العلاقات الألمانية الإسرائيلية بين تبعات الماضي وتطلعات الحاضر
١٤ مارس ٢٠٠٩تعدّ المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في إسرائيل ضيفا مبجّلا، كما تعتبر صديقة وفيّة للدولة اليهودية، حتى عندما تعرّضت إسرائيل لانتقادات دولية بسبب الأزمة في غزّة، لم تتوان المستشارة عن تأكيد الالتزامات الألمانية تجاه الشعب اليهودي. وهو أمر أكّدته في 18 من شهر يناير/كانون الثاني من العام الجاري، عندما قامت المستشارة الألمانية صحبة خمسة من قادة دول وحكومات أوروبية بزيارة إلى إسرائيل بهدف التأكيد على تضامنها مع الشعب الإسرائيلي. في ذلك اليوم أصبح وقف إطلاق النار ساري المفعول بعد ثلاثة أسابيع من التدخّل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزّة والذي تسبب في مقتل 1300 شخص من الجانب الفلسطيني. وقبل الذّهاب إلى إسرائيل كان السّياسيون الأوروبيون قد زاروا مصر للإعلان عن دعمهم للجهود الرّامية إلى حلّ سلمي للأزمة في المنطقة.
ألمانيا صديق وفي لإسرائيل
وفي مصر وكذلك في إسرائيل أعلنت المستشارة الألمانية ضرورة وقف تهريب الأسلحة إلى قطاع غزّة كأوّل إجراء لحلّ الأزمة هناك، مؤكّدة على استعداد ألمانيا لتقديم يد المساعدة. وكانت الرسالة التي حملتها المستشارة إلى إسرائيل تفيد بأن ألمانيا هي سند قوي لإسرائيل. وجدّدت ميركل بالتّالي عهد الوفاء الذي كانت قطعته على نفسها قبل سنة عندما ألقت خطابا داخل الكنيست الإسرائيلي بمناسبة مرور ستّين عاما على قيام دولة إسرائيل، وهي ذكرى تم الاحتفاء بها في ألمانيا من خلال عدد من الفعاليات والتظاهرات الرسمية الشاملة. وكانت ميركل قد أعلنت آنذاك أن "ألمانيا لن تترك إسرائيل لوحدها وأنّها صديق وشريك وفيّ"، كما لفتت إلى أن العلاقات بين البلدين فريدة ومن نوع خاص، ترتكز على مبادئ مشتركة وعلى التضامن وعلى المسؤولية الألمانية المطلقة إزاء الماضي.
بيد أن ميركل لم تكن العام الماضي لوحدها في إسرائيل، حيث صاحبها عدد من الوزراء الألمان. وتزامن الاحتفال بالذكرى الستّين لقيام دولة إسرائيل مع أولى المشاورات الحكومية الألمانية الإسرائيلية المشتركة، التي استضافتها مدينة القدس. وشكّلت هذه المشاورات في ذلك الوقت قمّة التقارب بين الدولتين، اللتان تأسّستا في نفس الحقبة وبفارق سنة فحسب، حيث تأسست دولة إسرائيل عام 1948 وألمانيا في عام 1949.
بداية العلاقات الألمانية الإسرائلية
بداية العلاقات بين بون -العاصمة الألمانية القديمة- والقدس تعود إلى الخمسينات، حيث وقّعت الحكومة الألمانية وإسرائيل عام 1952 اتفاقية دفع التعويضات، التي اعترفت فيها الدولة الألمانية بالمسؤولية عن قتل اليهود الأوروبيين على يد النازيين. كما التزمت ألمانيا بدفع تعويضات مالية لليهود الناجين من الهولوكوست ولدولة إسرائيل. وتعهّدت بون آنذاك في أجل أقصاه عام 1965 بدفع ثلاثة مليارات مارك ألماني (عملة البلاد آنذاك) أي ما يعادل نحو مليار ونصف المليار من اليوروهات. كما تم دفع 450 مليون مارك ألماني للجنة المطالبات، التي مثّلت المصالح الفردية لليهود، اللذين تعرّضوا للملاحقة من قبل النازيين.
بالنسبة لكونراد أديناور Konrad Adenauer الذي كان شغل منصب أول مستشار لألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت التعويضات المالية لإسرائيل - نيابة عن الضحايا اليهود للإرهاب النازي - رُكنا لا يمكن الاستغناء عنه للسّياسية الألمانية لما بعد الحرب العالمية الثانية. وكان آنديناور قد قال في وقت لاحق إنه "كان يتعيّن علينا التعويض بقدر الإمكان عن الظلم الذي تعرّض له اليهود على يد النازيين".
كما كانت المصالحة مع اليهود وإقامة العلاقات مع دولة إسرائيل تعتبر بالنسبة لكونراد آديناور من أهمّ المهام السياسية لدولة ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية. ففي مارس/آذار عام 1960 التقى آديناور في فندق فالدورف أستوريا في نيويورك لأول مرّة برئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك ديفيد بن غريون. وسجّل اللّقاء بداية العلاقات الألمانية الإسرائيلية، التي تحوّلت عام 1965 إلى علاقات دبلوماسية رسمية.
علاقات تبقى غير عادية
وشهدت السنوات اللاّحقة دعما للعلاقات بين ألمانيا وإسرائيل على جميع الأصعدة، حيث كان هناك تعاون وثيق في مجال الثقافة والتعليم والبحث العلمي وتبادل الزيارات الشبابية. أما على الصّعيد السياسي فقد تقارب البلدان من بعضهما البعض بصفة مطّردة إلى أن أصبحت ألمانيا، التي تعدّ داخل الإتحاد الأوروبي أهم مدافع عن الدولة اليهودية، ثاني أكبر شريك لإسرائيل بعد الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من ذلك إلا أن الرئيس الألماني هورست كولر لفت إلى أن العلاقات الألمانية الإسرائيلية لا يمكن أن تكون عادية نظرا للذنب الألماني. وكان كولر قد قال، بعد مرور أربعين عاما على ربط علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في الكنسيت الإسرائيلي، متسائلا "من كان يظن قبل أربعين عاما بأن العلاقات بين البلدين ستتطور إلى علاقات صداقة طيبة؟".
واليوم لم تقتصر العلاقات الطيبة بين البلدين على الحكومتين فحسب، وإنّما أضفت عليها صداقات بين الكثير في كلا البلدين طابعا خاصا. بيد أن هذه الصداقة امتزجت في الفترة الأخيرة بنبرات نقدية، ذلك أن التدخّل العسكري في قطاع غزّة، وإن لم تنتقده الأوساط السياسية في ألمانيا، إلا أنه أثار لدى الرأي العام الألماني انتقادات واحتجاجات.
الكاتبة: بيتينا ماركس / شمس العياري
المحرر: هيثم عبد العظيم