"العدالة سلاح ضدّ الإرهاب"
٢٣ مارس ٢٠٠٨كتابك الذي صدر حديثًا تحت عنوان "لماذا تقتل يا زيد؟" هو حصيلة رحلة بحث وتقصٍ خطيرة لمجريات الحرب وحقائقها في العراق. فما الذي دفعك إلى القيام بهذه الرحلة؟
يورغين تودنهوفر: ما دفعني إلى القيام بهذه الرحلة هو كون التغطية الإعلامية للحرب كانت تتم في السنين الأخيرة فقط من وجهة نظر قوات الاحتلال الأمريكية. أردت أن أظهر وجهة نظر الشعب العراقي الذي يرزح تحت نير الاحتلال.
بمَ يختلف الواقع العراقي ميدانيًا - حسب النتائج التي توصلت إليها - عن الصورة التي تنقلها وسائل الإعلام الغربية؟
تودنهوفر: نحن لا نشاهد الحرب الحقيقية، حيث تقوم القوات الأمريكية في كلِّ يوم بنحو مائة عملية عسكرية ضدّ الشعب العراقي - من هجمات بالقنابل وحملات مداهمة وتبادل لإطلاق النار. نحن لا نشاهد هذه العمليات، لأنَّ وزارة الدفاع الأمريكية ستكون مضطرة لو خرجت هذه العمليات إلى شاشات التلفزة إلى الاعتراف بأنَّها ما تزال تخوض حربًا ضدّ الشعب العراقي.
وفضلاً عن ذلك تنفذ المقاومة العراقية في كلِّ يوم نحو مائة عملية عسكرية ضدّ قوات الاحتلال. نحن لا نشاهد هذه العمليات أيضًا، وإلا فلا مناص أمام الإدارة الأمريكية سوى الاعتراف بوجود مقاومة عسكرية قوية ضدّ وجودها في العراق، هذه المقاومة التي تلقى دعما قويا من قبل غالبية الشعب العراقي.
وبالإضافة إلى ذلك تنفذ كلِّ يوم ما بين عمليتين إلى ثلاث عمليات انتحارية إجرامية، يقوم بها إرهابيو تنظيم القاعدة الأجانب المتبقين في العراق والذين يبلغ عددهم أقل من ألف إرهابي. لكن على الرغم من أنَّ تنظيم القاعدة لم يعد تقريبًا يلعب أي دور عسكري في العراق، إلاَّ أنَّنا نشاهده في كلِّ يوم تقريبًا لأنَّ الإدارة الأمريكية بحاجة له لكي تدّعي أنَّها تخوض في العراق حربًا ضدّ تنظيم القاعدة. لكن في الحقيقة لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تحارب مثل ذي قبل من أجل النفط، في حين تعتبر القاعدة مجرّد ذريعة "مفيدة".
يحتل "المقاوم" زيد، البالغ من العمر 22 عامًا والذي تم قتل أخويه بطريقة غير مسؤولة من قبل جنود أمريكيين مكان الصدارة في كتابك. فهل يجسِّد هذا المصير الشخصي المأزق الذي وقعت فيه قوات الاحتلال الأمريكية في عراق اليوم وفي أماكن أخرى؟
تودنهوفر: أجل، فمصير زيد هو رمز يجسِّد مصير الشعب العراقي، إذ إنَّه لم يكن يريد هذه الحرب كما أنَّه لم يلجأ إلى استخدام السلاح، إلاَّ عندما قامت القوات الأمريكية بقتل شقيقيه.
أشرت في كتابك إلى أنَّ سياسة الحرب على الإرهاب التي يتَّبعها الغرب سياسة غير ناجحة "لأنَّ معظم السياسيين الغربيين لم يتعاملوا بجدية مع ظاهرة الإرهاب". فهل تعتبر النخب الغربية في الحقيقة مصابة بالعمى إلى هذا الحد الذي يجعلها تعيش في عالم لا يمت إلى الواقع بصلة؟
تودنهوفر: معظم السياسيين الغربيين لا يعرفون العالم الإسلامي. كما أنَّهم لم يقضوا على الإطلاق بضعة أيام لدى أسرة مسلمة. وهم لا يدركون أنَّ هذا العنف الذي يرتد إلينا حاليًا في شكل إرهاب هو في الواقع نتاج ممارساتنا العنيفة.
أنت ترى في كتابك أنَّ الغرب "غير مخوّل شرعيًا" بمحاربة الحركات الإسلامية المتطرِّفة في كلِّ أنحاء العالم وليس لديه الحقّ في تحويل العالم إلى أرض معركة دموية فوضوية، من أجل فرض تصوّراته على العالم". إذن من يحقّ له أو من يستطيع لعب هذا الدور المنظِّم لشؤون العالم؟
تودنهوفر: الدول المعنية بحدّ ذاتها. وفقط في الأحوال الاستثنائية يمكن للوحدات الخاصة التابعة للأمم المتحدة أن تتدخّل. الولايات المتحدة الأمريكية غير موجودة في العراق من أجل مساعدة الناس هناك، بل من أجل ضمان مصالحها في الحصول على المواد الخام.
أنت تدعو إلى ضرورة مغادرة القوات العسكرية الغربية العراق وأفغانستان وكذلك الصومال، لأنَّ "الحرب على الإرهاب لن تحسم عسكريًا، بل في قلوب المليار وربع المليار مسلم". كيف يستطيع المرء في الحياة السياسية الحقيقية كسب قلوب الناس في البلدان الإسلامية؟
تودنهوفر: يجب علينا أن نتعامل مع العالم الإسلامي مثلما نريد أن يتعامل معنا الآخرون - باحترام وعدالة ونزاهة. وعندما نتعامل مع العالم الإسلامي كتعاملنا مع إسرائيل بكل سخاء ورحابة صدر، فعندئذ لن يكون في المستقبل إرهاب يتقنّع بقناع إسلامي.
أجرى الحوار: هشام العدم
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2008
يورغين تودنهوفر، درس الحقوق وكان عضوا في البرلمان الألماني عن الحزب المسيحي الديمقراطي لفترة تقرب من 20 عاما وكان مختصا في الشؤون الدفاعية في حزبه. ومع بداية الحرب على العراق نظر إليه على أنه من أحد أهم الأصوات الرافضة لهذه الحرب. يعمل اليوم نائب المدير العام للمجموعة الإعلامية "بوردا".