السوريون بين لعنة الحرب ولعنة البرد
١٤ ديسمبر ٢٠١٣قام أبو عمر بمساعدة ولديه بكسر أثاث منزلهم القطعةَ تلّو الأخرى؛ الكراسي أولاً ثم الصوفايات وبعدها طاولة الطعام الكبيرة التي لم يعودوا يأكلون عليها؛ فقد دفعت العاصفة الثلجية التي تجتاح المنطقة بعائلة أبو عمر لإشعال ما تبقى من أثاث منزلهم شبه المدمر للتدفئة. ولم يتبق من المنزل، الذي تعرض لشظايا قذيفة هاون سوى جدران متهاوية، وهو بلا أبواب أو شبابيك.
عائلة أبو عمر تسكن في بلدة دوما بريف دمشق. وقال عمر وعمار (ابنا أبو عمر) لـ DW عربية، وهما يكسران الأثاث لاستخدامه كحطب للتدفئة، أنه "منذ أكثر من سنة ما شفنا لا مازوت ولا غاز ولا شيء نشعله لنتدفأ عليه، السنة الماضية وهذه السنة انحرمنا من الدفا". ويضيف الأب على كلام ولديه قائلا: "ما بقى شيء هنا. حتىّ الحطب نفذ من أغلب الغوطة الشرقية لأن أغلب الأهالي استعملوه للتدفئة لعدم توفر الوقود، والعاصفة الثلجية أجبرتني على كسر الأثاث لأدفئ عائلتي في هذا البرد القارس".
حال أبو عمر كحال أغلب ساكني الغوطة الشرقية حيث يقدر عددهم بأكثر من مليون و700 ألف شخص يقطنون في تلك المناطق، يعيشون في ظل حصار خانق فرضه النظام الحاكم في سوريا ضمن سياسة (الجوع أو الركوع) بعدّ أن سيطرت عليها تشكيلات الجيش الحر المعارضة قبل عام وشهرين. فلا كهرباء؛ ولا مازوت للتدفئة، والوقود انقطع كلياً عنها وأغلب الطرق مغلقة بسبب العاصفة الثلجية.
الثلج الأبيض والسواد الأعظم
وتجتاح العاصفة الثلجية "أليكسا" منذ يومين أرجاء المنقطة لتضاعف مأساة السوريين جراء الحروب الدائرة في البلاد. ويأتي ذلك تزامنا لعاصفة ثلجية ضربت سوريا ولبنان والأردن لليوم الثالث على التوالي؛ مترافقة بتدني درجات الحرارة في بعض المناطق إلى ما دون الصفر.
واعتبرَ الناشط الإعلامي كرم عمر من مدينة يبرود شمال دمشق، أنّ الثلوج غطت على السواد الأعظم لمأساة السوريين. فيبرود وأغلب مناطق القلمون تدور فيها معارك طاحنة منذ ثلاثة أسابيع في معركة أطلق عليها "معركة تحرير القلمون" بين القوات النظامية، مدعومة بمليشيات حزب الله اللبناني ولوائي أبو الفضل العباس وذو الفقار العراقيان من ناحية؛ وتشكيلات الجيش الحر وجبهة النصرة من ناحية ثانية. وذكر عمر لـ DW عربية أنّ "يبرود وأغلب مناطق القلمون نزلت فيها أكثر التساقطات الثلجية، وهو ما زاد من مآسينا، إذ لا كهرباء ولا مازوت. ما في أي شيء للتدفئة، فالعاصفة فتحت مواجعنا أكثر". وأضاف الناشط الإعلامي أن "المعارك في المنطقة منعت الأهالي من تجهيز مستلزمات الشتاء لاسيما أنّ هذه المنطقة عرضة لمثل هكذا عواصف".
الثلج لم يحمل الفرحة هذا العام للسوريين حسب وصف الدكتور هشام الذي يقيم في مدينة دمشق. ويقول لـ DW عربية "كنا ننتظر كل شتاء الثلج ليغطي مدينة دمشق بالبياض، لأنه يحمل البهجة والسعادة. لكنه لم يفرح سكان العاصمة هذه السنة الاستثنائية بسبب الظروف التي تمر بها البلاد، مع وجود عدد كبير من السوريين خارج منازلهم معظمهم في المخيمات بدون مقومات الحياة كالتدفئة اللازمة". وبخصوص الأمراض التي قد تظهر جراء البرد القارس وقد تكون قاتلة، تطرق الدكتور هشام إلى عضة البرد التي قال عنها إنها "تصير لما تنزل حرارة الجسم عن درجة معينة، قد تتسبب في تجمد الدم داخل الأوعية، وقد لا يصل إلى الأطراف، وقتها تؤدي إلى الموت حتماً".
تعددت الأماكن والمعاناة واحدة
وشرحت هبة، وهي ناشطة تعمل في مجال الإغاثة مع منظمة محلية في مدينة السويداء جنوب سوريا، أنّ حال النازحين في مدينتها أفضل حالاً من بقية مخيمات اللجوء سواء داخل سوريا أو خارجها. وأخبرت DW عربية أنّ عدد النازحين في مدينة السويداء بلغ "حوالي 100 ألف تقريباً يسكنون في معسكر "رساس الطلائعي"، كما استضافت بعض العائلات قسما آخر في بيوتها، لذلك ترى أن حالهم أفضل من بقية النازحين". وعن العاصفة الثلجية التي تجتاح المنطقة استدركت قائلة "قام وجهاء المدينة بالتعاون مع منظمة الهلال الأحمر بتأمين البطانيات والملابس الشتوية اللازمة وتوفير المازوت للتدفئة، وحماية المعسكر من التساقطات المطرية أو السيول".
وفي مدينة عامودا ذات الغالبية الكردية في شمال شرق سوريا استمر هطول الثلوج لأكثر من 24 ساعة متتالية وبلغ سمكها أكثر من 35 سم. مما دفعَ بمجموعة نشطاء لتقديم المساعدة لتنظيف أسطح المنازل لاسيما للعوائل التي هاجر شبابها. ادريس حوتا الناشط في تنسيقية عامودا ومصور فوتوغرافي ينشر صوره على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) بتوقيع "عدسة من عامودا" كان أحدهم. وكشف حوتا أن "تزايد كمية الثلوج زاد من خوف الأهالي من انهيار منازلهم لأن غالبيتها من الطين". وعن حال العوائل النازحة إلى المدينة لفتَ حوتا إلى أن "هناك مئات العائلات في عامودا استمرت معاناتها مع موجة البرد هذه؛ فمعظمهم دون مدافئ ووقود ومعاناتهم تضاعفت أكثر فأكثر مع تقاعس المنظمات الدولية عن تقديم المساعدات لهم".
حالات وفاة
وذكرت صفحة الثورة السورية على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أنّ "ثلاثة أطفال، أحدهم في شهره السادس/ لقوا حتفهم برداً في سوريا". كما نشرت الصفحة "أنّ 13 موقوفاً في سجن حلب المركزي ماتوا بسبب البرد والجوع". وأشارَ المحامي انور البني وهو مدافع عن قضايا حقوق الإنسان ومدير المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية أنّ "هناك ملايين انتهاكات حقوق الإنسان؛ ومئات الآلاف من الجرائم ضد الإنسانية؛ ومئات المجازر الجماعية؛ كما يتم استخدام وسائل الإبادة الجماعية؛ والعالم يتفرج ويقوم باحتفالاته بهذا اليوم وكأن حقوق الإنسان بخير ولا ينقصها سوى الاحتفال بها".
وبث ناشطون يوم أمس مقطع فيديو على موقع "اليوتيوب" تظهر فيه جثة طفل بدت ذراعاه مرفوعتان في الهواء، مجلدتين على الأرجح. وقال متحدث تعليقاً لحالة الطفل الملفوف ببطانية "الأطفال يموتون برداً في الرستن". وتتبع مدينة الرستن المحاصرة هي الأخرى لمحافظة حمص كما ذكرَ ناشطون أن طفلة ثانية تدعى مريم من حي الوعر في حمص ماتت أيضاً نتيجة البرد القارس.