السياحة المستدامة: استجمام ومتعة، دون الإضرار بالبيئة
٢٢ سبتمبر ٢٠١١يزداد عدد الألمان الذين يفكرون بالبيئة عند اختيار وجهتهم السياحية، حتى وإن اضطروا إلى دفع المزيد من المال. مكاتب الرحلات السياحية أدركت مبكرا هذا التوجه، وعملت بسرعة على الاستجابة للطلب المتزايد، وذلك بتوسيع عروضها بما يتلاءم مع التوجه الجديد لدى زبائنها.
وهكذا اشتعل التنافس بين منظمي الرحلات السياحية. ولأنه لا يوجد معايير محددة للسياحة المستدامة، أصبح باستطاعة أي منظم رحلات أن يسمي رحلته بأنها مستدامة. وهذا ما يثير أسف مارتن شميد، الخبير المتخصص في السياحة الصديقة للبيئة في معهد أبحاث البيئة في برلين، فيقول: “الأمر المهم بالنسبة للسياحة المستدامة يتمثل في الجمع بين أهداف اقتصادية واجتماعية وبيئية مع بعضها البعض. ولكن هذا الأمر لا نطبق على الصناعة السياحية بأعداد كبيرة”.
أرباح للجميع
وفي ألمانيا يوجد الكثير من منظمي رحلات السياحة المستدامة؛ أحد هؤلاء هو عبد العزيز المخفي، الذي تعلم خلال دراسته الكثير من النشاط الاجتماعي الذي يقوم به الألمان.
وفي بداية هذا العام 2011، خطرت له فكرة تنظيم رحلات سياحية مستدامة إلى المغرب. ويركز عبد العزيز على ثلاثة أمور أساسية عندما يضع خطة الرحلة لزبائنه، وذلك “بأن يشعر الزائر بالطبيعة عن قرب، دون أن يضر بها، وأن يعيش الثقافة الحقيقية لسكان البلد، وثالثا يجب أن تكون الرحلة فرصة للمساهمة في تطوير البلد الذي تم زيارته”.
ولذلك يحرص عبد العزيز على أن يبيت زبائنه في منازل وفنادق صغيرة، يتم تزويدها بالتيار الكهربائي، عبر الطاقة الشمسية. كما يشارك السياح في النشاطات والفعاليات المحلية التقليدية، يقدمون بعض المساعدات والمشاريع الصحية في المدارس الريفية. أما الطعام فيتم شراء مواده من الفلاحين مباشرة. والرحلات تكون محلية ويتم قطعها إما على الأقدام أو على الدراجات أو الحمير والأحصنة.
محاولة لحماية المناخ
وقبل أن يتمكنوا من امتطاء الحمير والأحصنة في الأرياف المغربية، لابد للسياح الألمان من الوصول إلى المغرب أولا، وذلك بواسطة الطائرة طبعا. ومن المعروف أن السفر عبر الطائرة لا يعد صديقا لا للمناخ ولا للبيئة، ولذلك ينصح عبد العزيز المخفي زبائنه، وكنوع من التعويض للمناخ، بأن يقوموا، بشكل تطوعي، بدفع مبلغ معين كتعويض عن الكميات الكبيرة الصادرة من غاز ثاني أكسيد الكربون. ومن أجل هذا الغرض هناك العديد من العروض، كما يؤكد خبير السياحة مارتن شميد: "إمكانية جيدة تقدمها مبادرة "Atmosfair" . فرحلة إلى جزر البحر الكاريبي، تكلف 100 يورو إضافية كتعويض للمناخ. ولكن المال يصرف بوجه رشيد ولصالح المناخ".
وإذا ما أراد المرء أن يعرف مسبقا كم تكلف هذه العملية، فما عليه سوى الاطلاع على ذلك على صفحة "Atmosfair" على الانترنت، فهناك يمكن ادخال بيانات متعلقة بالرحلة، من أين وإلى أين، ومن ثم يخرج الناتج الذي ينصح بدفعه كتعويض، والذي يتم استثماره في مشاريع لحماية المناخ.
ولكن السياح حساسون تجاه مسألة الأسعار والتكاليف. فمعظمهم ينتظر العطلة بشوق كبير طوال العام، ولا يحبذ أي تضييق أو تحديد لمتعته في الرحلة. ولذلك يحذر مارتن شميد يالقول: "الكثير من السياح ينظرون إلى موضوع السياحة المستدامة وصداقة البيئة على أنها فرامل لمتعتهم في الرحلة. ولذلك لا يعد أمرا مثمرا إذا ما ازدادت تكاليف الرحلة". ولذلك لا زال معظم الألمان يحبذون العروض السياحية الشاملة، التي تكون عادة أرخص من غيرها.
مجموعة فريدة من السياح
"هدفنا هو الوصول إلى أولئك السياح الذين يبحثون عن المميز، والذين هم على استعداد لدفع مزيد من المال من أجل ذلك. وغالبا ما يكونوا من أصحاب الدخل المرتفع، ولديهم تحصيل أكاديمي عال"، هذا ما يرويه عبد العزيز المخفي عن تجربته. ويبدو أن الفرص تزداد شيئا فشيئا في السوق، والاهتمام والطلب يزداد على السياحة المستدامة. وحتى الدول السياحية بدأت تتفاعل مع هذا الاتجاه الصاعد في عالم السياحة، فأخذت بتقديم عروض تتلاءم فعلا مع السياحة المستدامة، وبتجهيز بنى تحتية مناسبة. ومن تلك الدول المغرب، الذي يرى في السياحة المستدامة فرصة استثمارية كبيرة لدعم المناطق المحلية التي تعاني اقتصاديا، بتأمين مزيد من فرص العمل في هذا القطاع لسكانها.
قطاع السياحة المستدامة يبشر بمستقبل واعد، كما يرى مارتن شميد، من معهد أبحاث البيئة في برلين. فقد أجرى شميد دراسة حول هذا الموضوع، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن "30 بالمائة من السياح، مستعدون للحديث عن السياحة المستدامة". وتشكل نسبة الأشخاص الذين يختارون السياحة المستدامة، قرابة اثنين بالمائة فقط في السوق.
سياح أصدقاء للبيئة
هذا الاتجاه الجديد في عالم السياحة، أثار اهتمام كبرى شركات السياحة في ألمانيا، وذلك لأن العديد من زبائن هذه الشركات، هم من أصحاب الدخل المرتفع، وذوي القدرة الشرائية العالية. وبهذا أصبح جانب السياحة البيئية جزءا لا يتجزأ من برنامج عروض تلك الشركات. ولكن إذا ما كانت تلك العروض السياحية هي مستدامة وصديقة للبيئة فعلا، يبقى مثار جدل.
ويفرق مارتن شميد في هذا السياق بين مجموعتين من الشركات السياحية: الأولى، هي تلك التي تسعى لتحقيق أكبر قدر من الأرباح، والتي لا ترى في السياحة البيئية سوى أنها إستراتيجية جديدة من أجل التسويق والاستثمار. أما المجموعة الثانية فتضم تلك الشركات السياحية التي اقتنعت فعلا بفكرة السياحة المستدامة، وبدأت بالعمل على أن تكون صديقة للبيئة في نشاطها، وأن تساهم في تطور المجتمعات الفقيرة. كما هو الحال مع عبد العزيز المخفي مثلا، الذي يحاول من خلال مشروعه أن يساهم في تطوير بلده الأم المغرب، وأن يتيح الفرصة للسكان المحليين هناك لكي يكون لهم نصيب من الملايين التي يتم إنفاقها في سوق السياحة.
أمين بنضريف/ فلاح الياس
مراجعة: عبده جميل المخلافي