الصراع في السودان.. معضلة السياسة الواقعية للغرب!
٢٨ أبريل ٢٠٢٣معارك ومئات القتلى والجرحى، وهروب آلاف الناس من المدن التي تدور فيها رحى المعارك. وها قد فشلت حتى الآن محاولة السودان للتوجه نحو المصالحة والديمقراطية ودولة القانون، وتلاشت الآمال في مستقبل مزدهر للبلاد، التي يسودها الحزن بسبب الحرب بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو الملقب بـ "حميدتي". وبسبب هذه الحرب يشعر كثير من السودانيين بخيبة أمل كبيرة تجاه دور الدول الغربية.
كتب الناشط السوداني حميد خلف الله على تويتر إنه "يستيقظ على صوت الاشتباكات على الرغم من وقف إطلاق النار المتفق عليه". وسأل بسخرية مريرة : "لماذا يجب على الجنرالات السودانيين احترام الهدنة إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تظهر لهم التساهل؟ ويشكو من أن "الانقلاب العسكري قبل 18 شهرا لم يعاقب عمليا عليه أحد".
وبعد اندلاع أعمال العنف الأخيرة، بدأت الدول الغربية في الانسحاب بشكل مضطرد من البلاد، كما يقول خلف الله، في إشارة إلى إجلاء الأجانب الغربيين، والذي يعني أن التأثير الذي عملوا عليه سابقا ضاع هو الآخر.
"صراع محلي الصنع"
تقول مارينا بيتر، مؤسسة ورئيسة منتدى السودان وجنوب السودان، إن جوهر الصراع محلي الصنع. الصراع هو نتيجة لمشاكل لم يتم حلها منذ عقود: صراع على الموارد ونهم للسلطة من قبل بعض الفاعلين السياسيين وقبل كل شيء العسكريين في البلاد، إنها ديناميكية من الصعب التأثير عليها من الخارج.
رغم ذلك، فقد أرتكب الغرب أخطاء أيضا تجاه السودان منذ عام 2019 - العام الذي أُطيح فيه بالديكتاتور عمر البشير. وتؤكد الخبيرة في شؤون السودان في حوارها مع DW "على وجه الخصوص الخطأ المتمثل في عدم مشاركة قطاعات كبيرة من المجتمع المدني في المفاوضات والمحادثات الرسمية". بدلاً من ذلك، جرى الاعتماد بشكل كبير على الجيش. وتضيف: "ناشطون سودانيون ومراقبون أجانب حذروا مرارًا وتكرارًا من أنه لا يمكن الوثوق بالجيش وخاصة حميدتي، وأنه لا يمكن أن يكون هناك حل قابل للتطبيق معهم أيضا".
ثقة أكثر من اللازم بالقوى القديمة؟
هذا ما يراه أيضا الناشط الديمقراطي أحمد عصام من منصة "انتفاضة السودان – ألمانيا"، وهو ناشط يعيش في ألمانيا، ويقول لـ DW إنه لا يريد تحميل الغرب مسؤولية فشل السودان. ومع ذلك، ارتكبت الدول الغربية بعض الأخطاء "لقد كانوا إشكاليين من حيث أنهم فشلوا في التعرف على القوى الرئيسية وراء المعارضة في الشارع ومطالبها المباشرة بالإصلاح. تم تجاهل لجان المعارضة. وبدلاً من ذلك، اعتمدت الدول الغربية كثيرا على القوى القديمة".
وعلى موقع "ميدل إيست آي" ، تشير الصحفية عزة أحمد عبد العزيز إلى أن الدول الغربية ربما وثقت بسهولة في الرجلين القويين في البلاد اللذين يتقاتلان الآن. وكتبت عبد العزيز: "صاغ كلا الطرفين محاولاتهما لتأمين السلطة، بلغة تشير إلى أنهما في خدمة الديمقراطية والانتقال إلى حكومة مدنية كاملة". كانوا هم الذين أزاحوا الحكومة المدنية قبل فترة وجيزة - وبالتحديد مع الانقلاب في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 ضد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك .
وفعلا منذ تلك اللحظة، كان من الواضح أن كلاً من البرهان وحميدتي كانت لديه نوايا أخرى غير استكمال عملية الإصلاح المتقدمة بالفعل. وفقا لعبد العزيز، كانا معنيين في المقام الأول بشيء واحد: تأمين سلطتهما الشخصية. ولهذا الغرض أيضا، حافظ الخصمان على علاقات وثيقة مع موسكو.
ويتفق العديد من الخبراء على أن نفوذ روسيا في السودان قد ازداد بشكل كبير ويمكن أن يزداد أكثر. هذا يتعلق بالمصالح الاقتصادية واستراتيجية القوة، وليس بغرض الترويج للديمقراطية. وعلى هذا الأساس، لا بد أن السياسيين الغربيين قد فكروا كثيرا في المدى الذي يمكنهم تحمله لممارسة الضغط السياسي على الجيش السوداني عندما يكون الفاعلون الدوليون الآخرون، والمنافسون أحيانا، قد أقاموا بالفعل اتصالات جيدة ووثيقة معهم.
" انتقال غير مدني"
كما انتقدت مجلة "فورين بوليسي" سياسة الغرب تجاه السودان في السنوات الأخيرة. وبحسب تحليل أجرته، من المحتمل أن تكون الإدارة الأمريكية تثق كثيرا في كلام الخصمين ، اللذين تحدثا بطريقة تروق للغرب تماما. وقد أصرت الولايات المتحدة على وصف الانتقال في السودان بأنه "بقيادة مدنية"، ولكن من وجهة نظر المجلة كان هذا خطأ فادحا في التقدير: "لم يكن الانتقال في السودان بأي حال من الأحوال مدنيا".
ويعتقد الناشط أحمد عصام أن الغرب فضّل منذ فترة طويلة نموذجا مشكوكا فيه لتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في السودان يقول إن "الغرب رأى الجيش ككيان منفصل، وليس كمؤسسة تستمد شرعيتها في نهاية المطاف من المجتمع وحده. كان الغرب يميل إلى جعل الجيش حزبا سياسيا. وكان ذلك خطأ".
خيارات محدودة
في رأي مارينا بيتر، كان بإمكان الدول الغربية فرض عقوبات محتملة ضد الجنرالات في وقت سابق. وقد حاول الغرب زيادة الضغط على مساعدات التنمية التي تم تجميدها لفترة طويلة. وتضيف: "لكن الأموال جاءت بعد ذلك من دول أخرى، لذلك لم تؤد هذه المحاولة إلى شيء". بالإضافة إلى ذلك، من الواضح لخلفاء البشير أن خيارات الغرب للعمل محدودة. والسبب بحسب رأيها أن "الدول الغربية عملت بالفعل مع البشير - جزئياً بسبب الخوف من المزيد من الهجرة".
وفي الأيام القليلة الماضية، تحدثت دول غربية مرة أخرى مع الخصمين في السودان وكان عليها فعل ذلك، لأنه لولا موافقتهما لما تمكّنت هذه الدول من إجلاء مواطنيها من السودان . معضلة كلاسيكية للسياسة الواقعية: يتعين على الدول الغربية أن تدرك بشكل مؤلم أنها كانت مخطئة بشأن أهم محاوريها، ومع ذلك وحتى في الوضع الحالي، لا تزال غير قادرة على تجاوزهم.
كيرستين كنيب/ ع.خ