أين الفاعلون الدوليون من مخاطر إبادة جماعية في السودان؟
٩ يونيو ٢٠٢٤"في السودان ينفد الوقت أمام ملايين الأشخاص الذين يواجهون خطر المجاعة الوشيك بعدما نزحوا من أراضيهم ويعيشون تحت القصف وانقطعت عنهم المساعدات الإنسانية"، بهذه الكلمات الحازمة، حذرت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية في الأيام الأخيرة من مجاعة في السودان، وذكرت في بيان مشترك أن طرفي الصراع في هذا البلد الذي تمزقه الحرب تعمدا جزئيا منع وصول المساعدات للمدنيين.
وكانت أليس ويريمو نديريتو، مستشارة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمنع الإبادة الجماعية، قد أشارت سابقاً إلى الوضع الكارثي في السودان، وحذرت قبل بضعة أيام في بيان أمام مجلس الأمن الدولي من أن العنف في إقليم دارفور ربما يكون بالفعل قد بلغ حد الإبادة الجماعية. وأضافت: "المدنيون يتعرضون للهجوم والقتل بسبب لون بشرتهم وبسبب انتمائهم العرقي".
وترى منظمة أطباء بلا حدود الأمر نفسه. وقالت رئيسة الاستجابة الطارئة لأطباء بلا حدود في السودان كلير نيكوليه: "إننا نشهد (..) حمام دم يجري أمام أعيننا".
ووفقا لأطباء بلا حدود، فقد قُتل ما لا يقل عن 145 شخصا وأصيب أكثر من 700 آخرين منذ 10 مايو/ أيار وحده. ولم تعد منظمات الإغاثة قادرة على مواصلة العمل بعد الآن بسبب العنف.
وضع خطير في الفاشر
ويُعتبر الوضع في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بالغ الخطورة بشكل خاص. إذ فرَّ إلى هناك أكثر من مليون شخص هرباً من الحرب. وتسيطر القوات المسلحة السودانية (SAF) تحت قيادة عبد الفتاح البرهان على المدينة، وفي الوقت نفسه، تحاصرها قوات الدعم السريع المنافسة (RSF) تحت قيادة محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي) وتهاجمها بشكل متكرر.
وتحذر مارينا بيتر، رئيسة منتدى السودان وجنوب السودان الألماني، في مقابلة مع DW قائلة: "الفاشر على شفا حدوث مجاعة". وأضافت أنه إذا استولت الميليشيات على المدينة، فمن المرجح أن تؤدي إلى حركة لجوء ضخمة أخرى. كما يمكن أن نتوقع ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية، كما هو الحال في المدن الأخرى التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع. وأوضحت بيتر: "أولئك الذين يملكون بعض المال يمكنهم، مع قليل من الحظ، مغادرة المدينة. لكن الفقراء سيذبحون تماما".
تحالفات هشة
وحسب تقديرات بيتر فإن قوات الدعم السريع قامت بتصرفات وحشية لإجبار السكان على الانضمام إليهم، و تقول إن "الفاشر في الأساس هي القطعة المفقودة. إذا نجحوا في ذلك، فإن السودان سينقسم إلى قسمين - وهذا سيكون بمثابة كارثة على المستوى السياسي".
وعلى الأرجح، ترجع وحشية تصرفاتهم أيضاً إلى حقيقة أن كلا الجانبين يواجهان ضغط الوقت. فكلما طالت مدة الحرب، كانت احتمالات انهيار التحالفات أقوى. وحسب تحليل لمجموعة الأزمات الدولية (ICG)، فإن كلا الجانبين قد استند إلى تحالفات مع ميليشيات محلية. وهذا يؤدي إلى صعوبة السيطرة على كل تحالف على حدة. "لقد دخل الصراع مرحلة جديدة خطيرة، يستمر فيها السودان في التفكك"، وفقا لمجموعة الأزمات الدولية.
دور الفاعلين الدوليين
وتعتمد الأطراف المتحاربة بشكل أكبر على التحالفات مع شركاء دوليين. على سبيل المثال، أطلق قائد الجيش عبدالفتاح البرهان مبادرة دبلوماسية تجاه إيران في الخريف الماضي. ومنذ ذلك الحين، تمتلك القوات المسلحة السودانية أيضًا مسيرات مقاتلة يمكن من خلالها ممارسة ضغط كبير على خصومها. ومن الواضح أيضًا أن مصر والسعودية تدعمان البرهان. وبغض النظر عن الوضع الصعب، فإن البرهان يواصل تصوير نفسه على أنه الرجل القوي في البلاد. وتحلل الخبيرة بيتر الوضع: "كلا من مصر والسعودية ترغبان في رؤية شخص مثله على رأس دولة تدار بإحكام".
وعلاوة على ذلك، فإن مصر والسودان مرتبطتان أيضًا لأسباب سياسية وأيديولوجية، كما تقول عالمة السياسة هاجر علي من معهد "GIGA" أو (المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق) في مدينة هامبورغ ، الذي نشر مؤخرًا تحليلاً لحرب السودان يفيد بأن سياسات البرهان والطابع المحافظ للحكومة المصرية يشبهان بعضهما البعض، وعليه فإن "مصر لا تعمل مع قوات الدعم السريع (المنافسة) لأنها ليست جهة فاعلة تابعة للدولة".
ويقدم حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، نفسه كمقاتل ضد الإسلامويين. وبهذا الدور أيضًا، تمكن من الفوز بدولة الإمارات العربية المتحدة كداعم له. كما أن روسيا تقف إلى جانبه، على الأقل بشكل غير مباشر. وفي المقابل، أعطى حميدتي ميليشيا فاغنر - التي أعيد تسمية الجزء النشط منها في أفريقيا الآن بالـ "الفيلق الأفريقي" - حقوق التنقيب عن احتياطيات الذهب الهائلة في السودان. والآن تخطط روسيا أيضًا لإنشاء مركز لوجستي في بورتسودان، والذي سيتم توسيعه ليصبح قاعدة بحرية على المدى الطويل. ووفقا لتقارير إعلامية، فقد كان هناك اجتماع مماثل بين المبعوثين الروس وقيادات القوات المسلحة السودانية في نهاية أبريل/ نيسان الماضي.
وتقول هاجر علي: "ترغب كل من الإمارات وروسيا في توسيع نفوذهما في أفريقيا بشكل عام". وتابعت أنه لدى الدولتين مصلحة مشتركة في احتياطيات الذهب في السودان. بالإضافة إلى ذلك، يعد السودان مهمًا لكلا البلدين من أجل تعزيز تواجدهما بقوة في قارة أفريقيا. "ويفضل أن يتم ذلك من خلال التعاون مع الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل حميدتي، الذي يفلت من سيطرة الدولة"، حسبما ترى هاجر علي.
مصلحة في "عدم استقرار متحكم فيه"
بشكل عام، يبدو أن الجهات الدولية لديها قليل من الاهتمام بحل الصراع. "بالنسبة لجميع الدول المعنية، يعد السودان بوابة إلى البحر الأحمر ومن خلاله إلى أفريقيا"، كما تقول علي. ولهذا فإن عدم وجود أي مؤسسات تعمل بشكل طبيعي في السودان تقريبا، أمر يأتي على هواهم. وهذا يقلل من أوقات الانتظار إذا كنت ترغب في إنشاء قاعدة عسكرية أو تواجد دبلوماسي".
وتابعت هاجر علي: "كل ذلك يتم بسرعة أكبر بكثير من خلال قنوات غير رسمية وغير شفافة، كما هو الحال حاليًا في السودان. وفي هذا الصدد، فإن الجهات الفاعلة على المدى الطويل لديها اهتمامات أقل بالسلام من اهتمامها بانعدام للاستقرارمتحكم فيه".
أعده للعربية: صلاح شرارة