السياسة الفرنسية في ليبيا.. دور "متناقض" في مشهد معقد أصلاً
١٨ أبريل ٢٠١٩من يكتفِ بمتابعة الأخبار المنتشرة في الإعلام بخصوص سياسة فرنسا في ليبيا لن يفهم فعليا طبيعة الدور الفرنسي في هذا البلد ومصالح باريس الحقيقية. فماكرون يبدو تارة مع الجهود الأممية من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة وتارة يؤكد دعمه لحكومة طرابلس ويستقبل السراج ويبحث معه عن حل الأزمة. لكن فرنسا في الوقت نفسه من أبرز الدول الداعمة للجنرال خليفة حفتر.
أي أن فرنسا ضد التصعيد لكنها تدعمه بطريقة ما، وهي تساند في نفس الوقت من يحاول تخفيف التصعيد! الشيء الواضح الوحيد هو أن فرنسا مهتمة جداً بليبيا ولن تقبل بأن لا يكون لها مستقبل في البلد الغني بالنفط.
فما الذي تريده فرنسا بالفعل في ليبيا؟ ولماذا هذه الازدواجية في مواقفها؟
دور فرنسي هام في إسقاط القذافي
قبل يومين أعلنت تونس ضبط مجموعة تتكون من 13 فرنسياً، قدموا إلى تونس عبر ست سيارات رباعية الدفع، تحت غطاء دبلوماسي ومعها أسلحة وذخيرة. ليبدأ الجدل: فبينما نقلت تقارير إعلامية في تونس بأن العناصر الفرنسية كانت تقدم الاستشارة والدعم للواء المتقاعد خليفة حفتر، ردت باريس بأن الأمر يتعلق بأفراد فريق الحماية الأمنية لسفيرة فرنسا في ليبيا. هذا الحادث سلط الضوء من جديد على الدور "الغامض" لفرنسا في ليبيا.
دور يعتبر محوريا منذ اندلاع الثورة على العقيد معمر القذافي في فبراير/ شباط 2011. فالرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي يُعتبر عَرَّاب التدخل العسكري في ليبيا رغم ارتباطه سابقا بعلاقات صداقة قوية مع القذافي، لدرجة انتشار الحديث عن تمويل مفترض لحملة ساركوزي الانتخابية من طرف القذافي.
ويقول حسني عبيدي، الباحث والأكاديمي الجزائري، في تصريحات لـ DW عربية إن تمويل القذافي لحملة ساركوزي لم يتأكد، و"لكن من الواضح أن القذافي كان شخصا مزعجا بالنسبة لساركوزي وحتى لمحيطه، ولم يكن حليفا يمكن الثقة فيه كما أن نفوذه المتنامي في دول إفريقية وقتها كان مقلقا بالنسبة لفرنسا".
لكن لماذا تدعم فرنسا الآن خليفة حفتر، الذي توجد شبهات حول علاقته بسيف الإسلام القذافي؟ فنجل العقيد الراحل أُطْلِق سراحه على يد كتيبة تابعة لحفتر وتُروَّج شائعات عن أن حفتر تربطه علاقات بسيف الإسلام. وهكذا تحول القذافي الابن من سجين متابع بجرائم حرب إلى شخص يرشح نفسه من "مكان آمن" غير معروف في ليبيا للرئاسيات!
ويقول عبيدي في هذا الإطار إنه من غير الواضح ما إذا كان حفتر فعليا يدعم سيف الإسلام أم لا، لأن الأخير لا يمكن على كل حال أن يكون له مستقبل سياسي في البلد في ظل التهم الموجهة له وكونه مطلوبا للعدالة المحلية والدولية. وأضاف عبيدي: "كما أن حفتر لا يريد منافسا له على الساحة. وإنما ربما يكون اطلاق سراحه مسألة يحاول حفتر من خلالها اللعب على الأوراق القبلية وحصد دعم أنصار القذافي وقبيلة القذاذفة عموما. يعني أنها مجرد مناورة".
عقلانية أم ازدواجية في المواقف؟
وفي ظل الانقسام الكبير بين الليبيين والأطراف الخارجية الفاعلة في الأزمة، تتعمق أكثر فأكثر التخندقات في حرب الوكالة التي تشهدها ليبيا. ويبدو المشهد حاليا على النحو التالي: فرنسا بالإضافة إلى الحلف الإماراتي السعودي المصري إلى جانب حفتر المدعوم روسيا كذلك، بينما على الجهة الأخرى تدعم إيطاليا حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بقيادة فايز السراج، بينما تعد قطر أهم حليف عربي لحكومة طرابلس، وتتوزع ولاءات القبائل الليبية وتحالفاتها على هذه الأطراف، في خريطة سياسية معقدة للغاية.
عادل اللطيفي، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة باريس يفسر سياسة فرنسا في ليبيا ودعمها لحفتر بكونها نوعا من "السياسية العقلانية". وهو ما يشرحه في مقابلة مع DW عربية بالقول إن فرنسا في الأساس تعتقد أن الحل السياسي هو الحل الوحيد لإنهاء الأزمة، "لكن على أرض الواقع اتضح أن هذا الحل يصعب فرضه وهكذا وجدت باريس نفسها مضطرة للوقوف في صف حفتر، الرجل القوي الذي استطاع فرض سيطرة كبيرة على الأرض وربما يمكن التفاوض معه، على عكس حكومة الوفاق الضعيفة، التي لم تستطع فرض الحل السياسي على بقية الأطراف".
أما حسني عبيدي فيفسر الدعم الفرنسي لحفتر بعدة عوامل منها أن شخصية حفتر تحقق تقاربا "غير معهود" بين باريس وموسكو، كما أن دولا أخرى تدعم حفتر، "دون أن ننسى الصراع على المعادن والنفط والنفوذ بين إيطاليا، أكبر العارفين بليبيا، وفرنسا، التي مازالت في الواقع تكتشف هذا البلد". يضاف إلى هذا، كما يقول الخبير بشؤون شمال أفريقيا، "الهوس الموجود لدى فرنسا بخصوص الإسلام السياسي، وحفتر يروج لنفسه على أنه يحارب الجماعات الإسلامية المتطرفة، وهو ما تجد فيه فرنسا تسويقا وتبريرا لدعمها له".
صدام مصالح بين فرنسا وإيطاليا
وقد تصاعد فعلا التنافس الإيطالي الفرنسي في ليبيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة لدرجة تبادل الشكايات والاتهامات بين البلدين. فروما مستاءة من التدخل الفرنسي في بلد تعتبره جزءا من نفوذها كقوة مستعمرة سابقة، بينما تتمسك باريس بمصالحها السياسية والاقتصادية في البلد الغني بالنفط، والذي يعتبر بوابة إلى إفريقيا، خاصة دول الساحل التي تربطها علاقات جيدة بفرنسا. ومن وجوه هذا الصراع أيضا المنافسة الشرسة بين شركتي النفط والغاز توتال الفرنسية وإيني الإيطالية.
ورغم كل شيء تحاول فرنسا علنيا ورسميا الظهور بمظهر الوسيط الذي يحاول تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين والتنسيق مع الطرف الآخر: حكومة السراج، حتى أن ماكرون استقبل الخصمين معا السراج وحفتر، في قصر الإليزيه. بينما في الكواليس تدعم باريس حفتر لوجستيا وعسكريا واستخباراتيا، كما يقول خبراء، وبالتالي فهي بذلك تدعم الحل العسكري؛ رغم أن ماكرون سبق وأن انتقد التدخل العسكري في ليبيا عام 2011، ورغم أن تدخل حفتر والتصعيد في ليبيا من شأنه أن يزيد من موجة المهاجرين نحو أوروبا.
ويقول المحلل السياسي الجزائري حسني عبيدي إن ماكرون بالفعل يعيد الأخطاء، التي يتهم بها ساركوزي، لكن بشكل عام يمكن القول إن السياسية الخارجية للرئيس الفرنسي الحالي ضبابية إلى حد ما و"تبدو وكأنها مازالت في مرحلة البلورة". هذا بالإضافة إلى أن ماكرون يضع الملفات الحساسة كالملف الليبي في يد رجل يلقب في فرنسا بتاجر السلاح، وهو وزير الخارجية جون إيف لودريان، المعروف عنه ميله لعسكرة المقاربة الفرنسية والأوروبية في الملفات الخارجية، كما يقول المحلل السياسي.
سهام أشطو