السجن وشبحه ينغصان على "غارمات" مصر الفرحة بعيد اﻷم
٢١ مارس ٢٠١٨تحتفل الأمهات في مصر وبعض البلدان العربية بعيدهن اليوم الأربعاء (21 آذار/مارس). ويقصد الأبناء المتاجر لشراء الهدايا للتعبير عن الحب والامتنان للأمهات. غير أن "الغارمات" لا يستطعن الاستمتاع بعيدهن بسبب تراكم الديون، مما جعلهن يعشن في كابوس في انتظار قضاء عقوبة السجن. و"الغارمة" هي من عليها دَين ولم تستطع سداده. ورغم المحاولات المستمرة لفك كرب "الغارمات" سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، ولكن أعدادهن تتزايد نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي.
السجن خارج أسوار السجن
وقعت رضا عبد الغفار (48 عاماً) على شيكات ﻹنقاذ زوجها، الذي كان على فراش الموت، ونتيجة لعجزها عن سداد الديون، قضت فترة في السجن ولكن قام جيرانها وأقاربها بفك كربها. ومع ذلك، لا تزال الديون متراكمة عليها في ظل تزايد احتياجاتها المادية. وتعمل رضا في مصنع للملابس وتقوم بالإنفاق على بنت وولدين.
ولجأت رضا إلى الجمعيات اﻷهلية لمساعدتها؛ وقامت مؤسسة "حياة للتنمية والدعم المجتمعي" في محافظة الشرقية بتخصيص مبلغ قدره 800 جنيه (40 يورو)، لمدة ثلاثة شهور للتخفيف من الضغوط المادية عليها. وتقول لـ DW عربية: "مرتبي الشهري في المصنع يبلغ 1200 جنيهاً، أي ما يعادل 60 يورو. وهذا المبلغ لا يكفي للسكن والطعام". ولا يمكنها اللجوء إلى وزارة التضامن الاجتماعي للحصول على معاش، مفسرة ذلك بأن: "زوجي كان يعمل بشكل متقطع".
إيمان محمود (50 عاماً) أم ﻷربعة أولاد تحكي قصتها لـ DW عربية وكيف أوصلها تراكم الديون إلى أعتاب السجن. استهلت قصتها بالقول "ابنتي مطلقة ولديها ثلاثة بنات وزوجها مدمن مخدرات وحاول الاعتداء علينا أكثر من مرة، ووصل بها الحال إلى الطلاق". يبدو أن مشاعر اﻷمومة لدى إيمان جعلتها تفكر في وسيلة تمكنها من الإنفاق على أولادها وأحفادها. ولتحقيق تلك الغاية لجأت إلى الاقتراض من البنك لتمويل مشروع خاص، ولسوء حظها "فشل" المشروع بعد تحطيمها. وتقول أن زوجها رجل مريض ولا يمكنه تقديم المساعدة، بسبب عجزه، فقد كان يعمل على تقديم الشاي والقهوة. واستكملت إيمان حديثها والدموع في عينيها: "حياتي بؤس شديد. أنا عاجزة عن سداد القرض وكل يوم أستعد نفسياً للدخول إلى السجن". وكمحاولة أخيرة لجأت إيمان إلى وزارة التضامن الاجتماعي للحصول على مساعدات، ولكنها تقول أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً، على حد تعبيرها.
"تزويج" البنات
تعثرت أغلب "الغارمات" بعد قيامهن بالاقتراض بغية المساهمة مادياً في تزويج بناتهن. السيدة أم هاشم إبراهيم (60 عاماً)، أم لستة بنات ونجحت في تدبر أمرها في تزويج خمس بنات. ولكنها فشلت في تسديد ديون زواج ابنتها السادسة. تقول لـ DW عربية: "مع تراكم الديون، عجزت عن سداد إيجار المسكن، وقمت ببيع الأثاث". وتبيع أم هاشم خضار في الشارع ولكنه لا يدر عليها أي ربح يذكر؛ فقيمة الديون المستحقة وصلت إلى 75 ألف جنيه، أي ما يعادل 3500 يورو.
ونتيجة لعجزها عن سداد الدين تمثل أم هاشم أمام المحكمة التي تنظر بثلاث قضايا مرفوعة ضدها. وسيصدر الحكم عليها بشكل نهائي في 21 آذار/مارس. تقول والهم يقطر من كلامها: "قضيت فترة قصيرة في السجن، وقام اﻷهل والأقارب بسداد ديني وفك كربي ولكن هذه المرة سأقضي فترة طويلة فالمبلغ أكبر من طاقتهم".
أسباب "قاهرة" وأخرى "ذاتية"
في هذا السياق تسلط العضو في المجلس القومي للمرأة فرع الدقهلية ومديرة جمعية المدينة المنورة للأعمال الخيرية، هناء غنيم، الضوء على أسباب تزايد استفحال الظاهرة مؤخراً: "هناك غياب لثقافة حسن تدبير الميزانية؛ فأغلب الغارمات تعثرن بسبب زواج بناتهن وشراء أجهزة كهربائية وأشياء فوق قدراتهن المادية"، مضيفة أن "البطالة وارتفاع إيجارات السكن" فاقمت الأمر. ووصفت غنيم دخول بعض الغارمات السجن بسبب مبالغ مادية ضئيلة للغاية بـ "الحرام". وبرغم جهود المجتمع المدني في معالجة مشكلة "الغارمات" إلا أنه لا يوجد "تنسيق" بين منظمات المجتمع المدني للتعامل مع مشكلة الغارمات، على حد قول هناء.
الخدمات العامة بدلاً من الحبس
طرح المستشار سامح عبد الحكم، رئيس محكمة الاستئناف، مشروع قانون مفاداه استبدال عقوبة الحبس قصير المدى ببدائل أخرى يختارها القاضي من بينها العمل في مشروعات صغيرة ومتوسطة. ومن شأن هذا المشروع في حالة تحويله إلى قانون أن يسهم في حل أزمة "الغارمات" خاصة أنهن لسن مجرمات ولكنهن أسيرات الوضع الاقتصادي في مصر.
لا تتوقف المبادرات الخاصة بفك كرب الغارمات ومساعدتهن. ففي تشرين الأول/أكتوبر عام 2017، قدم عدد من مسؤولي المجتمع المدني مبادرة لاستبدال عقوبة السجن بتطبيق عقوبة بديلة خاصة بالخدمة العامة في المستشفيات أو العمل بدور اﻷيتام والمسنين. وتقضي أكثر من 30 ألف "غارمة" عقوبات لمدد مختلفة في السجون المصرية، أي نسبة 25 % من السجناء.
ووصفت هناء غنيم المبادرات الخاصة باستبدال عقوبة السجن بالعمل في أنشطة أخرى بـ"الرائعة"، مردفة: "على مبدأ، لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد".
ريهام مقبل