العقوبات العربية ضد سوريا هل هي محاولة لمسايرة القوى الغربية؟
٢٨ نوفمبر ٢٠١١بموافقة 19 عضواً واعتراض كل من العراق ولبنان، أقرت جامعة الدول العربية أمس الأحد (27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011) فرض عقوبات اقتصادية شاملة على نظام الرئيس السوري بشار الأسد. هذه الخطوة لقيت أصداء إيجابية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الذين يفرضان أيضاً عقوبات اقتصادية على النظام السوري.
ورغم أن العقوبات العربية تشمل فقط وقف الاستثمارات العربية في سوريا ورفض التعامل مع بنكها المركزي، بالإضافة إلى تجميد بعض الأرصدة المرتبطة بالأسد ومعاونيه، إلا أن خبراء الاقتصاد يتوقعون أن يتراجع أداء الاقتصاد السوري بفعل هذه العقوبات بنسبة ستة بالمائة. لكن هناك مخاوف من جدوى هذه العقوبات، خاصة وأن دول الجوار – ما عدا الأردن – لم توافق على تطبيقها.
عقوبات مشكوك في نواياها
هذه المخاوف عبر عنها بيتر منده، الخبير في شؤون الشرق الأوسط وسفير ألمانيا السابق لدى الأردن، لدويتشه فيله، إذ يرى بأن موقف الدول العربية التي وافقت على فرض العقوبات "مشكوك فيه سياسياً، لاسيما وأن الجامعة اتخذت موقفاً ليس ذا مصداقية فيما يتعلق بدعم هجمات حلف شمال الأطلسي في ليبيا. وبفرضها عقوبات على سوريا، فإن الجامعة العربية تعيد لعب الدور مرة أخرى، وستُجابه بانتقادات شديدة من قبل سياسيين وأنظمة حاكمة عربية".
ومن جهة أخرى يعتبر الدكتور حسن منيمنة، كبير الباحثين في مؤسسة صندوق مارشال الألماني في واشنطن، في حديث مع دويتشه فيله، أن رزمة العقوبات العربية تكتسب أهمية رمزية، ألا وهي إعطاء "شرعية ومصداقية لعقوبات دولية مماثلة أو لتصعيد مع النظام السوري على مستوى الأسرة الدولية"، مضيفاً أن الناحية العملية لهذه العقوبات ستظهر عندما تلتزم الدول الأعضاء بتطبيقها على سوريا.
إلا أن تطبيق العقوبات العربية قد تعرقله دول الجوار المباشر مع سوريا، لاسيما لبنان والعراق، اللذين صوتا ضد فرض العقوبات، وأعلنا صراحة عدم التزامهما بتطبيق العقوبات، مما قد يعطي النظام "وهم الاستمرار"، كما يشير الدكتور منيمنة، الذي يشير إلى أن للبنان "وضع خاص، لأن النظام السوري هناك له أدوات يستطيع أن يحركها، وبالتالي فإن الحكومة اللبنانية مقيدة وليست حرة، وقرارها في هذا الشأن لا يمكن أخذه بعين الاعتبار".
خصوصية دول الجوار
أما الموقف العراقي فيستوجب التوقف أمامه، لاسيما وأنه، بحسب تحليل كبير باحثي مؤسسة صندوق مارشال الألماني، يوازن "بين المبادئ والمصالح". فالعراق يحاول التصرف وفقاًَ للمبادئ الإنسانية التي تقضي بمحاولة إيجاد حل سلمي للأزمة تنهي حمام الدماء في سوريا. لكن من جهة أخرى لا ترغب بغداد في المخاطرة بمصالحها المشتركة مع نظام الأسد، خاصة وأن العراق يعتبر أحد أهم المنافذ البرية لسوريا، وأحد أكبر شركائها التجاريين في المنطقة.
من جانبه يضيف السفير الألماني السابق بيتر منده أن الأردن أيضاً، وبرغم تمسكه بالالتزام بتطبيق العقوبات، وضع سلسلة من الشروط من أجل الموافقة على فرضها. وهذا يعود أيضاً إلى علاقاته التجارية المميزة مع سوريا، والمبالغ الطائلة التي يجنيها من خلال حركة البضائع عبر أراضيه إلى الأراضي السورية. ويوضح منده أن "الموقف السياسي الألماني يؤكد على عدم فاعلية أي عقوبات اقتصادية في زمننا المعاصر – الاستثناء هنا هو جنوب أفريقيا – ولذلك أرى بأن فرض الجامعة العربية عقوبات على سوريا يأتي هنا لإرضاء قوى غربية قامت بذات الشيء مسبقاً".
وبرأي الخبير في شؤون الشرق الأوسط فان النظام السوري قادر على تجاوز جميع العقوبات العربية بسهولة. ويتابع بالقول: "فيما يتعلق بوقف التعامل مع البنك المركزي السوري، فإن النظام قادر على إيجاد سبل أخرى لنقل الأموال، عبر لبنان مثلاً. أما بالنسبة لوقف تمويل المشاريع في سوريا، فهذا لن يؤذي النظام، لأن سوريا معروفة بكونها مكتفية ذاتياً من الناحية الاقتصادية بشكل كبير. وبالنسبة لمنع مسؤولي النظام من التنقل والسفر، فهناك الكثير من رؤساء الدول الذين يخضعون لعقوبات أو مطلوبون بأوامر اعتقال ولا يزالون يسافرون بحرية".
نفاق أم دعم ضمني لدمشق؟
من جهة أخرى وصف مراقبون الموقف العربي تجاه سوريا بأنه يعد نوعاً من النفاق، لاسيما وأن الأنظمة التي فرضت العقوبات هي في حد ذاتها أنظمة قمعية، ما يجعل هذه الخطوة غير منطقية. ويتفق بيتر منده مع وجهة النظر هذه، فالدول التي انضمت إلى ركب القوى العظمى التي تطالب بتحول ديمقراطي في سوريا لا تقودها أنظمة ديمقراطية، كالسعودية واليمن والسودان، مثلاً.
أما الدكتور حسن منيمنة فيرى في هذا الطرح دعماً ضمنياً للسياسة القمعية التي ينتهجها النظام السوري، بحسب قوله. ويضيف منيمنة: "رغم الشمولية التي يتميز بها النظام السعودي، مثلاً، لا نستطيع أن نضع في خانة واحدة نظاماً وصل إلى نوع من التوازن الداخلي، وهذا هو الواقع في السعودية، ونظاماً يصر المجتمع فيه على رفض الشمولية ويحاول التخلص من قيودها ومن القمع الوحشي والقتل المستمر. لا نستطيع بحجة هذا أن نمتنع عن اتخاذ موقف صارم تجاه ذاك".
ويتفق كل من بيتر منده وحسن منيمنة على أن العقوبات العربية لن تؤثر على النظام السوري بشكل كبير، وستضر بالشعب أكثر من حكامه. لكن منيمنة يشدد على الأهمية الرمزية لهذه العقوبات، ألا وهي فتح الباب أمام تشديد المجتمع الدولي للعقوبات على سوريا، فيما يعتبر منده أن النظام السوري لن يوقف القمع الوحشي والمجازر إلا بعد اقتناع شخصي بأنه لن يكون قادراً على إخضاع الشعب السوري عن طريقها.
ياسر أبو معيلق
مراجعة: منصف السليمي