العلاقات العراقية- الأمريكية إلى أين؟
١٠ يوليو ٢٠١٤كنت وما زلتُ، أدعو إلى علاقة إستراتيجية متكافئة بين العراق والدولة لكن هناك انقسام في الرأي العام العراقي والعربي بشأن هذه العلاقة، وهو من تركة فترة الحرب الباردة، عندما كان المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي، نصيراً للحركات الوطنية التحررية، بينما كان المعسكر الرأسمالي الديمقراطي الغربي بقيادة أمريكا ضد هذه الحركات. ونتيجة لهذه الصراعات خسرنا في العراق حكومة ثورة 14 تموز الوطنية المجيدة. ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار المعسكر الشرقي لصالح الغربي، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تغيرت سياسة أمريكا لصالح نضال الشعوب في سبيل الديمقراطية والتقدم. لذلك رأينا في أمريكا والدول الغربية أملاً ونصيراً لدعم شعبنا للتخلص من أبشع نظام دكتاتوري همجي عرفه التاريخ.
وفعلاً ساعدت أمريكا شعبنا فأسقطت النظام الجائر وأقامت مكانه النظام الديمقراطي البديل، بغض النظر عن التداعيات التي رافقت هذه العملية من إرهاب. و لْكي لا نكون من ناكري الجميل الأمريكي، دعونا إلى علاقة حميمة مع الدولة العظمى، خاصة وأن هناك دول ساعدتها أمريكا في تحررها من النازية والفاشية والعسكرتارية وغيرها، بقيت على علاقات إستراتيجية بعيدة المدى معها، مثل الدول الأوربية واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك كوريا الجنوبية، هذه الدول حققت نتائج إيجابية رائعة لصالح شعوبها. لذلك طالبنا وما زلنا نطالب بهذه العلاقة المتكافئة بين العراق وأمريكا، مبنية على احترام سيادة الدولة العراقية وحق الشعب العراقي في خياره الديمقراطي، واختيار حكامه عبر انتخابات حرة ونزيهة وبدون أي تدخل خارجي سواء من أمريكا أو غيرها في تقرير من يحكم العراق.
" في السياسة لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة"
والمعروف أن (في السياسة لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة)، لذلك وبعد الأحداث الأخيرة في بلادنا العزيزة (الهجمة البربرية الشرسة من قبل منظمة داعش الإرهابية وحليفاتها من فلول البعث وغيرها من تنظيمات تحت أسماء إسلامية، والمدعومة من قبل دول محور الشر: السعودية وقطر وتركيا)، وتلكؤ أمريكا في تقديم الدعم لجيشنا الباسل في مقارعة الإرهاب ضمن إطار الاتفاقية الأمنية الإستراتيجية بين البلدين، وتحت مختلف الأعذار الواهية، قمنا بانتقاد أمريكا لوقوعها تحت تأثير الدعايات المضللة التي تشنها بعض القوى الداخلية والخارجية المشار إليها أعلاه.
فما تعرض له العراق يوم 10/6/2014، من احتلال الموصل من قبل داعش، وكركوك من قبل البيشمركة الكردستانية، كان نتيجة مخطط واسع ومحكم، شاركت في وضعه أطراف داخلية ودولية عديدة من فلول البعث، ومنظمات إرهابية، وشركاء في العملية السياسية، إضافة إلى حكومات خارجية،(4)، الهدف منها إلغاء الديمقراطية الحقيقية، وفرض حكومة هزيلة على الضد من إرادة الشعب، ولتزج بالعراق في علاقة معادية لإيران إنسجاماً مع سياسات السعودية وغيرها من الدول الخليجية، وحتى احتمال شن حرب عدوانية جديدة على إيران لا تبقي ولا تذر كتلك التي شنها صدام حسين، و التي دامت ثمان سنوات أهلكت الحرث والنسل.
فحسب ما نشرته صحيفة (الحياة) السعودية اللندنية من (محضر لقاء بين كيري والمالكي مسرب الى صحيفة أمريكية)، تصرف السيد جون كيري بأسلوب فض يتعارض مع أبسط الكياسة الدبلوماسية، حيث رفض تقديم المساعدة لضرب داعش، بل راح يتصرف وكأنه وزير خارجية السعودية وليس وزير خارجية دولة عظمى ساعدت العراق على إسقاط الدكتاتورية وإقامة الديمقراطية فيه. إذ راح كيري يكرر ما اقترحه السعوديون أن الحل ليس عسكرياً وأنه ليس تنظيم داعش وحده الذي يحارب الحكومة، بل هناك مسلحون سنة، ثاروا على الظلم والتهميش والإقصاء، لذلك فالحل هو سياسي، والعراق بحاجة إلى قيادة جديدة تشمل كل الشركاء وبدون عزل أو إقصاء!!(كذا)
والجدير بالذكر أن علي الموسوي، المستشار الصحفي لرئيس الوزراء نفى هذا الخبر نفياً قاطعاً عن تسرب المحضر المزعوم (5). ولكن مع ذلك، فما يجري على أرض الواقع يعكس السياسة الأمريكية في تقاعسها لدعم العراق في حربه ضد الإرهاب البعثي الداعشي، مما يجعلنا أن نصدق أن لأمريكا دور فيما يجري في العراق من "الفوضى الخلاقة!".
ما حقيقة العجز الأمريكي أمام داعش؟
فهل حقاً الإدارة الأمريكية، وبإمكانياتها الاستخباراتية الأخطبوطية العملاقة التي مدت أقدامها إلى جميع مفاصل الحياة في العالم، هل حقاً مقتنعة بأن المالكي مارس الدكتاتورية وعزل السنة والكرد في الحكومة؟ في الحقيقة والواقع إن هذه الحجة هي مجرد تلفيق وفذلكة، القصد منها انتقام أوباما من بوش بترك العراق فريسة للإرهاب من أجل ابتزاز المالكي وإلغاء الديمقراطية.
ونتيجة لهذه المواقف الوطنية من قبل غالبية الشعب، ومراجعه، وسياسيه المخلصين، وقواته المسلحة الباسلة، تم إلحاق الهزيمة بالمخطط التآمري الخطير لإلغاء الديمقراطية. وفي هذه الحالة لا بد لإدارة أوباما ومن خدعها من اللوبيات، أن يعيدوا النظر في حساباتهم وموقفهم من العراق، فقد خرج الجني من القمقم، ولا يمكن إعادته إلى الدكتاتورية مطلقاً وتحت أي مسمى كان، فالشعب العراقي بجميع مكوناته مستعد لتقديم التضحيات من أجل حريته، وها هي الأنباء المأساوية ترد حتى في الإعلام الغربي عن الجرائم الوحشية التي ترتكبها عصابات داعش وحليفاتها بحق أبناء شعبنا في الموصل وتكريت وغيرها من المناطق الواقعة تحت هيمنتها، وها هي العشائر العربية السنية راحت تنظم المقاومة مع القوات الأمنية المسلحة لمطاردة الإرهابيين في كل مكان. كما وصرح محافظ صلاح الدين أن داعش هربت من المحافظة(9). فكل هذه الأنباء تؤكد أن الذين خططوا المؤامرة وخدعوا الناس بها قد آلت مؤامرتهم إلى الفشل الذريع، فما بني على باطل فهو باطل، وفي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح، ولذلك ردت سهامهم إلى نحورهم.
موضوعة الانفصال والوحدة الوطنية
والآن نأتي إلى المسألة الثانية، وهي الدعوة إلى استفتاء مكونات الشعب لبيان موقفهم فيما لو يريدون العيش معاً في دولة واحدة، أو الانفصال وتقسيم العراق إلى ثلاث دول. فرأى البعض تناقضاً بين المقالين، وتراجعاً مني في مقالي (تقسيم العراق لصالح إسرائيل) عما دعوت إليه في مقالي الذي قبله (لا للوحدة الوطنية القسرية).
في الحقيقة، ليس هناك أي تناقض بين المقالين. فأنا ضد التقسيم لأنه سيكون بداية لحروب طاحنة على الحدود الفاصلة بين هذه الدول أو الدويلات. ولكني في نفس الوقت ضد الوحدة القسرية. ففي أحد المقالين شبهت الوحدة بالزواج، أي يجب أن يكون اختيارياً وليس مفروضاً بالقوة، وكذلك الوحدة بين مختلف مكونات الشعب، لا يجب أن تكون مفروضة بالقوة بل بالإرادة الحرة للمواطنين. و (رب ضارة نافعة)، إذ أدرك أهل السنة العرب أنهم خُدِعوا من قيل قياداتهم السياسية، وبالتالي جعلوهم ضحية الإرهاب الداعشي البعثي. فاقتنعوا أن لا خيار لهم إلا بالتمسك بالوحدة الوطنية. وكذلك أدرك الكرد مخاطر المنزلق الذي يقودهم فيه السيد مسعود بارزاني الذي رضي أن يشارك في هذه المؤامرة مع داعش الإرهابية وفلول البعث، لمكاسب خادعة وآنية، فجعل عاصمة بلاده مأوىً للإرهابيين لتدمير العراق. ولا شك أن هذه السياسة عرضت المكاسب العظيمة التي حققها الشعب الكردي عبر نضاله الطويل والعسير إلى الخطر.