الشيخ تميم أميرا لقطر، انتقال نادر للسلطة دون تغيير في طبيعة الحكم
٢٥ يونيو ٢٠١٣لأول مرة في التاريخ الحديث للدول العربية يتنازل حاكم عن سلطته طوعيا لحساب احد أفراد عائلته، ففي صباح اليوم الثلاثاء(25 حزيران/يونيو 2013) أعلن أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني(61) تنحيه عن السلطة وتسليم زمام الأمور في بلده الغني الصغير إلى نجله الأصغر، الشيخ تميم، في خطوة سلمية وطوعية غير مألوفة حتى في قطر نفسها، حيث تولى الأمير حمد السلطة في بلاده عقب انقلاب سلمي أطاح بوالده، الشيخ خليفة، في عام 1995. أما والد الأمير فجاء هو الآخر عبر انقلاب على ابن عمه، الأمير أحمد، في عام 1972.
و مهما تكون الأسباب التي دفعت بأمير قطر على التنحي وتوريث الحكم لأبنه تميم، فان تجربة قطر السلمية قد تضع حكام الخليج الآخرين في وضع حرج بهذا الصدد. وتتفاوت الآراء بشأن تقييم دور أمير قطر السابق، الشيخ حمد، فالمعجبون به ينظرون إليه باعتباره "بطل" كفاح المواطن العادي ضد الطغيان وصاحب رؤية بعيدة المدى، حولت مليارات الدولارات من إيرادات الغاز والنفط في بلاده إلى استثمارات إستراتيجية منحت قطر دورا إقليما ودوليا أكبر من حجمها.
أما منتقدو الشيخ حمد فيعتبرون أنه "يتظاهر فقط بأنه صديق الجماهير، حيث يدعم انتفاضات الربيع العربي ضد الديكتاتوريات العربية، في حين يقمع الحريات في بلاده. لكن الفريقين يجمعان على ان الشيخ حمد، وخلال فترة حكمه قد تمكن من تحويل قطر، الإمارة الخليجية الصغيرة، إلى قوة إقليمية ذات ثقل كبير على الساحتين، الدبلوماسية والمالية، في العالم.
الشيخ تميم من شخصية في الظل إلى الواجهة
ولد أمير قطر الجديد، الشيخ تميم، كابن رابع للأمير السابق، والثاني له من زوجته الثانية الشهيرة، الشيخة موزا بنت ناصر المسند، والتي كانت تقف إلى جانب زوجها بكامل قوتها الشخصية في الكثير من المناسبات، في عام 1980. وتم تعيينه وليا للعهد في الخامس من آب/أغسطس 2003 بعد تخلي شقيقه الأكبر، الشيخ جاسم، عن المنصب، وهو أيضا ابن الشيخة موزا.
تخرج الأمير تميم في كلية ساندهيرست العسكرية البريطانية المعروفة على غرار والده. كلفه والده بتولي قيادة القوات المسلحة نيابة عنه، إلى جانب رئاسة اللجنة الأولمبية، حيث أشرف وبنجاح على ملف استضافة قطر مونديال 2022. كما كان يتولى منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار، ما يعني أنه كان له دور بشكل ما في ظهور قوة قطر الاستثمارية على الساحة الدولية.
وتمكن تميم الشاب الطويل القامة والقوي البنية، خلال السنوات الأخيرة، من فرض نفسه بشخصيته القوية مستندا إلى ثقة والده ووالدته الشيخة موزا البالغة النفوذ والأناقة في آن واحد. والمعروف عن الزعيم القطري الجديد أنه ولع بالثقافة الفرنسية، حيث ينطق الفرنسية بطلاقة، إلى جانب تكلمه اللغة الانكليزية بطلاقة أيضا. ورغم ذلك لا يتجاهل الأمير الجديد جذوره الثقافية، حيث يعشق الشيخ تميم التراث والإرث الثقافي الخليجي وقد بنى لنفسه قصرا تراثيا ساحرا في الصحراء. ويتمتع الشيخ تميم بعلاقات "ممتازة مع الغرب"، خصوصا في باريس وواشنطن.
تناوب أجيال
ومن المتوقع أن يتزامن تسلم الشيخ تميم زمام الأمور في قطر مع انتهاء دور شخص محوري آخر في السياسة القطرية، هو رئيس الوزراء النجم والنافذ، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني. وربما يشمل التغيير كامل الحكومة القطرية، وبذلك تكون عملية تغيير جيل كامل عن السلطة، وهو أمر، إذا تحقق، قد يضع زعماء خليجيين عديدين في وضع محرج، مثل المملكة العربية السعودية والكويت وسلطنة عمان.
ورغم سلمية عملية انتقال السلطة من الأب على الابن، إلا أن ذلك لا يغير شيئا كثيرا في طبيعة النظام الأميري المطلق في البلاد. يذكر أن الشيخ حمد قد أجرى العديد من الإصلاحات الدستورية، من بينها إجراء انتخابات جزئية، حيث يتم انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشورى في البلاد، أما الثلث الأخير فيتم تعييه من قبل الأمير.
فهل يسيرالابن على خطى إصلاحات والده وينتقل بالبلاد إلى مرحلة أكثرة انفتاحا وديمقراطية، مما كانت عليه في عهد والده؟. أم سيكتفي بما قدمه والده؟. سياسيا لا يتوقع المراقبون أي تغيير في سياسة قطر الدولية والإقليمية. فقد تسلم الأمير تميم خلال السنوات الأخيرة تدريجيا الملفات الأمنية والعسكرية والخارجية، وفق مصادر دبلوماسية لم ترغب في الكشف عن هويتها. إقليميا، يتمتع الشيخ تميم، بحسب مصادر دبلوماسية غربية، بعلاقات جيدة مع السعودية وهو أمر أساسي لاستمرار لعب قطر دورا سياسيا قياديا في المنطقة، حسب رأي المصادر الدبلوماسية.