التي ساقها الرئيس الألماني لتسويغ قراره. فمبرر النقص في التوافق بين القانون والدستور الألماني اعتبره عدد من الأصوات المعارضة أمرا مبالغا فيه. وفي هذا الإطار وفي تصريح لمجلة دير شبيجل الألمانية الواسعة الانتشار قال المسؤول التنفيذي للكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديموقراطي، أولاف شولت: "توجد مؤسسة تتكلف بدراسة مدى تطابق القوانين مع بنود الدستور الألماني، إنها المحكمة الدستورية الاتحادية، فهي أنشئت لهذا الغرض." كما اعتبر البرلماني شولت أن مهام الرئيس الألماني تتلخص في مهام المصادقة على القوانين التي يشرعها البرلمان. وفي سياق الحالات التي قد تستدعي اعتراض الرئيس الألماني على التوقيع قال البرلماني شولت: " يكون هذا فقط في حال تعارض القوانين مع الدستور."
وأما المسؤول التنفيذي للكتلة البرلمانية للحزب المسيحي الديموقراطي نوبرت روتغن فقد عبر في حديثه للمجلة نفسها عن انتقاداته لقرار الرئيس الألماني كولر وأشار إلى بعض المشكلات القانونية التي تنجم عن مثل هذا الإجراء بقوله: "كل قانون لم تتم المصادقة عليه لا يملك الحق في أن يوضع بين يدي المحكمة الدستورية الاتحادية." مثل هذا الأمر يعد في نظر البرلماني روتغن عرقلة لمهام أعلى جهاز قضائي في البلاد، ناهيك عن أن مثل هذا الرفض يقف حاجزا منيعا أمام تطبيق الرغبة السياسية للبرلمان.