العنف في إقليم دارفور – خلفيات الصراع وأسبابه
٢٩ أبريل ٢٠٢٢ما لا يقل عن مئتي قتيل وقرابة مئة جريح، بالإضافة إلى فرار عشرات الآلاف: الصراع الذي لم يتم حله حتى الآن في دارفور يواصل حصد أرواح الكثير من الضحايا. تجددت أعمال العنف يوم الجمعة الماضي، عندما هاجم مسلحون من أصول عربية قرى تنتمي إلى قبيلة "المساليت"، وهي أقلية عرقية افريقية. ووفقا لتقارير محلية، فقد دمر المهاجمون عدة مستشفيات في المنطقة. وسائل إعلام محلية نقلت أن "المعتدين العرب" يعتبرون هجماتهم انتقاما لمقتل اثنين من أفراد قبيلتهم ماتا مؤخرا في خلاف مع أفراد من المجتمع الافريقي في المنطقة.
بلغ العنف ذروته يوم الإثنين من هذا الأسبوع، كما تقول إميلي وامبوغو، المسؤولة الطبية في مشروع تابع لمنظمة أطباء بلا حدود، في المستشفى التعليمي في مدينة الجنينة في غرب دارفور. وتضيف في حديثها لـDW بدأ القصف في الصباح الباكر، فغادر معظم المرضى المستشفى. و"لم يتبق في المستشفى إلا أربع أمهات كان أطفالهن يتلقون الأكسجين من الأجهزة". وحتى في اليوم التالي كان الوضع لا يزال صعبا. "كنا ما نزال نسمع إطلاق نار متقطع. إنه أمر صعب عندما أفكر في الأرواح العديدة التي أزهقت، والأطفال اليائسين الذين أنقذناهم كل يوم. أما الآن فلسنا قادرين على رعاية ولا واحد منهم".
تغير المناخ يفاقم الصراع
يعكس العنف الدائر هناك النزاعات التي لم تحل حتى الآن في السودان، كما ترى مارينا بيتر، رئيسة منتدى السودان وجنوب السودان. هذه الأزمات تسببت سابقا بشكل متواتر في حدوث صدامات. وتضيف بيتر في حديثها لـDW: "لقد قُتل الناس مرارا وتكرارا، وتعرضت النساء للاغتصاب، وأحرقت المنازل. لم يتوقف العنف أبدا. إنه سمة طاغية للمنطقة منذ سنوات".
وما يؤجج النزاعات حاليا هو الوضع الاقتصادي المتأزم. وتضيف بيتر: "تقل مساحات الأراضي الصالحة، سواء للرعي أو للزراعة. هذه المشكلة ناجمة عن عدة أسباب، لعل أهمها هي كارثة المناخ، وهذا أمر يمكن إثباته بوضوح. الصراع على الموارد مستمر منذ سنوات. ويمكن أن يتفاقم بسبب أسعار الحبوب التي ترتفع بسبب الحرب في أوكرانيا".
تعود جذور الصراع في دارفور إلى الجفاف والمجاعة في عامي 1983 و1984. حينها فقد مئات الآلاف كل ما يملكون. وأكبر المتأثرين بتلك الكارثة حينها هي مجموعات من السكان العرب خصوصا، بينما تطورت المجموعات الافريقية بسرعة من حياة البدو الرحّل إلى تجار استقروا في الإقليم وسيطروا على الأسواق.
في السنوات الأولى من الألفية الجديدة، تقدمت عملية السلام بين الجزأين المتناحرين للبلاد، أي شمال وجنوب السودان، وكانت الأمور تتجه نحو حل سياسي. ولكن هذا الحل لم يشمل إقليم دارفور. شعر قادة الإقليم بأنهم مستبعدون من المشاركة الاقتصادية والسياسية. وفي ربيع عام 2003 أطلقت الجماعات الافريقية المتمردة عمليات مقاومة مسلحة ضد الحكومة السودانية. فردّ رئيس السودان آنذاك (الذي أطيح به في 2019)، الدكتاتور عمر البشير، بالخيار العسكري على المتمردين، ولكن الضحايا كانوا بشكل أساسي من المدنيين.
واعتمد البشير في ذلك على ميليشيات عربية بشكل أساسي، والتي سرعان ما تحولت إلى ما يعرف بـ"الجنجويد"، مجموعات من راكبي الخيل أصبحت مرهوبة الجانب. أودت تلك الحرب بحياة حوالي 300 ألف شخص، وفقا للأمم المتحدة. ولا يزال حوالي مليون ونصف المليون شخص يعيشون في مخيمات اللاجئين.
اتفاق سلام ولكن بدون ثمار
وبعد الإطاحة بالبشير، وقعت الحكومة الانتقالية التي تشكلت من عسكريين ومدنيين، في آب/ أغسطس 2020، اتفاق سلام مع أجزاء من المعارضة المسلحة. وشمل الاتفاق عدة بنود، من بينها تقاسم السلطة ودمج جميع الجماعات المسلحة في الجيش، وعودة اللاجئين، والمعالجة القانونية للجرائم التي اقترفت خلال الحرب الأهلية، وكذلك تنظيم ملكية الأراضي.
ولكن لم يتم تنفيذ أي شيء من بنود هذا الاتفاق، كما تؤكد مارينا بيتر، والتي تضيف: "بعض الموقعين على الاتفاق حصلوا على مناصب وزارية ومناصب أخرى، فعززوا بالتالي المكون العسكري للحكومة الانتقالية - وهو ما تبين لاحقا أنه كان خطأ جسيما".
استمرار الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2021، قام الجيش بانقلاب على الحكومة الانتقالية. حيث سيطر مجلس السيادة على هرم السلطة في الدولة. وتقول خبيرة شؤون السودان مارينا بيتر: إنه من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى نزع فتيل الصراع في دارفور أو إحلال السلام هناك. وتضيف: "قادة في الجيش متورطون، منذ ما قبل الثورة، في الفساد وفي أعمال مشبوهة. ولكنهم ما زالوا في السلطة".
ولو نظرنا لأحدث تقرير لمؤشر الفساد الذي تصدره سنويا منظمة الشفافية الدولية، نجد أن السودان يتبوأ المرتبة 164 من بين 180 دولة. ومنذ الانقلاب العسكري، تتواتر انتقادات منظمة العفو الدولية حول "الاعتقالات التعسفية وانتهاكات حقوق الإنسان" في البلاد.
ويبرز هنا خصوصا رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، الزعيم السابق للجنجويد والقائد الحالي لقوات الدعم السريع. وتقول منظمة العفو الدولية: إن "كلا الرجلين كانا يعملان في عهد الرئيس البشير وهما مسؤولان عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
"يصعب تصور أن هؤلاء الأشخاص المسؤولين مباشرة عن الهجمات العنيفة، مهتمون بالتوصل لحل يرضي الجميع"، كما تعتقد رئيسة منتدى السودان وجنوب السودان، مارينا بيتر.
علاقات وثيقة مع موسكو
من غير الواضح بعد كيف ستؤثر علاقات السودان مع روسيا على الصراع. في 24 شباط/ فبراير، أي اليوم الذي بدأت فيه روسيا هجومها على أوكرانيا، زار محمد حمدان دقلو موسكو وأجرى محادثات مع مسؤولين روس، بمن فيهم وزير الخارجية سيرغي لافروف. حينها زُعم أن دقلو لم يسافر إلى موسكو بصفته رئيسا ثانيا لمجلس السيادة. ومع ذلك، تُظهر المحادثات مدى قوة العلاقة بين جزء على الأقل من القيادة السودانية وموسكو.
وبهذا يواصل مجلس السيادة سياسة الديكتاتور البشير في العلاقة مع روسيا. فمثلا شركة M-Invest الروسية، والتي تعتبر وفق وزارة الخزانة الأمريكية غطاء لمجموعة فاغنر، تمتلك حقوق التنقيب عن مناجم الذهب السودانية، التي يتم استنزافها بالتعاون مع قوات الدعم السريع.
كثير من الدلائل تشير إلى وجود احتياطيات كبيرة من النفط واليورانيوم في دارفور، بحسب مارينا بيتر، التي ترى أنه "من غير المحتمل أن تساهم هذه الثروات في نزع فتيل النزاع في دارفور. كما أن التوصل إلى حل سلمي قابل للتطبيق، وتحقيق تطور ديمقراطي، وتحسين الوضع الاقتصادي للناس في عموم السودان، تبدو بعيدة المنال، طالما بقي العسكر في سدة الحكم".
كيرستن كنيب/ ف.ي