الغرب والعالم الإسلامي: تطرف متبادل؟
١٢ أبريل ٢٠٢١DW: سيد فايدنر، هذا الأسبوع سافر كبار ممثلي الاتحاد الأوروبي إلى تركيا لإجراء محادثات، وهي دولة إسلامية مهمة ودولة عبور للاجئين. ما هو انطباعك حول مثل هذا النوع من المحادثات؟
شتيفان فايدنر: هذه كانت كما يبدو مفاوضات من دون نتائج ملموسة، كأزمة اللاجئين. وأعتقد أن سوء العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا هو ضرر جانبي من الأضرار الناتجة عن الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001. نتذكر جيدا: مع مطلع الألفية عُقدت الآمال على رجب طيب أردوغان، وكانت تركيا مرشحا جديا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر أعطى لمنتقدي فكرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من المحافظين دفعة قوية، على أساس أن: الإسلام لا ينتمي إلى أوروبا. وحين أدرك أردوغان أن أبواب الاتحاد الأوروبي ستكون مغلقة بوجه تركيا، غيّر من سياسته وبدأ بتكسير الكثير من الخزف من دون داع. اليوم يظهر كشخص مُوجَّه، واللاجئون ورقة مساومته ضد الاتحاد الأوروبي، لعبة ساخرة.
في كتابكم تصورون تحرك اللاجئين من جهة على أنه نتيجة للسياسات المثيرة للسخرية لأنظمة في الشرق الأوسط، مثل سياسة الرئيس بشار الأسد في سوريا، ولكن في الوقت نفسه، ومن جهة أخرى نتيجة ردود الفعل الغربية المترددة تجاه الثورات العربية عام 2011. كيف كان رد الفعل هذا؟
لم يكن لدى الأسد الكثير ليخسره. لم يكن يتمتع بشعبية كبيرة إلا بين قليلين من المستفيدين الفسادين داخل نظامه. وراهن على الخوف من الإسلام، الذي تصاعد بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، وحاول تشويه سمعة المعارضة على أنها معارضة إسلامية متطرفة تقاد بيد الأصوليين، والتي تم تسليحها من دول الخليج. ونجح في ذلك، لأن أوروبا والولايات المتحدة ترددتا، وهو أمر أصبح مفهوما بعد التدخل الإشكالي في ليبيا. إلا أن هذا خلق فراغا، استغلتها بسرعة القوى المعادية للغرب، روسيا، تركيا، إيران والدول الخليجية. كانت هناك حرب بالوكالة في سوريا، لم يكن للغرب فيها وكيل وبالتالي كان الغرب عاجزا تماما. كان ومازال الأسد منبوذا، وهذا صحيح باعتقادي. ولكن لا يمكن التعاطف مع الميليشيات أو المعارضة الإسلامية المتطرفة. وكانت النتيجة هي أن القوى الموالية للغرب هاجرت إلى الغرب.
تكتبون، أن الغرب قد تردد أيضا لأن المتظاهرين في عام 2011 عبروا عن مطالب تحررية جادة - على سبيل المثال من أجل تكافؤ الفرص على الصعيد العالمي. ما الذي أزعج الغرب حيال ذلك؟
في البداية كان أوائل الثوار والناشطين، علمانيين وبالتالي موالين للغرب، لكن في الوقت نفسه، سياسيا، كانوا قريبين إلى اليسار أكثر مما هو مقبول غربيا ومن الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة. كانوا أشخاصا أقرب إلى ناشطي حركة "احتلوا وول ستريت". لو أنهم تمكنوا من الوصول إلى السلطة، لما نهجوا سياسة سيتمناها الغرب وسيطالب بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. من جانب آخر كان يمكن أن تكون كل الحكومات التي أرادت تحسين وضع الجماهير، شريكا أصعب من تلك الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة. فالغرب لم يكن ليستفيد من الثوار، في الغالب من منظور طويل الأمد، والذي لا ينطبق للأسف على أنظمتنا الانتخابية.
بمعنى واسع، تشيرون إلى أن عام ثورات 2011 كان فرصة ضائعة للعلاقة بين الغرب والشرق الأوسط. كيف كان يمكن أن يكون رد الفعل المناسب؟
معضلة السياسة الأوروبية والأمريكية ليست في عدم الرغبة أو عدم القدرة، ولكن موضوعيا: هل كان يجب التدخل عسكريا، حين يدور الأمر حول حرية الناس، الاستقلال، الكرامة وتحمل المسؤولية؟ في البداية لم يكن يرغب أي ناشط في أي تدخل، فقط حين ساءت الأمور ظهر نداء يطالب بالتدخل. كان يمكن أن تكون هناك خيارات أخرى غير عسكرية للتأثير على الاحداث، لكنها كانت ستكون مكلفة وتتطلب تصميما دبلوماسيا: كان يجب الضغط أكثر على بلدان الخليج إلى درجة فرض العقوبات. كان على المرء عدم قبول وقوف ممالك الخليج بجانب القوى الرجعية أو تخريب الثورات بواسطة الإيديولوجيات الإسلامية المتطرفة والجهاديين. كان على المرء فعل ما فشل في فعله بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001: محاسبة المسؤولين الأخيرين إيدلوجيا ولوجستيا وماليا – أي ممالك النفط في الخليج. تم التملص من ذلك، لأن كثيرا من أموالنا ورفاهيتنا مرتبطة بالأنظمة غير الديمقراطية هناك. وانتهى بنا المطاف إلى دفع الثمن بطريقة مختلفة، عن طريق "أزمة اللاجئين" وصعود اليمين المتطرف والشعبوي.
لننظر مرة أخرى إلى عام 2011. في بعض البلدان اختطفت الانتفاضات. في سوريا على سبيل المثال من قبل الجهاديين، في مصر من قبل الإخوان المسلمين، ومن عام 2013 من قبل الجيش. أي تطور تتوقع؟ وأي دور يمكن أن يلعبه الغرب؟
ظاهريا، فشلت الثورات العربية. ولكن ربما كانت التوقعات مرتفعة جدا. أعتقد أن علينا قراءة الثورات العربية من منظور تاريخي أوسع. حينها يمكن ملاحظة التشابه مع الثورات الأوروبية في القرن التاسع عشر، مع ثورة يوليو 1830 (الثورة الفرنسية في عام 1830) وثورة شهر مارس من عام 1848 ، أي إلى ما يعرف بفترة "فورمرتس" (فترة تبدأ بمؤتمر فيينا 1815 وحتى ثورة 1848). هذه الثورات فشلت في البداية لكنها لم تنته من دون نتائج، بل جاءت بديمقراطيات حقيقية على المدى البعيد. أنا أتوقع تغييرات قوية في عموم العالمين العربي والإسلامي في الأعوام القادمة والأعوام العشر القادمة. بإمكاننا المساعدة من خلال ضمان حسن سيرها، من خلال تعاون أقل مع الأنظمة وتعاون أكبر مع الناس، أي المهاجرين الراغبين بالعودة – ليس جميعهم – كثير منهم يرغبون بالعودة أو التنقل بين أوروبا وبلدانهم. بإمكانهم دعم القوى الديمقراطية والتعددية هناك. سوف يأخذون معهم الخبرة والتعليم بالإضافة إلى الثروة، تلك التي نجحوا بجمعها عندنا ويمكنهم الاستثمار فيها هناك. علينا دعم هذه العملية التناضحية ، مثلا عن طريق السماح بالحصول على الجنسية المزدوجة.
تكتبون عن إخفاقات العشرين عاما الماضية، تغيّر الغرب بشكل جذري. لم يعد بالإمكان معرفته، كما تقولون. هل يمكنكم توضيح ذلك من منظور الشرق الأوسط؟
العقد الذي سبق الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، كان حقبة تفاؤل وثقة في أوروبا وأمريكا. إلا أن هذا تغير حتى قبل أزمة كورونا، إذ ظهر مزاج ما بعد النشوة. بجانب الارتفاع في مستوى التفاوت الاقتصادي والفوضى في عالم الإعلام الجديد، كان السبب الرئيس لامتداد أزمة العالم العربي هي: الهجرة التي بالنسبة لكثيرين لم يكن من الممكن السيطرة عليها، أو مثلما تم تصويره من قبل الشعبويين: الإرهاب، والذي لم يعد إسلامياً فقط، بل أبيض وغربيا: هاناو ، مدينة هاله، كرايستشيرش (نيوزيلندا) ..إلخ. وفي المجمل كان هذا تطرفا متبادلا، ساهم في نجاح دونالد ترامب، والذي بدوره أدى إلى تفاقم الحالة المزاجية السيئة. والخروج من هذا الوضع أمر صعب، مثلما يتعين الآن على بايدن التعلم فيما يتعلق بإيران وأفغانستان. وعلى أوروبا أن تتكلم بصوت واحد، سيكون أمرا مثاليا - بالاتفاق مع الولايات المتحدة - لكن ليس ضروريا. ويجب أن نتعامل بطريقة غير متزمتة وغير تقليدية في بعض الأحيان، أن نُنشأ انفتاحا سياسيا، وإمكانيات. وأخيرا، مثلما قلت، نراهن أقل على الأنظمة وأكثر على الناس، على سبيل المثال من خلال سياسة أكثر تساهلا للحصول على تأشيرات.
أجرى الحوار: كيرستين كنيب
*** صدر كتاب شتيفان فايدنر عام 2021 عن دار النشر هانزر بعنوان: غراوند زيرو: 11 سبتمبر ومولد الحاضر. وبالألمانية: Stefan Weidner: Gorund Zero: 9/11 und die Geburt der Gegenwart, Hanser Verlag