الفتنة الطائفية في مصر.. نار تحت رماد أم مخطط أمني؟
٩ مارس ٢٠١١بدأت القصة بتوتر بين المسلمين والمسيحيين في مركز أطفيح، بمحافظة حلوان، جوب القاهرة، على خلفية علاقة حب بين رجل مسيحي وسيدة مسلمة، نشبت على إثرها خلافات عائلية بين الأهالي تطورت إلى اعتداء على إحدى الكنائس.
وتصاعدت التوترات على مدار اليومين الماضيين في مناطق متفرقة في العاصمة، ووصلت ذروتها ليل أمس الثلاثاء (08 آذار / مارس) عندما وقعت اشتباكات بين متظاهرين من الجانبين، بعدما قام نحو ألف قبطي بسد طريق رئيسي سريع. وتم خلال الاشتباكات تبادل إلقاء القنابل الحارقة والحجارة، ليسقط نحو 10 قتلى و ما يصل إلى 140 جريحا من الجانبين، نقلا عن مصادر رسمية.
وأثار ذلك التردي المفاجئ دهشة المصريين الذين انقسموا في الرأي حول أسباب خروج الأزمة الطائفية على هذا النحو في هذا التوقيت. لاسيّما في وقت فاحت فيه رائحة مستندات تتحدث عن تورط وزير الداخلية المصري الأسبق حبيب العادلي بأوامره المباشرة في تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية. لتسليط مزيد من الضوء على التطورات الأخيرة في القاهرة تحدثت "دويتشه فيله" تحدثت مع المحامي القبطي ممدوح نخلة:
"دويتشه فيله" : الناس مندهشة.. النعرات الطائفية اختفت منذ بداية الثورة تماما وحلت محلها الوحدة الوطنية الحقيقية البعيدة عن الشعارات، ولكن ما الذي حدث في هذه الفترة؟
ممدوح نخلة: ما حدث هو أنه أثناء الثورة، كان هناك تلاحم شعبي رهيب بين المسلمين والمسيحيين في ميدان التحرير وخارجه. التف الجميع حول مطالب عادلة مشتركة سياسية واحدة، لكن ما أن هدأت الثورة حتى عاد الجدل مرة أخرى ليظهر على السطح. الجدل بين الطرفين كان معطلا فقط، لكنه موجود منذ سنوات.
أفهم من كلامك أنك تعزو تلك الأحداث إلى أسباب توتر قديمة بين المسلمين والأقباط، لكن البعض يتهم يعض قوى الأمن بالضلوع فيها. ما رأيك؟
نعم صحيح، وأنا أتفق مع هذا الرأي. الجدل القديم بين الطرفين يمثل السبب الأول للأزمة الأخيرة. لكن السبب الثاني، والذي أرجحه أنا شخصيا، هو أن أعوان النظام القديم وأعوان وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وانهيار أمن الدولة أسهموا في إشعال الفتنة بدرجة كبيرة. أعتقد أن أمن الدولة أرادت إرسال رسالة للجيش، الذي يملك زمام الأمور حاليا، مفادها أن الفتنة الطائفية موجودة، وأنك لن تستطيع حل هذه المشكلة، لأن الحل عندنا في ملفاتنا.
بالحديث عن أمن الدولة هل ترى ثمة دلالة في توقيت تلك التوترات، التي تأتي بعد أيام من إتلاف مستندات ووثائق أمن الدولة في مقارها بمختلف أنحاء الجمهورية؟
لا أستبعد أن تكون هذه الأحداث قد جاءت عمدا للتمويه على قضية الأوراق المفرومة على يد كبار قيادات مباحث أمن الدولة. لذلك، فقد أرادت جهات أمنية تصدير الأزمة الطائفية برمتها للجيش، حتى تؤكد على نظريتها، التي ترى أن جهاز أمن الدولة لو تم تفكيكه أو حله، ستواجه البلاد كارثة طائفية بين المسلمين والأقباط.
كيف تقيم أداء الجيش المصري في التعامل مع الاشتباكات؟
أعتقد أن الجيش تأخر كثيرا في السيطرة على الموقف. الجيش وقف موقفا سلبيا وحياديا في وقت لا تصلح فيه السلبية ولا الحياد. حتى في مسألة كنيسة أطفيح، لم يستطع دخول القرية، وكان يتعين عليه الدخول بحزم. وكذلك عندما قطع الأقباط الطريق في المقطم، (ضاحية في القاهرة) وقف الجيش أيضا بين الطرفين مما زاد من أعداد الضحايا. كان عليه حسم المشكلة في وقت قصير.
وما الذي كان منتظرا منه للتعامل مع المعتصمين؟
للجيش أن يستخدم القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه، وله أن يعتقل العناصر المهيجة للجماهير، وهو ما قام به فعليا، لكنه تأخر كثيرا إلى أن وقعت ضحايا. لا أطالب بأن يستخدم قوة مفرطة ضد المدنيين، لكني أتحدث عن القوة المعهودة في أغلب بلدان العالم والمشرعة دوليا والتي تستخدم لفض الاعتصامات.
أما أن يترك المسألة على هذا النحو، فقد دفع المسيحيين لاعتباره غير محايد، بل رأوا أنه مع المسلمين. كذلك المسلمون أيضا رأوا أنه مع الأقباط. الطرفان اعتبرا أن الجيش لا يحالفهما، وهو ما زاد من سخونة الموقف، فتبادلا إطلاق النيران وقنابل المولوتوف، بما أدى لتلك المذبحة.
وماذا عن الحكومة الجديدة، ما الذي تتوقعه منها لحل الأزمة جذريا؟
على الحكومة أن تكف عن التعامل مع الأزمة الطائفية بالأمن فقط، كما دأبت طوال السنوات الماضية. هناك وسائل أخرى ينبغي اللجوء إليها مثل وسائل الإعلام، التي كانت للأسف تعمل على تغذية الفتنة الطائفية مؤخرا. للأسف كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والمستقلة تسمح بمناظرات بين الطرفين تؤدي إلى شحنهما. الإعلام مهم جدا لدرء الفتنة. كذلك على الحكومة التركيز على الثقافة والتعليم لتعزيز فكرة قبول الآخر لدى الطلاب منذ الصغر، بدلا من المناهج التي تزرع فيها أفكارا طائفية.
بالنهاية كتقييم عام، من هو الطرف الذي تحمله المسؤولية الأكبر في تفجر الأزمة الأخيرة؟
تريدين الحقيقة؟ هناك كثير من الفتيات القبطيات يرتبطن برجال مسلمين دون أن تكون هناك ردود أفعال عنيفة. لدي شكاوى من منظمات قبطية بشأن الإبلاغ في أقسام الشرطة عن فتيات تزوجن من مسلمين ولم يحدث أي شيء. وعند التحري نكتشف أنها علاقة حب عادية، فنقوم بتهدئة الأهالي المسيحيين ونقول لهم هذه أمور عادية تحدث في أي مكان في العالم. لكن في المقابل بالنسبة للمسلمين، باعتبارهم الأغلبية، نرى أنهم يجدون صعوبة في تقبل هذا الأمر. كما يرون أنه إذا أحبت مسيحية مسلما وأسلمت، فإن في ذلك انتصار للإسلام. لا يعتبرونها قصة حب عادية. في المنيا هناك أكثر من 10 حالات رصدناها لفتيات قبطيات تزوجن رجالا مسلمين دون أن تحدث أي ردود فعل من الجانب القبطي. المتطرفون يحاولون إفساد هذه الأمور، ويحولونها إلى حرب بين الأديان.
أجرت الحوار – أميرة محمد
مراجعة: شمس العياري