"العراق لن يخرج من دائرة النفوذ الأمريكي"
٢١ أغسطس ٢٠١٠قبل أيام من إكمال القوات الأمريكية المقاتلة انسحابها من العراق، بعد سبع سنوات من الغزو الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين، حذر طارق عزيز، أحد أبرز رموز هذا النظام من خطورة هذا الانسحاب. واتهم عزيز، في مقابلة أجرتها معه صحيفة الغارديان البريطانية في زنزانته في بغداد، الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه "ترك العراق للذئاب"، بإعلانه إنهاء العمليات القتالية في العراق وسحب قواته القتالية منه.
وإذ يستغرب الباحث العراقي غانم جواد كيف أن الأمور "تطورت في العراق إلى حد أن يطالب مسؤول سابق في نظام صدام حسين ببقاء القوات الأمريكية فيه"، فإنه يرى بأن هذا الانسحاب "أحدث نوعا من عدم توازن القوى في النفوذ وفي القوات العسكرية". ويضيف جواد، في حوار مع دويتشه فيله، بأن عزيز يقصد بالذئاب "الحالة الإيرانية في العراق، أي المجموعات الإيرانية المسلحة، سواء كانت إيرانية داخل العراق، أم ميليشيات عراقية شيعية متحالفة مع طهران وتأتمر بأمرها".
العراق ساحة مواجهة
ويشدد الباحث العراقي غانم جواد، الذي عمل لسنوات طويلة في مؤسسة الخوئي الشيعية ويدير اليوم "مؤسسة الحوار الإنساني"، على أن المشكلة الأكبر هي أن الولايات المتحدة تنسحب رغم إدراكها بأن "القوات العسكرية العراقية ليست كاملة التجهيز كي تحل محل قواتها المنسحبة"؛ مذكرا بكلام رئيس أركان الجيش العراقي الجنرال بابكر زيباري، الذي قال فيه بأن قواته "تحتاج إلى عشرين سنة كي تكون في كامل جاهزيتها".
وبالرغم من أن الانسحاب كان متوقعا إلا أنه، وحسب رأي الصحافي والمحلل السياسي الألماني شتيفان بوخن، "يأتي قبل أوانه نظرا للوضع السياسي والأمني في العراق". ويضيف بوخن، في حوار مع دويتشه فيله، بأن الإدارة الأمريكية وعدت بأن "تسلم العراق آمنا ومستقرا لشعبه وقادته الجدد، لكن هذا لم يحصل". فالوضع في العراق "لا يبشر بالخير: فشلٌ في تشكيل الحكومة وعودة جزئية للإرهاب، من هنا يمكننا القول بأن هذا الانسحاب لا يتم في الوقت المناسب".
ومع تذكيره بالعملية الانتحارية التي استهدفت مؤخرا قوات الأمن العراقية وأودت بحياة بنحو ستين شخصا، فإن بوخن لا يعتقد بأن القاعدة تقف "في رأس قائمة الأطراف التي بمقدورها أن تهدد الأمن والاستقرار في العراق"، إذ قد تشهد عمليات القاعدة "الإرهابية نوعا من الانتعاش القصير الأمد بعد انسحاب القوات الأمريكية، لكن هذا التنظيم لن يعود إلى قوته السابقة". فما يهدد الأمن والاستقرار في العراق، برأيه، هو "تدخل الدول الأجنبية في شؤونه وغياب الإرادة لدى ساسته للاتفاق على قواعد سياسية واضحة لإدارة شؤون بلادهم".
"من غير المسموح لإيران أن تهيمن على العراق"
أما الكاتب والمحلل السياسي العراقي أمير الحلو فيستغرب "هذه الضجة" حول انسحاب القوات الأميركية المقاتلة من العراق. فهذه القوات "بدأت انسحابها منذ أكثر من شهرين ولم يعد لها أي وجود في شوارع المدن العراقية". ويضيف الحلو، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "الصورة لم تتغير بشكلها التكتيكي، بمعنى التفجيرات أو الاغتيالات السياسية، بعد انسحاب آخر كتيبة مقاتلة، لأن القوات العراقية هي الممسكة فعلا بالأرض وهي التي تقوم بعمليات التفتيش والمراقبة والمداهمة والمواجهة".
أما في الجانب الاستراتيجي، أي فيما يخص الأمن القومي العراقي، سواء العلاقات مع دول الجوار أم أي محاولة لإسقاط النظام الجديد، فتبقى المسؤولية بيد القوات الأمريكية حصرا". فواشنطن لا تسمح إطلاقا بـ"تهديد الأمن القومي العراقي من الخارج وإلا لماذا تُبقي خمسين ألف جندي أمريكي في العراق؟". كما أن الأجواء الجوية العراقية ممسكة من قبل "الجيش الأمريكي لأن الجيش العراقي لا يملك قوى جوية ولا طائرات هليكوبتر".
ورغم كل ما يقال عن اتساع دائرة النفوذ الإيراني في العراق إلى درجة أن البعض بات يسميه "محمية سياسية إيرانية"، على حد كلام شتيفان بوخن، فإن أمير الحلو، رئيس تحرير صحيفة الجريدة العراقية، يرى أن بلاد الرافدين "سيبقى استراتيجيا منطقة من مناطق النفوذ الأمريكي الممتدة من أوروبا إلى دول الخليج". فأمريكا لم تأت لتقول "السلام عليكم وتغادر العراق وتتركه لقمة سائغة لإيران أو غيرها". ومهما كان النفوذ الإيراني كبيرا في العراق فمن غير المسموح لطهران "لا أمريكيا ولا إقليميا ولا حتى مذهبيا أن تفرض هيمنتها الكاملة على العراق".
أحمد حسو
مراجعة: هشام العدم