الشرطة في مصر: مطالبات بالهيكلة ومخاوف من الأسلمة
٢٣ فبراير ٢٠١٢انهار جهاز الشرطة المصري كاملاً يوم 28 يناير 2011. حيث تم سحب جميع الوحدات والأفراد من الشارع، ليظهر ما سيعرف بعد ذلك بالانفلات الأمني الذي سيصبح من أكثر المصطلحات انتشاراً لوصف حالة ووضع الشارع المصري.
ومع عودة رجال الشرطة على استحياء للشارع بدا واضحاً أنه لابد من تغيير شامل في طبيعة جهاز الشرطة وعمله. فقد ظهرت على مدار العام الماضي عشرات المبادرات لإعادة هيكلة وزارة الداخلية وبنائها من جديد بحيث تصبح الشرطة وسيلة من وسائل الحفاظ على المواطن المصري بشكل جدي وفعال ودون المساس بحقوقه.
تغيير القوانين والتطهير
من أبرز أطروحات هيكلة وزارة الداخلية التى لقيت اهتماماً ما قدمته "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية". ويوضح الناشط الحقوقي كريم عراني أبرز ملامحها بالقول: "فلسفتنا أن عملية إصلاح وزارة الداخلية لابد أن تكون كاملة ولا يمكن أن تنجح بتنفيذ بعض الخطوات والتغاضي عن قرارات أخرى". إذ أن هناك سلسلة من الخطوات العاجلة والخطوات الآجلة.
فحزمة قوانين هيئة الشرطة وطريقة عملها تحتاج إلى "إعادة النظر خصوصاً القوانين التى تتيح لأفراد الأمن استخدام القوة وآليات المحاسبة والرقابة داخل الوزارة التى نعتقد أنها غير كافية ومعطلة". ويرى عراني، أحد مطلقي المبادرة، أن النيابة العامة المنوط بها الرقابة على أداء وزارة الداخلية والإشراف على مراكز الشرطة "لا تقوم بهذا الدور، ونحن نرى أنه لابد على الأقل أن ترفع النيابة تقارير نصف أو ربع سنوية إلى البرلمان، لتحقيق مبدأ المراقبة والمحاسبة داخل الجهاز".
إلى جانب تغيير حزمة قوانين هيئة الشرطة التى تطالب المبادرة بإعادة النظر فيها، يشير كريم إلى أن التغيير لابد أن يمتد إلى الأفراد العاملين في جهاز الشرطة فلابد من تحسين مستوى الأفراد وظروف عملهم وإيقاف تحويلهم للمحاكمات العسكرية في حالة التقصير والتعامل مع الشرطة كجهاز مدني وليس عسكرياً.
لكن تظل النقطة الأصعب والأكثر تعقيداً هى كيفية تطهير جهاز الشرطة من الأفراد المتورطين في قضايا تخص انتهاكات حقوق الإنسان أو ارتكاب جرائم تعذيب. يوضح كريم أن المبادرة تقدمت بمقترح لعدد من أعضاء البرلمان لتشكيل لجنة مستقلة عن الجهاز التنفيذى أو أى تيار سياسي محدد وتضم قانونيين وحقوقيين وتختص بالنظر في ملفات العاملين في وزارة الداخلية وعمل جلسات استماع معهم ومع ضحايا التعذيب أو انتهاكات الشرطة لتطهير الجهاز من الأفراد المتورطين في مثل هذه العمليات.
اللعب في جينات المؤسسات
لكن مع تغيير المشهد السياسي في مصر وفي ظل وجود أغلبية برلمانية إسلامية ممثلة في حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للإخوان المسلمين)، يتخوف بعض السياسيين أن تؤدى عملية الهكيلة لسيطرة هذه التيارات السياسية على الشرطة كما كان الحال في ظل وجود الحزب الوطني. فقد كشف الكاتب والصحفي إبراهيم عيسى في مقاله بجريدة التحرير أن اللواء عباس مخيمر عضو حزب الحرية والعدالة ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان كان يشغل في وقت سابق مدير جهاز الأمن الحربي بإدارة المخابرات الحربية.
إلى جانب تصاعد أزمة الضباط الملتحين داخل وزارة الداخلية والذين يرغبون في إطلاق لحيتهم بالمخالفة للوائح العمل داخل الوزارة. وبسبب تلك المؤشرات السابقة يبدى عيسي تخوفه من أن تؤدى عملية إعادة الهيكلة إلى ما يصفه "باللعب في جينات المؤسسات الأمنية المصرية" وتحويلها إلى شرطة دينية من خلال وضع تشريعات تلزم هذه المؤسسات بالالتزام الديني شكلا وموضوعاً أو تعيين قيادات الإخوان والسلفيين أو محسوبين عليهم في مناصب عليا في هذه المؤسسات.
"حرب مواقع وليست أسلمة"
الباحث المصري عمرو عبد الرحمن يرى أن هذه التخوفات ليست في محلها. ويوضح عبد الرحمن في حوار مع DW عربية قائلاً: "الدولة المصرية الحديثة منذ نشأتها وهي على علاقة قوية بمشروع التجديد الإسلامي السلفي بداية من جمال الدين الأفغاني. فهذه الدولة لم تنتظر الإخوان لكى تضع في أول دستور لها سنة 23 أن دين الدولة هو الإسلام. ولم تنتظر الإخوان لتؤسس مباحث الآداب لمحارب الفجور وصيانة الآداب العامة في الأربعينات. ولم تنظر الإخوان لتغلق محافل البهائيين في الستينات، ولم تنتظر الإخوان لتحارب الشيعة وأى نشاط ديني شيعي في الثمانيات والتسعينات وحتى الآن".
ويضيف عبد الرحمن أن المشكلة بين الأجهزة الأمنية والحركة الإسلامية لم تكن يوماً "مشكلة عقائدية بقدر ما كانت تجل لصراع عصابات صريح وذلك إعمالاً للمثل الأفريقي الشهير: التمساحان الذكران لا يسبحان فى ذات النهر". أي أن ما يصفه البعض بالأسلمة هو في جوهره "محاولة لكى تقوم هذه التيارات بتوسيع حيز نفوذها ومجالها ولا أعتقد أنه سيكون لها تأثير كبير على عقيدة تلك المؤسسات الأمنية".
أحمد ناجي ـ القاهرة
مراجعة: احمد حسو