العنف والسياسة: متلازمة عمرها قرون
٢٧ مايو ٢٠١١قبل قيام الدولة العراقية الحديثة مطلع القرن العشرين اقترنت السياسة بالعنف. وكان العراقيون يحرصون على عدم الاقتراب من السياسيين والحكام خوفا على أرواحهم. وشهدت قصور بني العباس أحداث عنف دامية، كان منفذوها في بعض الأحيان أبناء خلفاء بني العباس وزوجاتهم وبناتهم، وكان الضحايا من عناصر البلاط. وفي الدولة العراقية الحديثة التي قامت مطلع القرن العشرين اتخذ الصراع على السلطة والتنافس السياسي شكلا أكثر دموية.
بين عامي 1958 و1968
قيام جمهورية العراق الأولى في 14 تموز/ يوليو 1958 اقترن بأعمال عنف دموية فظيعة، حيث قتل الضباط الثائرون الملك فيصل الثاني وعائلته نساء ورجالا وأطفالا بالرصاص رغم أنهم خرجوا إلى شرفة قصر الرحاب وهم يحملون الرايات البيض تعبيرا عن استسلامهم للثوار وطلبهم الأمان.
ثم بحث الثائرون وبعض الأشقياء في بغداد عن الوصي، الأمير عبد الإله بن علي بن الشريف حسين الهاشمي، ورئيس الحكومة آنذاك نوري السعيد باشا واعتقلوهما بعد يومين من الثورة فقتلوهما، ومثلوا بجثتيهما، وسحلوهما عبر شوارع العاصمة، ثم علقوا الجثتين عند مدخل جسر صار يعرف فيما بعد بجسر الجمهورية.
في عام 1959 ، وقعت في مدينيتي الموصل وكركوك خلافات إثنية وطائفية وسياسية وتعرض عدد كبير من المسيحيين إلى أعمال عنف وقتل ، كما أعدمت الميلشيات الشيوعية المعروفة ب ( المقاومة الشعبية) 4 أشخاص من سكان المدينة وعلقت جثثهم أمام أبواب بيوتهم.
ردا على ذلك، قام الضباط القوميون من مدينة الموصل( ناظم الطبقجلي، وعبد الوهاب الشواف) بمحاولة انقلاب فاشلة أسفرت عن إعدام عدد منهم في منطقة أم الطبول في بغداد.
في عام 1961 تعرض الزعيم عبد الكريم قاسم إلى عملية اغتيال نفذها حزب البعث وشارك في تنفيذها صدام حسين وأسفرت عن مصرع مرافق الزعيم وسائقه وإصابة الزعيم قاسم الذي كان الحاكم الفعلي للعراق دون منصب معلن.
في عام 1963 قام البعثيون بانقلاب في 8 شباط وأسموه (ثورة 14 رمضان) ، ومع الساعات الأولى أعدم الإنقلابيون الزعيم قاسم و9 من قياداته وعرضوا جثثهم على مدى أسبوع في تلفزيون بغداد.
أعقب ذلك حملة تصفيات وتعذيب دموية يقدرعدد ضحاياها بعشرة آلاف عراقي، أغلبهم من الحزب الشيوعي الذي اعتبره التحالف القومي البعثي آنذاك عدوا سياسيا مريرا لتطلعات ما وصفوها بالأمة العربية. وهناك رحلة قطار السلام التي أقيمت من بغداد إلى سجن نقرة السلمان في مدينة السماوة في العراق ، حيث نقل آلاف الشيوعيين بقطار مغلق دون نوافذ ومطلي بالقار في رحلة استغرقت يومين في درجات حرارة تصل إلى خمسين مئوية. وصل القطار مقصده بعد أن قضى ثلث عدد راكبيه نحبهم في الطريق، ويقدر عددهم بأكثر من خمسة آلاف شخص.
في عام 1968 عاد حزب البعث إلى السلطة في انقلاب عسكري وصف بالثورة البيضاء حيث لم تسل فيه أية دماء.
بعد انقلاب 17 تموز 1968
بعد أشهر جرى إعدام عدد من العراقيين بتهم التجسس لإسرائيل وعلقت جثثهم في ساحة التحرير وسط بغداد في احتفالات حضرها مئات ألوف العراقيين.
في عام 1973 قام مدير الأمن العام ناظم كزار بمحاولة انقلابية أسفرت عن مصرعه وعدد آخر من الوزراء والضباط العراقيين.
وفي عام 1974 نشبت معارك شمال العراق بين الثوار الأكراد والسلطة المركزية أسفرت عن مصرع ألوف العراقيين من الجانبين.
في عام 1977 نقض البعثيون الجبهة الوطنية التي أقاموها مع الأكراد والشيوعيين ، ثم أعقبت ذلك حملة اعتقالات وتصفيات جسدية طالت مئات الأشخاص من الشيوعيين ومن عناصر الحزبين الكرديين( الاتحاد الوطني، والديمقراطي الكردستاني).
في عام 1979 تولى صدام حسين السلطة وبعد أقل من شهر أعلن عن قيام مؤامرة تسندها حكومة البعث في سوريا وجرى بعدها إعدام عناصر من قيادات حزب البعث بعد التشهير بهم علنا.
في عام 1980 دخل العراق في حرب السنوات الثمان مع إيران وأعدم آلاف السياسيين المعارضين لصدام على مدى سنوات الحرب وآلاف الجنود العراقيين الذين رفضوا المشاركة في الحرب أو هربوا من الخدمة العسكرية الإلزامية.
عام 1988 وبعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية وحين كانت سوزان مبارك في زيارة لزوجة الرئيس العراقي آنذاك قتل عدي صدام حسين أحد الضباط المكلفين بحماية أمه ساجدة طلفاح. وفي عام 1989 جرت تصفية وزير الدفاع العراقي عدنان خير الله ( وهو شقيق زوجة صدام حسين ساجدة) في حادث طائرة مدبر.
في عام 1990 غزا العراق الكويت واحتلها وأعدم عدد من الكويتيين والعراقيين الذين رفضوا المشاركة في العمليات العسكرية ومنهم جنرالات في الجيش. ثم أعقب ذلك انسحاب قسري للقوات العراقية من الكويت بسبب هجمات قوات الحلفاء الجوية والبرية عليهم، وأسفر ذلك عن مصرع وفقدان مئات ألوف العراقيين.
بعد هزيمة نظام صدام في الكويت
بعد هذه الهزيمة اندلعت في جنوب وشمال العراق وجزء من بغداد انتفاضة شعبية، وقام المنتفضون بقتل مئات البعثيين وعناصر الأمن والتمثيل بجثثهم.
نجح النظام في قمع الانتفاضة بعد أسبوعين، وقتل ما يقدر ب 300 ألف عراقي دفن عدد كبير منهم أحياء في مقابر جماعية.
وشهد عقد التسعينات أعمال قتل وتصفيات كثيرة، طالت في الغالب أعداء صدام حسين، ولا أحد يملك إحصائيات دقيقة عن عدد الضحايا في ظل التعتيم الذي كان يفرضه نظام الحزب الواحد.
في عام 2003 أسقط تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية نظام صدام حسين. المعارك أسفرت عن مصرع نحو10 آلاف عنصر من قوات النخبة ( الحرس الجمهوري والأمن الخاص والمخابرات)، علاوة على مصرع عدد غير معروف من أقارب وأعوان النظام وعناصر حزب العبث بعمليات القصف الجوي .
منذ سقوط نظام صدام حسين اندلعت في العراق أعمال عنف وانتقام متقابلة وتصفيات ( بعضها من قبل عصابات إجرامية) قتل عشرات ألوف العراقيين بسببها. ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الضحايا.
ملهم الملائكة
مراجعة: منى صالح